مأزق المشروع الإسرائيلي والأحلاف المتصارعة
حسين قاسم
في ندوة في العاصمة الألمانية برلين، عُقدت بعد شهر واحد من اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر في العام 2001، وبعد مرور ثماني سنوات على توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الغاصب، سأل مواطن ألماني الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي جورج حاوي، الذي كان يُحاضر في الندوة المذكورة، لماذا لا تقيمون سلامًا مع إسرائيل. أجاب حاوي بهدوء تام، كون السائل مواطنًا ألمانيًا، أنه وقبل التفكير في أي شيء من هذا القبيل، على إسرائيل أن تتخلى فعليًا عن مسألتين أساسيتين: أنها دولة دينية يهودية، وعن كونها كيانًا حاميًا لمصالح الغرب، لا سيما المصالح الأمريكية، في الشرق الأوسط. وأضاف أبو أنيس، إذا بقي الوضع كما كان وكما هو حاليًا، ستواجه إسرائيل معضلة في وجودها الأساسي، وهي باتت في صلب أزمة وجودية حقيقية تعصف في أساسيات قيامها.
بعد أكثر من عقدين، بدأت دولة الاحتلال تواجه ما حذر منه الشهيد الكبير. خاصة أن المشروع الإسرائيلي، منذ توقيع اتفاق أوسلو، يواجه أزمة هزيمة أهدافه التوسعية وانكفائه إلى داخل الكيان، فقد شكلت هزيمته في لبنان نقطة البداية، لتتكامل مع انطلاقة انتفاضة الحجارة في فلسطين. لكن سرعان ما تم اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، لتبدأ بعده صعود القوى المتطرفة وبداية التراجع عن فكرة السلام. لتبدأ مرحلة متقدمة في الطروحات الصهيونية التي تمثلت تباعًا بطرح شعار يهودية دولة الكيان، احترازًا لمسألة التغييرات الديموغرافية المرتقبة في التكاثر المضطرد لسكان فلسطينيي 48.
شكلت التحركات والاحتجاجات التي حصلت بعد فوز نيتنياهو واليمين المتطرف بالانتخابات الأخيرة، والتي شملت عموم قطاعات إسرائيل الحيوية، بما فيها الجيش والقضاء، تعبيرًا واضحًا عن عمق الأزمة التي يواجهها الكيان منذ تأسيسه في العام 1948. حتى أن الطوفان الفلسطيني في السابع من أكتوبر العام 2023، لم يلغِ ولم يخفف من الطابع الوجودي للأزمة، بل زادها تفاقمًا بصرف النظر عن نتائجها النهائية، حتى لو كانت نصرًا كاسحًا للكيان الغاصب، بل سيحفر عميقًا في فكر الجيل الجديد، وسيفكك من طبيعة الفكر الذي حملته الطبقات السياسية المتعاقبة منذ تأسيس دولة الاحتلال.
فبعد كل تلك التطورات، لم يعد هناك مكان للحلول الوسط، فإما أن يستمر الفكر الجامد والمتطرف، وبالتالي استمرار الاحتلال مع سيادة سياسة القمع والقتل والإجرام ومصادرة الأراضي، وإما عليهم أن ينتظروا مئات الطوفانات. وأن المسألة ليست في حماستان ولا في فتحستان، بل في استغلال اللحظة الراهنة نحو تحقيق الاستقلال الفلسطيني الناجز، والتخلي عن فكرة الصفة الدينية لإسرائيل، وعن التهديد المستمر للاستقرار في منطقة استراتيجية وحيوية في العالم. وبالتالي، فإن المأزق الصهيوني يتعمق طالما تزداد طبيعته القصوى. وبناءً عليه، فإن غض طرف القوى الحاكمة في إسرائيل عن المستجدات المتتالية، سيطول الصراع الراهن ويتعمق وسيحمل في طياته مفاجآت وتداعيات ليست في حسابات أحد. فالذي لم يحسب حسابًا لما كان يُحضَّر في قطاع غزة، وبعد ثمانية أشهر من معارك مع ميليشيات وليست مع دول، وسط دعم دولي له منقطع النظير، ولم يستطع حسمها، فلن يستطيع مواجهة المستجدات المقبلة.
Visited 181 times, 1 visit(s) today