من قصص الضاحية: كيف أنقذتُ بْلاك من موت مُحقق
المصطفى اجْماهْري
كنت ما زلت صغيرا حين، ذات يوم بعيد، أنقذت بلاك من موت محقق. لكن من هو بلاك، يا ترى ؟ هو اسم كلب كان والدي قد رباه في مزرعته، فكانت مهمته الحراسة. الكلب من فصيلة محلية، قصير القوائم، أسود اللون تقريبا. كان بْلاك لطيفا مع أفراد العائلة، لكنه ينبح كثيرا إن شمّ، ولو من بعيد، رائحة أجنبي.
مع الوقت، أصبح بْلاك متعلقا بجميع أفراد العائلة. كأنه واحد منها. وكان ذوقه في الأكل غريبا بالنسبة للكلاب الأخرى، فهو يفضل أكل قطع الجزر مخلوطة بقطع الخبز المرطب في الماء.
وذات يوم حدث بجوارنا ما يشبه الزوبعة.
جارنا، العرْبي، وجد بقرته، ذات صباح، مريضة. عرف ذلك من تصرفها غير الطبيعي، ومن الزبد الأبيض الذي كان يخرج من فمها. جرى العربي لإخبار المصلحة البيطرية، فبعثت الطبيب الذي فحص البقرة واكتشف أنها مصابة بداء السعار.
مخافة انتشار العدوى، أمر الطبيب بأن تسلم البقرة إلى المسلخ للتخلص منها. كما أمر بإعدام جميع الكلاب الموجودة في البيوت المجاورة.
في اليوم التالي، جاء الطبيب في سيارة المصلحة. وضع حقيبته ومعداته تحت شجرة جنب الطريق وطلب من السكان إحضار كلابهم لحقنها بالإبرة وبالتالي الحكم عليها بالموت الرحيم. طبقا للتعليمات قدم الجيران كلابهم واحدا واحدا للطبيب البيطري. فكان الكلب، بعد حقنه، يتلوى من الألم ثم سرعان ما يموت.
كان والدي متخوفا من أجل بْلاك ولا يرغب في فراقه. وأنا أيضا وجميع أفراد العائلة كنا متخوفين من أن يموت بالإبرة وهو في صحة جيدة. ثم كيف سيُعديه داء السعار وهو لم يقترب يوما من البقرة المريضة ؟
هكذا خطرت ببالي فكرة : قررت إخفاء بلاك عن أعين الطبيب حتى تمر الحملة. أخذته في سلسلة وذهبت به بعيدا عن البيت نحو ربوة عالية. صعدت للربوة ومن هناك رحت أراقب البيطري وبلاك المسكين بجانبي لا يعلم ما يجري.
حتى إذا حلّ المساء رأيت البيطري، وقد أنهى عمله، يركب سيارته ويغادر المكان.
كان الوقت غروبا حين رجعت بهدوء إلى البيت صحبة بْلاك. حذرين من أن يرانا أحد. كنت متخوفا من أن ينبح فيُسمع صوته ويكتشف أمره. لكنه، كمن شعر بشيء، ظل صامتا وهو يتبعني. دخلنا البيت دون ضجيج. ربت والدي على ظهر بلاك وقدم له أكلته المفضلة، فتمسح به معبرا عن فرحته. أما أنا فكنت سعيدا لأنني أنقذت بْلاك من موت محقق، عاش بعده سنين أخرى طويلة.