الحرب الشاملة أو التسوية القادمة…

الحرب الشاملة أو التسوية القادمة…

أحمد مطر

     حدثان بارزان، حصلا خلال هذا الأسبوع، الفارق الزمني بين الحدثين سبع ساعات، استهداف فؤاد شكر في حارة حريك، وإسماعيل هنية في طهران،  حدثان يعبران بوضوح عن نية بتصعيد المواجهة العسكرية الدائرة بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود اللبنانية الجنوبية مع إسرائيل.
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، هكذا تبدو وباختصار الأجواء السائدة على الساحة اللبنانية، بعد أن تراجعت كافة الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ووضعت على الرفوف الخلفية لتحل مكانها مواقف التهديد والوعيد الإسرائيلية بشن هجوم كبير على لبنان، والذي جرى ترجمته بالاعتداء السافر على الضاحية الجنوبية يوم الثلاثاء الماضي .
وبعد هذا التطور الأمني الخطير فإن منسوب القلق يتجه نحو المزيد من الارتفاع، خصوصا أنه أتى في الوقت التي كانت تنفي فيه أكثر من جهة دولية أن تصيب شظايا المواجهات بين لبنان وإسرائيل الضاحية الجنوبية، وقد أتت حادثة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية لتزيد من معطيات المواجهة التي قد تتوسع لتصبح إقليمية.
وفي هذا الإطار، يمكن اعتبار اغتيال هنية أتى بمثابة إعلان حرب على إيران وعلى جميع القوى والأطراف الموالية لها، والتي لا يمكن السكوت أو التغاضي عن مثل هكذا اعتداء بهذا الحجم، وذهبت المصادر لتؤكد بأن ما حصل من استهداف مباشر لطهران من خلال عملية الاغتيال، غطى جزئيا على موضوع الاعتداء على سيادة لبنان من خلال ضرب الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله، واستهدافها واغتيالها للقائد العسكري الأول في الحزب فؤاد شكر.
من هنا، فإن الاعتداء الإسرائيلي المزدوج لكل من حماس وحزب الله في طهران وبيروت، خلّف إرباكا كبيرا على الساحتين الإيرانية واللبنانية وحتى الإقليمية، وباتت معه كل التوقعات مفتوحة على كافة الاحتمالات، كذلك أصبحت الصورة لدى معظم السياسيين ضبابية، بانتظار ما سيتبلور من معطيات في الساعات المقبلة وتداعيات عسكرية وأمنية، علما أن الرد من حزب الله ومن إيران  سيكون حتمي دون معرفة المكان والزمان، وبالتالي طريقة هذا الرد، باعتبار أن الاعتداء الإسرائيلي تجاوز كل قواعد الاشتباك والخطوط الحمراء.
طرحت عملية استهداف إسرائيل القيادي العسكري البارز في حزب الله، في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي كان توعد بها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والقادة العسكريين مؤخرا القيام بها، بذريعة الرد على سقوط الصاروخ في بلدة مجدل شمس في هضبة الجولان السورية المحتلة منذ أيام، مخاوف وتساؤلات، عن إمكانية قيام الحزب بالرد ضمن عمليات محدودة، أو بتصعيد واسع النطاق قد تتوسع إلى حرب مفتوحة مع إسرائيل.
أكثر من مؤشر يوحي، باحتمال إبقاء المواجهة القائمة بين حزب الله وإسرائيل، ضمن ما أطلق عليه قواعد الاشتباك المعمول بها منذ اشتعال جبهة الجنوب، قبل ما يقارب التسعة أشهر، وهو مبادرات إسرائيل وفور تنفيذ ضربة الضاحية، نقلا عن مسؤول بارز، بأن تنتهي المرحلة الحالية عند هذا الحد، وأن لاتتطور نحو الأسوأ، بينما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية تنشيط الاتصالات والمشاورات الديبلوماسية، لاحتواء الضربة الإسرائيلية، وتفادي التصعيد بين الطرفين، فيما لوحظ أن خطاب السيد نصرالله أثناء تشييع فؤاد شكر، الذي أكد فيه على أن الرد حتمي وعليهم الانتظار، مع التأكيد على استمرارية عملية إسناد غزة، ما يؤشر إلى عدم تصعيد المواجهة العسكرية الدائرة مع إسرائيل، نحو حرب مفتوحة وواسعة النطاق، وأن يبقي رده على العملية ضمن حدود الردود السابقة على الاستهدافات الإسرائيلية، التي تناولت قادة ميدانيين للحزب في أكثر من منطقة.
وتلاحظ جهات مراقبة، أن عدم صدور بيانات وتصريحات تصعيدية وتهديدات عالية اللهجة، من قبل إسرائيل وحزب الله في أعقاب الضربة، يعتبر مؤشرا على الاستمرار في خوض المواجهة ضمن معادلة اعتبار الاغتيالات والعمليات الأمنية، ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها، وليس خارجها، بالرغم من التهديد بعمليات والرد عليها من كلا الطرفين.
وتذكّر الجهات المراقبة، بأكثر من عمليات اغتيال نفذتها إسرائيل خلال الأشهر الماضية، وفي مقدمتها استهداف القيادي في حركة حماس صالح العاروري ورفيقيه بالضاحية الجنوبية لبيروت، وضمن المربع الأمني لحزب الله، وأتى الرد عليها من الحزب، بتكثيف عمليات القصف ضد المواقع العسكرية الإسرائيلية في المناطق والبلدات المحاذية للحدود اللبنانية الجنوبية، ولم تؤد إلى خروج المواجهة العسكرية عن نطاق تبادل الضربات لكلا الطرفين، بتوسعة الاشتباكات المسلحة إلى حرب مفتوحة وواسعة النطاق.
ولكن بالرغم من كل الاستنتاجات والتوقعات، لا بد من انتظار بعض الوقت، لمعرفة نتائج الضربة الإسرائيلية الجديدة، وردود الحزب عليها، بالرغم من كل المؤشرات التي تدل على الاستمرار في خوض المواجهة العسكرية القائمة ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها، باعتبار أن تغيير القواعد المذكورة، نحو حرب مفتوحة على نسق الحرب الإسرائيلية العدوانية على قطاع غزة، يتجاوز قدرة الحزب ويتعلق بإيران مباشرة، كما يتجاوز إسرائيل أيضا، ويتطلب موافقة أميركية مسبقة، وكلا الدولتين تتلاقيان، على رفض التصعيد وتوسعة الحرب، ما يسهم بابقاء الصراع الدائر ضمن وتيرة الاشتباكات الدائرة، ولا يتجاوز نطاقها.
ختاماً كل هذه التطورات، تظهر بوضوح مدى انكشاف الوضع الداخلي، أمام التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة ومضاعفاتها، في ظل عدم وجود سلطة كاملة ومتكاملة، قادرة على التصدي ومنع تكرار مثل عمليات الاغتيال هذه، والحفاظ على وحدة واستقرار وسلامة لبنان.

Visited 80 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني