رحيل الصحفي الفلسطيني الكبير بلال الحسن

رحيل الصحفي الفلسطيني الكبير بلال الحسن

    غياب:

عن عمر يناهز الـ 85 عاما، رحل اليوم الخميس الصحافي والسياسي الفلسطيني بلال الحسن.

يعتبر بلال الحسن من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، حيث كان عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعضوا لمجلسها الوطني، كما أنه كان من أبرز الصحافيين والكتاب العرب.

ينحدر بلال الحسن من أسرة فلسطينية عريقة، فهو شقيق خالد الحسن الذي ترأس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي عرف بعلاقته الخاص مع قادة في الخليج ومع الملك الحسن الثاني، وهو أيضا شقيق الراحلين هاني الحسن وعلي الحسن، وهما أيضا من الشخصيات الفلسطينية المعروفة. كما أنه عم سعيد الحسن، منسق المؤتمر العام لنصرة القدس.

ولد  بلال عام 1939 في حيفا بفلسطين، وعاش متنقلا بين عدة عواصم منها بيروت، دمشق، تونس والرباط واستقر في باريس التي توفي فيها.
يعتبر بلال من جيل الصحافيين العرب الذين اسسوا الصحافة العربية الحديثة في الستينيات انطلاقا من لبنان بعدما هاجر إليها من حيفا بفلسطين إثر النكبة.
بدأ يكتب في مجلة «الحرية» التي كانت تصدرها حركة القوميين العرب من بيروت، وكان ضمن كتابها الروائي غسان كنفاني.

كما كان بلال من مؤسسي جريدة «السفير» اللبنانية سنة 1974. وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، اضطر لمغادرة بيروت وانتقل إلى باريس ليشرف على مجلة «اليوم السابع» وهي مجلة فلسطينية اسسها ياسر عرفات، وعرفت بمشاركة كتاب عرب وأدباء ومفكرين معروفين منهم جوزيف سماحة، مدير التحرير، ومحمود درويش، اميل حبيبي، سميح القاسم، شاكر مصطفى، حسن حنفي، محمد عابد الجابري، طارق البشري، صلاح محمد ابراهيم، أنور عبد الملك، برهان غليون، محمد الباهي. وقد كان بلال الحسن رئيسا للتحرير.

وينتظر نقله من باريس التي توفي توفي فيها، ليدفن جثمانه في الرباط حسب مصدر من عائلته بعد استكمال إجراءات نقله من باريس.

 من مؤلفاته:

قراءات في المشهد الفلسطيني: عن عرفات وأوسلو وحق العودة. 2008. المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت- ثقافة الاستسلام. 2005. دار رياض الريس للكتب والنشر. بيروت- الخداع الإسرائيلي رؤية فلسطينية لمفاوضات كامب ديفيد وتوابعها. 2003. المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت.

 فيما يلي إعادة نضر لشهادة في حق الراحل بلال الحسن بقلم بشير البكر، بعنوان:

بلال الحسن مايسترو “اليوم السابع”

       الحسن من جيل الصحافيين العرب الذين أسسوا الصحافة الحديثة في العالم العربي، والتي بدأت من العاصمة اللبنانية في منتصف الستينات. ويتشكل هذا الجيل من مجموعة من الشباب الذين جاؤوا إلى المهنة من السياسة والأدب، ومنهم لبنانيون وسوريون وفلسطينيون، وقلة من بقية الأقطار العربية مثل مصر والمغرب العربي والعراق والخليج العربي. وكان بلال من المجموعة التي بدأت مشوارها المهني في مجلة “الحرية” التي كانت تصدرها حركة القوميين العرب من بيروت، وتعمل فيها مجموعة من الكتّاب مثل غسان كنفاني وطلال سلمان وفضل النقيب..إلخ. ويرأس تحريرها حينذاك محسن ابراهيم الذي أصبح لاحقاً أحد أبرز السياسيين اللبنانيين. وبرز بلال لاحقاً في صحيفة “المحرر” مع هشام ابوظهر، وانفرد على صفحات هذه الجريدة بكشف قضية الجاسوس إيلي كوهين الذي عمل في سوريا ما بين 1961 و1965 وألقي عليه القبض في 24 كانون الثاني وأُعدم في 18 أيار 1965.

وشارك بلال الحسن العام 1974 في تأسيس صحيفة “السفير” إلى جانب طلال سلمان، وظهرت بصمته الخاصة في العدد الأول من الجريدة في الحوار الذي أجراه مع الزعيم ياسر عرفات. وعن تلك اللحظة كتب طلال سلمان “مع إعداد العدد الأول واجهنا مسألة: بمن نبدأ؟ وبماذا نبدأ؟ أي عنوان رئيسي سوف تحمله «السفير» في إطلالتها الأولى. وكان منطقياً أن نفكر في القادة الذين يستحقون صدارة العدد الأول للجريدة الجديدة. فكرنا بكمال جنبلاط فرحّب، لكنه كان على سفر، واستقر الرأي على الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، لكن وقته مزدحم بالمواعيد… ومهمتنا تتطلب أن يتفرغ لنا بضع ساعات. ذهب بلال الحسن ورابَط أياماً في الفاكهاني حتى أتيح له أن يجري المقابلة المطولة على دفعات… وعاد بها في اللحظة الأخيرة قبل رسم الصفحة الأولى، فكانت لها صدارة العدد الأول”.

واستمر دور الحسن في “السفير” من موقعه كرئيس تحرير، في تعميق البُعد العربي للصحيفة، وخصوصاً الشؤون الفلسطينية في مرحلة كانت مفصلية في حياة لبنان والثورة الفلسطينية التي عبرت تلك الحرب وخرجت منها بخسائر كبيرة، لكنها بقيت متماسكة لتواجه الاجتياح الاسرائيلي للبنان في حزيران 1982، ورغم انها نجحت في صد الهجوم ومنعته من تحقيق أهدافه المباشرة، فإن الضغط الدولي والعربي اضطرها لمغادرة لبنان في 11 أيلول. وكان على بلال أن يغادر إلى دمشق التي جاء إليها مع عائلته التي هاجرت من حيفا الى لبنان العام 1948، ومن ثم إلى دمشق في العام 1950، وهناك درس بلال وبدأ مشواره السياسي مع الحكيم جورج حبش.

لم يبق بلال بعد مغادرة بيروت طويلاً في دمشق، حيث التقاه عرفات في آخر زيارة له إلى العاصمة السورية وأقنعه بالانتقال الى تونس مقر منظمة التحرير الجديد، من أجل تأسيس مجلة اسبوعية تصدر في أوروبا، وكانت ولادة “اليوم السابع” في باريس التي صدر عددها الأول في تشرين الأول 1983، ودشنت بذلك ولادة صحافة عربية جديدة تقوم على المهنية التي من شروطها المصداقية والموضوعية. وتميزت “اليوم السابع” بفريق من الصحافيين المحترفين على رأسه جوزيف سماحة، مدير التحرير، وعدد من الكتّاب المعروفين منهم محمود درويش، اميل حبيبي، سميح القاسم، شاكر مصطفى، حسن حنفي، محمد عابد الجابري، طارق البشري، صلاح محمد ابراهيم، أنور عبد الملك، برهان غليون، الباهي محمد. واشتهرت المجلة بأنها جسر بين مشرق العالم العربي ومغربه، وكان هذا الجسر يربط ما بين المشتركات، خصوصاً الثقافية. وخلال أقل من عام صارت المجلة العربية الأولى، وفي بعض البلدان لا يعرضها الباعة في الأكشاك، بل صاروا يوزعونها كاشتراكات لنخب معينة تواظب على قراءتها، وبذلك تحولت إلى ما يشبه تياراً سياسياً ثقافياً فكرياً. وللمرة الأولى، سلّطت مطبوعة أسبوعية، على قدر كبير من المهنية، الضوء على المناطق المهمشة إعلامياً، مثل اليمن وموريتانيا والسودان وبلدان الخليج والمغرب العربي. وقبل ذلك كان الإعلام العربي يتعاطى مع هذه البلدان إما على نحو دعائي يقتصر على الإيجابيات، لأنها مصادر تمويل، مثل بلدان الخليج والعراق وليبيا والجزائر، أو أنه يهملها ولا تحضر إلا في بعض المناسبات مثل اليمن والسودان وموريتانيا وتونس. وهذه الدول لم تدخل لعبة تمويل الصحافة إلا في وقت متأخر، وعلى نحو محدود.

اختار ابو عمار، بلال الحسن، لرئاسة تحرير “اليوم السابع”، لسببين. الأول، لأنه مهني وكانت هذه الصفة لازمته في صحيفة “السفير”، عدا عن أنه خبير واسع الاطلاع على الشؤون الفلسطينية والعربية. فبلال ابن اسرة فلسطينية منخرطة في العمل السياسي الفلسطيني، شقيقه علي، من زعامات الإخوان المسلمين، وشقيقاه خالد وهاني من قيادات حركة “فتح” البارزين، في حين أن بلال اختار المنحى القومي واليساري. انتسب لحركة القوميين العرب أولاً، ومن ثم الجبهة الشعبية، وفي لحظة الانشقاق في العام 1969 ذهب نحو اليسار في الجبهة الديموقراطية، وصار عضواً في مكتبها السياسي بزعامة نايف حواتمة، لكنه لم يمكث طويلاً بسبب سياسات حواتمه ومواقفه من أحداث الأردن العام 1970. وعلى الصعيد العربي كان على صلة ومعرفة مباشرة بقيادات حركة القوميين العرب في سوريا وفلسطين ولبنان وحتى الخليج والعراق، واستفاد من علاقات شقيقيه خالد وهاني في بناء علاقات عربية، وهذا هو السبب الثاني الذي جعل عرفات ينتدبه لرئاسة تحرير “اليوم السابع”. فخالد الحسن (أبو السعيد)، أحد ألمع قيادات “فتح”، كان على علاقة جيدة مع الكويت ويحمل الجنسية الكويتية وعمل سكرتيراً لبلدية الكويت، كما ربطته صلة وثيقة مع السعودية والمغرب وصداقة شخصية مع كل من الملك فهد بن عبد العزيز حين كان ولياً للعهد ومع الملك الحسن الثاني، وكان يحمل الجنسية المغربية. واستفاد بلال من ذلك وحمل الجنسية الكويتية أيضاً، وحين تولى رئاسة تحرير “اليوم السابع”، حصل على الجنسية المغربية التي أهلته لترخيص المؤسسة (الأندلس الجديدة) التي صدرت عنها مجلة “اليوم السابع” من الدائرة 17 في باريس من شارع “توكفيل” القريبة من محطة ميترو “فاغرام”.

وسهل الشقيقان خالد وهاني، لبلال، الكثير من العقبات من أجل صدور المجلة، والحصول على أخبار خاصة وحصرية، وفي مرات عديدة كان خالد الحسن يزود المجلة بمحاضر جلسات سرية لوزراء الخارجية العرب والزعماء العرب، خصوصاً تلك التي كانت تنعقد من أجل فلسطين. وكانت علاقة بلال مع ابو عمار أكثر من جيدة، وساهم كثيراً في كسر الرسميات وجود محمود درويش في المشروع. وقد لاحظتُ ذلك خلال زيارات عديدة للزعيم الفلسطيني برفقة درويش وبلال، وفي حوارات أجريناها معه، أبرزها حديثان، الأول في العام 1985 خلال حرب المخيمات، والثاني في ختام انعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر الذي جرى خلاله إعلان دولة فلسطين في 15 تشرين الثاني 1988. وكنا نزور أبا عمار بعد منتصف الليل، ويطول الحديث حتى الفجر. وهنا يمكن أن أسجل شهادة خاصة في علاقة عرفات مع “اليوم السابع” والحوارات معه. كان السهل الممتنع الذي يعطيك كل شيء ويمنع عليك نشر ما يمكن أن يشكل لك سبقاً صحافياً مدوياً. كان عرفات خزان معلومات، تصل مكتبه كل يوم، كمية كبيرة من المعلومات السرية، لكنه لا يفرج عن أكثر من 5% منها.

وكان عرفات يرى بعيداً حين طلب من بلال تأسيس “اليوم السابع” التي أحدثت فارقاً نوعياً في المهنة، وتحولت خلال فترة قصيرة إلى منبر سياسي وثقافي عربي بسقف أعلى من كل سقوف الصحف التي كانت تصدر في المهجر وكان عددها لا يستهان به، حيث كانت هناك أسبوعيات عديدة تصدر من لندن (المجلة، الحوادث، التضامن، الدستور) ومن باريس (المستقبل، الوطن العربي، كل العرب، الطليعة). وكان السائد في تلك الفترة هو موضة المجلات الأسبوعية التي تصدر من لندن وباريس، ولم تكن هناك صحافة يومية سوى صحيفة “الشرق الأوسط”، وكانت سعودية رسمية، ومن بعد ذلك صدرت “القدس العربي” التي كانت تعاني مشكلة التمويل في البدايات. وشكلت الصحافة الأسبوعية المهاجرة ظاهرة في الحياة العربية لها تأثيرها، وتحسب لها الأنظمة العربية كل حساب، وصارت دول تتنافس في تمويل وشراء الصحف الأسبوعية وبعضها يحاربها، كما حصل مع أسبوعية “الحوادث” ذائعة الصيت في السبعينيات والثمانينيات بسبب جرأتها. وتعرض صاحبها ورئيس تحريرها، سليم اللوزي، للخطف والتصفية الجسدية من قبل نظام حافظ الأسد الذي مارس الأسلوب نفسه ضد صحيفة “الوطن العربي” التي كانت محسوبة على العراق، واستهدفها بسيارة مفخخة فجرها قرب مقرها في شارع “ماربوف” في باريس.

ولم تدخل “اليوم السابع” في لعبة حروب الأنظمة، وصرفت جهدها لتشكيل منبر مهني للدفاع عن القضية الفلسطينية، وهذا أحد أسباب فرض احترامها على قطاعات من القراء كانت تبحث عن صحافة متحررة من حروب الأنظمة. ورغم أن تمويل “اليوم السابع” كان يأتي من منظمة التحرير الفلسطينية، فإنها أبقت على مسافة من المنظمة ولم تقم بالدعاية للزعماء، وإنما الدفاع عن القضية بشكل عام، ولذا أفسحت على صفحاتها المجال لكافة التيارات والتنظيمات الفلسطينية، وخصصت مساحة جيدة للداخل الفلسطيني الذي لم يكن يحظى بالاهتمام الكافي من قبل الصحافة العربية الصادرة في الخارج.

توقفت “اليوم السابع” عن الصدور في كانون الثاني 1991، مع الحرب الأميركية على العراق، وكان ذلك بقرار من الزعيم ياسر عرفات الذي لم يقدم لنا تبريراً كافياً حين التقيناه، جوزيف سماحة وأنا، في صنعاء في أيار 1991، وطلب منا أن نعيد إصدارها، لكن من تونس، ولم يحصل ذلك لاختلاف شروط المكان والزمان.

وتبقى الإشارة إلى أن بلال الحسن عمل بعد توقف “اليوم السابع” لفترة قصيرة في صحيفة “الحياة” في لندن، ومن بعد ذك كاتبا في صحيفة “الشرق الأوسط”، ولكنه غادر المسرح منذ سنوات وتوقف عن الكتابة والمتابعة الصحافية منذ حوالى سبعة أعوام، لمرض ألمَّ به، ومنعه من ممارسة كل أنواع النشاط السياسي والإعلامي والفكري، وصار الرجل شبه معزول عن العالم، باستثناء زوجته هانية التي تتكفل بالإشراف على وضعه. واستحضار تجربة “اليوم السابع” يستدعي التوقف عند دور بلال الحسن الذي وضع الخط التحريري العام للمجلة، وتلخص في عناصر عديدة: تلازم السياسي والثقافي، ضرورة فتح قنوات حوار فعلي بين مشرق الوطن العربي ومغربه، والعمل على إعادة فلسطين إلى قلب الحراك السياسي والثقافي العربي. وقد لعب الموقع الباريسي دوراً أساسياً في ربط صلات المجلة بقرائها من الكويت إلى موريتانيا، وأعطاها مذاقاً خاصاً بالنظر إلى ما تتمتع به العاصمة الفرنسية من حرية فكرية وثقافية وسهولة في المواصلات.

يسجل لبلال الحسن أنه تمكن من مقاطعة الخيوط في تجربتي “السفير” و”اليوم السابع” في نقطة واحدة، لتكون فلسطين بوصلة الديموقراطيين العرب.- عن “المدن-

Visited 78 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة