آلان ديلون .. البداية والنهاية (*)

آلان ديلون .. البداية والنهاية (*)

رضا الأعرجي

     أخيراً، وعن عمر يناهز 88 عاماً، وفي منزله بمنطقة دوش في فرنسا، توفي آلان ديلون، أسطورة السينما الفرنسية الذي لم يرد أبداً أن يتذكره الناس بشعره الأبيض ووجهه المتجعد.

     في وقت سابق من هذا العام، تم تشخيص إصابة ديلون بسرطان الغدد الليمفاوية، وهو نوع من سرطان الدم. وقد أصبحت حالته الصحية الهشة منذ اصابته بسكتتين دماغيتين في 2019، ورغبته في انهاء حياته بالقتل الرحيم، والخلافات بين أبنائه حول رعايته، أحد الموضوعات الساخنة لوسائل الإعلام الفرنسية.

     ولد آلان في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1935، في منطقة تسمى سودرهام، بإحدى ضواحي باريس. كان والده فابيان ديلون، وهو من أصول كورسيكية، مديراً لدار سينما ووالدته إديث أرنولين عاملة في صيدلية. وارتبطت طفولته بالعديد من المشاكل حيث انفصل والداه عندما كان عمره أربع سنوات فقط. وبعد الانفصال عاش مع والدته وزوجها الجزار لفترة من الوقت، لكن هذه الفترة لم تكن ممتعة بالنسبة له.

    وبعد عدة تجارب في مدارس مختلفة وطرده من مدارس أخرى، قرر الالتحاق بمدرسة سان نيكولا العسكرية، لكن هذا الطريق لم يدم طويلاً، إذ اختار، في سن السابعة عشرة، الانضمام إلى البحرية الفرنسية، وكان حاضراً في جميع الحروب الاستعمارية الفرنسية في شبابه المبكر. وبعد عودته إلى فرنسا، انتقل إلى باريس وتولى العديد من الأعمال المؤقتة قبل دخوله عالم السينما.

     دخل ديلون عالم السينما عام 1957، حيث قام وعمره 22 سنة بدور صغير في فيلم (في وضح الشمس) من إخراج رينيه كليمنت. كان هذا الدور هو أول خطوة كبيرة له، لكن أدائه في فيلم (عندما تتدخل النساء) للمخرج الفرنسي إيف أليجريه عام 1960 كان نقطة التحول في حياته المهنية، إلا أن ما جعله مشهوراً ويصبح أشهر وجه شاب في السينما الفرنسية تمثيله في فيلم (الساموراي) الذي أخرجه جان بيير ملفيل عام 1967. لعب ديلون في هذا الفيلم دور القاتل المحترف، وتمكن من جذب استحسان نقاد السينما في جميع أنحاء العالم.

     اضطلع ديلون ببطولة 80 فيلماً بينها العديد من الروائع. وقد أصبحت جميعها من كلاسيكيات السينما. وزاد تعاونه، خلال مسيرته الطويلة، مع مخرجين كبار مثل أنتونيوني، فيسكونتي وغودار، من مصداقيته.

     آلان ديلون، باعتباره أشهر شخصيات السينما الفرنسية، كان دائماً في دائرة الضوء ليس فقط بسبب مهاراته التمثيلية ولكن أيضاً بسبب الجوانب الجريئة في حياته. ومن أهم جوانب حياة ديلون علاقته بالممثلة الألمانية النمساوية رومي شنايدر. التقى الاثنان في موقع تصوير فيلم “Famous Loves”  عام 1959، وبدأت علاقة رومانسية أصبحت واحدة من أشهر العلاقات الرومانسية في الستينيات لتنتهي هذه العلاقة العاطفية، على الرغم من حبهما العميق، في عام 1963. وعندما توفيت شنايدر بشكل مأساوي عام 1982، أثارت وفاتها سيلاً من الاتهامات حول خيانة ديلون لها.

     يرتبط جزء آخر من حياة ديلون بعلاقته بالمافيا والجماعات الإجرامية.

في عام 1968، تم العثور على جثة شخص يدعى ستيفان ماركوفيتش في ضواحي باريس. كان ماركوفيتش معروفاً بأنه الحارس الشخصي لديلون، وقد أثار مقتله الكثير من الجدل، وتسبب في التحقيق معه من قبل الشرطة. وعلى الرغم من عدم إثبات أي اتهامات رسمية ضده، إلا أن هذا الحادث ترك وصمة عار على حياته الشخصية والمهنية.

    وكانت مواقف ديلون السياسية جزءً آخر مثيراً للجدل في حياته. لقد دعم بشكل علني وجهات النظر اليمينية، بل ودعم بعض السياسيين الفرنسيين اليمينيين المتطرفين في السنوات الأخيرة. ورافقت هذه المواقف ردود فعل حادة وانتقادية، خاصة في المجتمع الثقافي الفرنسي الذي يغلب عليه التوجه اليساري.

     أثارت وفاة ديلون ردود أفعال كثيرة حول العالم كونه أحد أكثر نجوم السينما الفرنسية والعالمية شهرة، وقد أشار العديد من الشخصيات السينمائية والثقافية بما في ذلك ممثلون ومخرجون وسياسيون، إلى ديلون باعتباره أسطورة سينمائية. وقال جان رينو، زميل ديلون وصديقه منذ فترة طويلة، في بيان: “لم يكن آلان ديلون مجرد ممثل، بل كان رمزاً للسينما الفرنسية وترك معه جزءا من تاريخ السينما”. كما أشار بيير ريتشارد، وهو ممثل فرنسي بارز آخر، إلى ديلون باعتباره “رجلا يتمتع بموهبة استثنائية”، وأضاف: “لقد عاش دائما أدواره ولم يتردد أبدا في تقديم أفضل ما لديه”. ووصف لويس جاريل، الممثل الفرنسي الشاب، ديلون بأنه قدوة في مهنة التمثيل وقال: “لقد أظهر لنا آلان ديلون كيف نصل إلى القمة بالالتزام والمثابرة”.

     وعلى المستوى الدولي، كانت ردود الفعل واسعة جداً. ووصف أسطورة هوليوود روبرت دي نيرو ديلون بأنه “ممثل لا يضاهى” و”عاش دائماً أدواره، وكان له تأثير عميق على أجيال الممثلين اللاحقة”. كما كتب المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي في بيان له: “كان ديلون أحد هؤلاء الممثلين الذين صنعوا التاريخ في كل مرة ظهر فيها على الشاشة”.

_______________________

(*) مقدمة لما سيأتي

Visited 41 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

رضا الأعرجي

صحفي وكاتب عراقي