أي بديل للدولة الطائفية.. بمناسبة مئوية الحزب الشيوعي اللبناني (1924 – 2024)
بول أشقر
عام 1974 وبمناسبة العيد الخمسين للتأسيس، صدر “كتابات مختارة” لفرج الله الحلو وهو يتضمن القليل من كتابات أبي فياض لفترة تمتد من نهاية الثلاثينات إلى اواسط الخمسينات. و كانت النيّة أن يلي هذا الإصدار الأول كتب اخرى تعرّف الشيوعيين واللبنانيين على فكر أبرز قائد عرفه الحزب الشيوعي اللبناني. مرت خمسون سنة إضافية وما زلنا نعيد طباعة نفس الكتاب. أرى أنه يليق بمئوية الحزب لا بل من أبدى واجباته إنجاز طباعة آثار فرج الله الكاملة والانكباب على أخذ شهادات مِن كل مَنْ عرفه وما زال حيّاً ( وهم / هن يتضاءل عددهم / هن كل يوم).
في الستينات، حضرنا فيلم “رجل لكل الفصول”، فرج الله الحلو ينطبق عليه لقب رجل لكل المهام: المنظم، الصحافي، المفكر اللبناني والعربي، المستمع إلى الجميع بعناية، والكل يستمع إليه، الأخصام كالحلفاء… وقبل كل شيء، رجل حرّ. وبسبب هذه الحرية، دفع ثمناً غالياً وغالياً جداً أولاً داخل حزبه ومن ثم في مماته. فرج الله الحلو كان أيضاً بطلاً حقيقياً من أبطال الاستقلال، ولو أعطاه النظام شيئاً من حقه لكانت تقزّمت الكثير من القامات التي سميت زوراً أبطالاً. لست هنا للحديث عن فرج الله الحلو ولكتي أعرّج عليه لأننا بأمس الحاجة لأبي فياض، ولم نكن يوماً بحاجة إليه كما نحن اليوم.
أتوقف فقط عند ميزتين للرجل مستشهداً بالتقرير الذي ألقاه في رأس السنة من عام 1944 أمام مؤتمر الحزب.
الأولى، أن الرجل ينطلق دائماً من الواقع لا من النظرية وهو من قال: “وأشكال التنظيم في الحزب تخضع لظروف الحياة ولا يمكن إخضاع ظروف الحياة لأشكال التنظيم، وليس لأي حزب جدي أن يزعم أنه يستطيع ذلك، وكل محاولة من هذا النوع تعطي تنظيم الحزب طابعاً انعزالياً وتقوده حتماً إلى الفشل والإفلاس”.
الثانية، أنه كان واعياً لنقاط ضعف الكيان فكانت وحدة الشعب خطاً أحمراً عنده وكانت همّه اليومي ومن هنا مثلاً تحذيره للشيوعيين حتى قبل انتهاء الحرب الكونية: ” يجب ان نعلم ايضاً أن ليس كل من أعجب من قبل بقوة المانيا العسكرية، ولا كل من شك في البدء بانتصار الاتحاد السوفياتي فاشستياً، ولا كل من لم يصوت لنا في الانتخاب رجعياً”
مع اقترابنا من مرور نصف قرن على اندلاع الحرب، وفي مراجعة نقدية لما حدث، يبدو لي أن جذور أزمتنا الحالية – وعنوانها الأول إنهيار الدولة لا بل إنهيار كل شيء – تعود تحديداً إلى انتصار النظام النيو-الطائفي الذي عجنته الحرب على الدولة الطائفية التي كانت قائمة من قبلها. ببساطة، مع اندلاع الحرب، بدأ انهيار الدولة. بعد ما سمي بـ”حرب السنتين”، لم تكن حكومة سليم الحص الأولى– تحية لروحه في هذه الأيام – إلا آخر سراب لاستعادتها. ثم كرّت مسبحة التفكك بدءاً بعهد أمين الجميل مروراً بحقبة رفيق الحريري وصولاً إلى ما بعد الدوحة، كلها عتبات في الانهيار والانحطاط. بكلمات أخرى، بشير الجميل هزم دولة والده، ووليد جنبلاط مشروع دولة كمال، ونبيه بري حلم دولة موسى الصدر. تقمصوا أسلافهم في الشكل ولكنهم صفّوهم في المضمون. منذ لحظة اندلاع الحرب، خلق النظام النيو- طائفي هذا بنيته التحتية بتصحير التنوع المناطقي والثقافي، وما لم يستطيعوا تصحيره آنذاك (كالنقابات) قضوا عليه في نهاية الحرب. الدليل الساطع بأن النظام النيو- طائفي (أو نظام زعماء الطوائف كما تشاؤون) قضى بالضربة القاضية على النظام الطائفي التقليدي يكمن في أن حركات سياسية مثل العونية أو الحريرية التي نشأت متأخرة، وكانت منوّعة طائفياً وأدّعت عند انطلاقتها أنها أتت لتواجه نظام الحرب، سرعان ما استسلمت لقانون اللعبة الجديد فصارت متجانسة طائفياً ولم يعد ممكناً تمييزها عن أحزاب الحرب أو لنقل عمّا صارت عليه أحزاب الحرب بعد إنتهائها.
يجب هنا التوقف أيضاً عند ظاهرة حزب الله وهي تستحق لوحدها محاضرة. سأحاول أن أختصر قدر الإمكان وأتحدث عن الموضوع حصراً بما يعني الدولة وهو عنوان الندوة. دعوني قبل ذلك أذكر بخلاصتين تعلّمتهما من الحرب:
أولاً، في هذا البلد المهدد دائماً بالانقسام، من الأسلم – ولا أقول من الأسهل – إن كنت لا تريد أن تتحوّل إلى ألعوبة بأيدي هذا الطرف أو ذاك أن تتصدى لكل القوى المذهبية، لا لقوة واحدة وتهادن القوى الأخرى. العبرة الثانية هي أن عزل الانعزاليين يقوّيهم دائماً ولا يضعفهم. فهذا الكائن بطبيعته يحب العزلة. إن حاولت عزله، تريحه، لا تعاقبه ولا تزعجه. لندخل الآن في صلب الموضوع وهو مشكلة عويصة: جذورها أن “حزب الله” لم يعرف النظام الطائقي التقليدي، ولم يعرف إلا النظام النيو-طائفي. في هذا النظام حيث لم يبقَ إلا أحزاب انعزالية، أخذ حزب الله مشروعه المقفل على ذاته إلى أبعد حد، فلا تستطيع مثلاً أن تنتمي إليه إلا إذا كنت من مذهب معيّن، وهلمّ جرّ… وفي هذا النظام النيو – طائفي صار “حزب الله” الحزب الانعزالي الأكبر والأشطر، والآخرون أحزاب انعزالية أصغر وأقل شطارة. “حزب الله” اليوم مثل “القوات اللبنانية” في الثمانيات، ولكن بقوة مضاعفة مئة مرة. ولأن “حزب الله” هو الأقوى، المراجعة الأعمق للتأقلم مع لبنان جديد مندمج، مع مجتمع تخطى الجزر المقفلة والبيئات المتجانسة، مع دولة ما بعد الطائفية، ستكون مطلوبة منه. عليه أن يقدم أكبر التنازلات ولكن ليس لفلان أو علتان، إنما للدولة. ما ستأخذه الدولة من حزب الله، سيسهّل عليها تعميمه على الآخرين. وما ستعجز عن أخذه منه، سيتعمّم عاجلاً أم آجلاً على الباقين.
دعوني أضيف فوراً أن الكلام الذي ردّده حسن نصرالله مراراً – ولو من قبل فترة – بأن حزب الله سيتخلّى عن أسلحته عندما تصبح الدولة قادرة عن الدفاع على البلد لم يعد نافعاً ولا مقنعاً بعد انهيار الدولة. والسؤال الحقيقي صار: ماذا تفعل أنت الأقوى (أقوى حتى من الدولة) – وأيضاً ماذا يفعل كل واحد منا – لاستعادتها وجعلها قادرة؟
أكتفي الآن بهذا القدر، ولكن من المهم التأكيد أن حزب الله (وزعيمه) – إضافة إلى مميزات خاصة بهما – لهما مساحة مشتركة كبيرة مع الأحزاب الآخرى (والزعماء الآخرين).
ما هي هذه المساحة؟ بعكس أحزاب ما قبل الحرب، كل أحزاب اليوم هي هي -حزب/ طائفة (على وزن حزب/طبقة الذي كان رائجاً في أوساطنا!).. بعد انتهاء الحرب، بقيت حدود كانتونات الحرب قائمة، وكل زعيم له كانتون او أكثر، وينطق باسم طائفة يدعي الدفاع عن مصالحها والتحكم بما يسمى حصّتها من المراكز والتمثيل… (بعض الطوائف لها زعيمان، ونادراً ثلاثة)… على قاعدة هذه الأرضية طلّت فوراً نهاية الدولة… دعونا نتابع التوصيف: بالمقارنة مع ما قبل الحرب حيث كان السياسيون وأحزابهم يتكلمون “باسم الشعب اللبناني” بغض النظر عن مضمون الخطاب، لم يعد أحد في النظام النيو- طائفي أو في نظام الزعامات الستة أو السبعة يتكلم باسم الشعب. صار الشعب اللبناني الكائن المفقود. بكل وقاحة او صراحة لا فرق، يتكلمون عن “جماعتهم”، عن “بيئتهم”، عن “ناسهم” في اعتراف بأننا صرنا نعيش في أرخبيل جزر مذهبية، لا في بلد. وكلهم يعني كلهم، لأن جوهر النظام النيو- طائفي قائم على إنكار وجود الشعب اللبناني. ينتج عن هذه المأساة أن أحزاب اليوم لم تعد بحاجة إلى برامج… ولمَ البرامج إذا كان يقتصر دورها بالدفاع عن الطائفة وبحجز أكبر حصة من موارد الدولة؟ هذا أيضاً ساهم في إفقار عقل البلد وهدم دولته وتقسيم شعبه. أخيراً ليس آخراُ، وكرديف لتبخّر الشعب إذا جاز التعبير، لم يترحّم يوماً هؤلاء الزعماء على الدولة الطائفية التي لم يشاركوا في بنائها: فقط تشاركوا في هدمها مع الحرب، ثم في تقاسمها وتحاصصها بعد الحرب، وبعد شح الموارد والانهيار، حلّلوا تحلّلها بل ساهموا في نهشها دون نسيان تدفيع الشعب فواتير ارتكباتهم. لا مانع عند هؤلاء من شلّ ما تبقى من الدولة إذا كانت وسيلة لإعادة ضخ حيوية في خزّان سلطتهم. علينا ألا نخطئ: تعطيل نظام الزعماء الراهن (هل هو مؤقت؟) وانهيار دولته لا يشمل (بل بالعكس) زعماته.
ماذا نستخلص من هذه اللوحة؟
– أولاً وبداهة، أن الطائفية تقدمت واحتلت مساحات جديدة ولنعترف أنها انتشرت في كل جوانب الحياة العامة والخاصة، في المؤسسات والممارسات وفي العقول. هذا التوصيف واقعي وضروري ويجب أن ننطلق منه – وليس من رغباتنا أو شعاراتنا أو من احلامنا – إن كنّا نريد أن نغيّر شيئاً فيه. من هنا، من يريد أن يتصدى جدّياً لهذا الموضوع، عليه أن يبدأ من السؤال التالي: هل من الممكن أن نوقّف هذا التمدد؟ هل نستطيع أن نجعل الطائفية تتراجع ولو خطوة إلى الوراء، وكيف؟ بعد تأكيد ذلك، أتجرأ وأقول: بمعنى ما، هذا مطمئن لأنه يدلّ أيضاً أن الطائفية حالة متحركة وحيّة، وليست معطى جامد ودائم وغير قابل للتغيير… كما نمت، فتستطيع أن تتقلص. كما تقدمت، فتستطيع أن تتراجع…
– ثانياً، وهنا أصاب عنوان الندوة عندما قال: “ماذا بعد الدولة الطائفية؟” ولم يقل “أي دولة ما بعد الطائفية؟”، إذ أننا لن نقفز بسحر ساحر من الدولة الطائفية إلى اللادولة إلى الدولة اللاطائفية. إنه مسار ستتضمن كل مرحلة منه عناصر من المرحلة السابقة وعناصر من المرحلة اللاحقة. التاريخ ليس كتاب تقلّب صفحاته الواحدة تلو الأخرى، التاريخ صفحات تتداخل الواحدة بالأخرى. تبسيطاً، نحن أمام فرضيتين: الفرضية الأولى التي لا أرجحها (ولكن لا شيء يمنع أن أخطئ وقد أخطأت في توقعاتي مئات المرات) هي أن ينجح النظام النيو- طائفي في استنباط حلّ جديد وتسوية جديدة. أشك بذلك بسبب شحّ الموارد وبسبب ضيق هوامش التسوية الطائفية التي ما زالت متاحة: بعد أن جُرّبت هيمنة هذا الفريق على الآخرين ثم هيمنة ذاك الفريق ثم تعطيل الجميع للجميع وللدولة، ماذا تبقى؟…
الفرضية الثانية هي أن يعجز النظام النيو- طائفي في صياغة تسوية فيستمر لا بل يتعمق الانهيار والإنحطاط الذي نعيشه. سترتفع عندئذ نبرة الخطابات التي تقول جهاراً “ما بينعاش معهم” وتتحدث عن الفيديرالية فيما آخرون سينددون بها، دون أن يردعهم هذا التنديد عن ممارستها… سيقوى صدى الأصوات التي ستعيد النظر بقابلية الكيان للعيش وتقترح حلولاً يسوّقونها بأنها “أريح للجميع” حتى لو هي في الواقع “أقسى على الجميع”. ما يعني أننا باقون، نحن – وإسوة بأكثرية دول المشرق العربي – في الثقب الأسود الذي وقعنا فيه.
ختاماً وبوحي من أبي فياض بالانطلاق دائماً من الواقع وبالحرص على وحدة الشعب وعلى الأداة الملائمة، دعونا نبحث بتواضع عن سيناريو آخر أسمّيه “نحو الدولة اللاطائفية”. بالتأكيد، لن تطل هذه الأخيرة رأسها بسبب قوتنا أو نفوذنا، بل قد تأتي بالرغم من ضعفنا. لسنا نحن من سيفرضها بل هشاشة الفرضية الأولى وعجز الفرضية الثانية. أزمة الدولة الطائفية هي التي قد تجعلها واردة، ومسؤوليتنا نحن هي أن نجعلها ممكنة. كيف؟ من خلال تجديد خطابنا لا بل عقولنا ومن خلال مغادرة منطق ومنطقة نشعر فيهما بأمان مؤذ… لأن واقع البلد الذي يزداد تدهوراً يوماً بعد يوم لا يسمح بالتأجيل ولا بالترقيع ولا بالطمأنة المضلِّلة. المسألة المحورية تدور حول انهيار الدولة وكيفية إستعادتها. لن نستعيد الدولة وهي لن تستعيد حيويتها ودورها دون القطيعة مع ممارسات المحاصصة والتبعية. أكثر من ذلك، ما كان ممكناً قبل الحرب وإنهيار الدولة لم يعد ممكناً من بعدها ومن بعده. ليس المطروح بعد اليوم إعادة توزيع “أكثر عدالة” لآليات الدولة، ذلك بات مستحيلاً عملياً. إما ننجح في إرساء دولة أقوى من الطوائف، دولة مصلحة عامة أقوى من كافة المصالح الخاصة، وإما لا دولة. هذه هي المعادلة بكل بساطة، وهي متناقضة مع الأسس التي قام عليها الكيان حيث كانت دائماً الطوائف أقوى من الدولة. الفارق هذه المرة أن الحاجة ليست متأتية من الرغبة بل من واقع الحال. إذا صح هذا التوصيف، فمعناه أن علينا تجميع كل من يريد دولة أقوى من الطوائف. لماذا؟ للمطالبة بداية بهذه الدولة، ومن ثم للدفاع عنها ومنع تشويهها. وللقيام بهذه المهام، نحتاج إلى فاعل لاطائفي دائم افتقده الكيان منذ تأسيسه، فاعل يعمل منهجياً على ترسيخ وحدة الشعب المتبقية، ومن ثم على توسيعها وتعميقها. تجميع كل من صار يعي بضرورة دولة أقوى من الطوائف (وهم / هن أكثر مما نتصور إن عرفنا كيف نتصرف) وكل من هو مستعد أن يعمل لتقوية وحدة الشعب، هذه هي المهمة المركزية. بالتأكيد، هاتان الفكرتان لا تشكلان أساساً لبنيان حزبي ولا لجبهة أحزاب. ولكن من الممكن أن تكونا قاعدة لإطار يضم حزبيين وغير حزبيين يشكل مجموعهم عموداً فقريّاً يغطي الوطن بمناطقه ومهنه، ويساهم – بلى – في تشكيل دعامة مجتمعية، “صقّالة” إذا شئتم تسهّل إعادة تموضع التشكيلات السياسية. طبيعة هكذا إطار – أسمّيه منصة – تفترض أن يكون منذ البداية الأوسع والأكثر انفتاحاً وتنوعاً وأن يقدم خياراً مميزاً ومغايراً في مشهد تحتكره الأطر المذهبية، وأن يحاكي برفق وإحترام الجميع، وأن يكون بآن حديثاً وخلّاقاً ومفيداً لمهام التهدئة والتوحيد والعمل التراكمي. كيف؟ من خلال إنتاج برنامج أولويات لاطائفي للبلد، 20 او 25 أولوية كحد أقصى، يشكل مجموعها برنامجاً متماسكاً ومقنعاً، يحاكي أي مواطن ولا يستفزه (ونخرج من هذه الهرطقة أننا علمانيون والباقون طائفيون!!!)، برنامجاً متمحوراً أكثر حول الإصلاحات المطلوبة قبل المطالب المرغوبة، برنامجاً لا يكون صفقة بين طوائف حتى لو فرض عليه مراعاة هواجسها. أي القبول بمطالب إنتقالية باسم الممكن، شرط أن تقرّبنا من الهدف المنشود لا أن تشوهه و/أو تمنع إدراكه في مرحلة لاحقة. برنامج قادر على المساهمة في تحديث الفكر التغييري الذي تكلّس، يرنامج ينجح في فتح حوار مع الرأي العام (بما فيها قواعد الاحزاب المذهبية) فيعيد خلط الأوراق بإعطاء أجوبة جديدة على أسئلة الخندقة، وبطرح على هذه الأخيرة أسئلة لا تملك أجوبة جاهزة عليها. من الممكن إعطاء أمثلة ملموسة عن كل ذلك في الحوار. إن قمنا بذلك، نكون بدأنا نتصور وبأمل واقعي ما سيأتينا بعد الدولة الطائفية التي انهارت.
Visited 34 times, 1 visit(s) today