وفاة رسام الكاريكاتير والصحفي المغربي بلعيد بويميد

وفاة رسام الكاريكاتير والصحفي المغربي بلعيد بويميد

 عبد الرحيم التوراني

       من المحزن سماع نبأ وفاة فنان الكاريكاتير الرائع الصديق بلعيد بويميد. حقا، إنه خبر محزن للغاية. بالرغم من أن الموت حقيقة صعبة، ولكنها حقيقية جدًا.

وموت الأقرباء والأصدقاء هو دائما خبر محزن ومربك، حتى لو كان المتوفى طريح الفراش، و”يعاني من مرض عضال تعذر معه العلاج”، كما ألفنا قراءة هذه العبارة المعلبة في أغلب أوراق النعي.

قبل أيام قليلة نشر صديق على صفحته بالفيس بوك تدوينة يرثي فيها صديقنا الصحفي ورسام الكاريكاتير الموهوب بلعيد بويميد، الذي كان وقتها لايزال تحت العلاج بإحدى مصحات مدينة الدار البيضاء. لكن الناعي المستعجل أراد تنبيهنا عبر كلماته المختصرة بأن “لا تنخدعوا كثيرا بالأنباء المتفائلة حول تماثل زميلنا بويميد إلى الشفاء، إنها مجرد صحوة الموت التي تسبق ساعة الفراق، وأن صديقنا في احتضار طويل”.

لكن موت الصديق بلعيد بويميد فجر هذا اليوم، كان خبرا مفاجئا ومحزنا وصادما، ومذهلا يمزق قلب كل من عرفه. نعي لا يحتمل، ولو بعد تلقينا فيه العزاء قبل الأوان.

رحيل يختبرنا إن كان ما يزال بإمكاننا القدرة على التأثر والارتباك وعلى مكابدة الألم، وبأنه ما زال في القلب متسع للأحزان… في زمن أصبح فيه نقل أخبار الموت بنفس النبرة الهادئة واللامبالية، كتلك النبرة التي يتم فيها تبادل تعليقات عابرة عن أحوال الطقس أو نتائج مباريات رياضية.

***

    قبل أن ينضم إلى مواكب الأصدقاء والرفاق والزملاء الذين افتقدناهم إلى الأبد، تابعت قدر المستطاع، بعض مراحل وأطوار مرض الفقيد بلعيد في السنوات الأخيرة، والتقيت به مرات في وسط المدينة أو أماكن أخرى. كان يمشي ببطء، وبدل أن يحمل كعادته أوراق الرسوم الفنية التي كان ينجزها بقدر هائل من الذكاء والدفء، وبموهبة ودقة مميزة تسخر من عبثية المشهد الاجتماعي والسياسي في بلادنا. وجدته يحمل بين يديه ملفات الفحوصات الطبية وكليشيهات تشخيص الداء اللعين الذي بدأ يصارعه ويهاجم خلايا جسده.

لكن بلعيد في مرضه كان عفيفا، لا يثقل على الآخرين بالشكوى، إذ يعمد إلى تغيير الموضوع للانتقال إلى الحديث عن أمور أخرى مشتركة.

آخر مرة التقيت فيها بالراحل بلعيد كانت بفضاء موت. ورغم معاناته من المرض حمل بلعيد نفسه وأصر على حضور جنازة توديع صديقه الناشر عبد القادر الرتناني بمقبرة الرحمة. حدث ذلك قبل عام.

***

    عرف بويميد بكونه منشئ آلاف الرسوم الكاريكاتورية الرائعة، التي كانت تظهر كل صباح على الصفحة الأولى ليومية “البيان” تحت إدارة الزعيم علي يعتة، على مدى يدنو من أربعة عقود متواصلة. رسوم  بفكاهة سوداء لاذعة، تتجنب التطرف المجاني وتتحاشى روح التنطع ومبالغات الاستفزاز.

 وبقدر ما كان بلعيد بويميد رائعًا في الرسم والكتابة، كان رائعًا كمحاور في تجربته بالإذاعة على أمواج “راديو مارس”، أو بأحد برامج القناة الرياضية التي كان يشارك فيها إلى جانب الصحفي نجيب السالمي والإطار التقني الرياضي عزيز داودة.

لقد استطاع بويميد بعصامية متفردة تخليد اسمه في لوحة الصحافة الرياضية الوطنية، والإفريقية أيضا، إذ شغل منصب رئاسة اتحاد  الصحافيين الأفارقة.

***

    أستعيد الآن بحزن وأسى ذكريات الأعوام والأوقات التي قضيناها منذ أزيد من أربعة عقود مرت سريعا كقطار، أتذكر الأسفار والجلسات والنقاشات التي جمعتنا مع نخب من الأصدقاء الصحفيين والأدباء والفنانين، بفضاءات “لاكوميدي” أيام “المسرح البلدي” تحت إدارة الطيب الصديقي، أو في “لاتور حسان”، و”لاشوب”، والفضاءات الأخرى التي ألفنا ارتيادها ذات زمن يبدو بعيدا أكثر من عدد سنواته، وقد صارت تلك الأمكنة أطلالا في الذاكرات، خاصة بعد هدم صرح المسرح البلدي.

أتخيل الآن صديقي الراحل بلعيد، وهو مستلقٍ في نعشه، في انتظار مواراة جثمانه الثرى، وهو رافع القلم بيد والريشة بالأخرى، يضحك ساخرا متحديًا الموت.

 ***

توفي بليعيد بويميد عن عمر يناهز 73 عامًا، وأمضى  نصف قرن من الإبداع الساخر، وأصبح معروفًا برسوماته الكاريكاتورية في صحيفة “البيان”.

بدأ الراحل مسيرته المهنية في مجال الصحافة سنة 1975 بعد عودته من فرنسا، حيث اشتغل كصحافي مهني ورسام كاريكاتير في صحيفتي “البيان” الناطقة بالفرنسية و”بيان اليوم” بالعربية. كما عمل محللا رياضيا في العديد من القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية. وانتخب الراحل كاتبا عاما للجمعية المغربية للصحافة الرياضية لسنوات عديدة، كما انتخب مرتين رئيسا للاتحاد الإفريقي للصحافة الرياضية سنتي 2005 و2009. وكان عضوا بالجمعية الدولية للصحافة الرياضية.

سبق له أن أصدر كتابا يجمع بعض أعماله في رسم الكاريكاتير بتقديم للمخرج المسرحي الكبير الطيب الصديقي.

ولم يمهله الموت لإطلاق كتابه الجديد الذي أنجزه بالتعاون مع الدكتورة والمحللة النفسانية غيثة الخياط، بعنوان:

‏ “B.B. CHEZ LA PSY”.

Visited 56 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد الرحيم التوراني

صحفي وكاتب مغربي، رئيس تحرير موقع السؤال الآن