جماعة المسرح الاحتفالي.. طليعة المسرح العربي الحديث
د. عبد الكريم برشيد
فاتحة الكلام
في البدء كانت الاحتفالية مجرد فكرة. وكانت تلك الفكرة صغيرة في حجمها. ولكن كان خلفها طموح كبير جدا، والأصل في هذه الفكرة المؤسسة انها فكرة بدرجة حلم، وإنها كانت – وماتزال – فكرة حية وجادة وجديدة ومجددة، ومشاغبة ومتمردة ولقد كانت في ظاهرها غامضة وملتبسة وغير واضحة. وربما كان ذلك لأنها فكرة طليعية، وأنها قد جاءت في غير وقتها، وفي غير مناخها الحقيقي. والذي هو مناخ الحرية والتحرر، وهو مناخ العقل والعلانية. وهو مناخ الاختلاف والحق في الاختلاف، وبذلك فقد جاء ظهورها الحركي والانسيابي الشفاف مزعجا ومقلقا ومتمردا. وكان بذلك فعلا ضد سكونية الواقع الثقافي المغربي والعربي وضد غموصه وضد ضبابيته، ذلك الواقع الذي تعود على وجود ثنائية الشيخ والمريد. وعلى ثنائية الزعيم القائد وجماعة الهتافين. وعلى ثنائية المعلم الملهم والتلميذ الذي يحسن الحفظ والاشتظهار، وعلى ثنائية النحن. في العالم الثالث. والآخر الموجود في العالم الأول. وعلى ثنائية المركز العالم والهامش الأمي والجاهل، وبذلك فقد كان ظهور هذه الفكرة الاحتفالية. بكل ظلالها وامتداداتها، فعلا صادما ومشاغبا ومستفزا، وكانت هذه الفكرة، في غموضها الممتلئ بالمعاني الخفية، بحاجة إلى بيان يبينها، وكانت بحاجة الى توضيح يوضحها، وكانت بحاجة الى تفسير يفسرها. وكانت بحاجة إلى من يؤمن بها. وكانت بحاجة إلى مفكرين ومبدعين يشاركون في بلورتها. وكانت بحاجة إلى من يخرجها من تجريديتها. وإلى أن يعطيها جسدها المادي المحسوس. وأن يعطيها بصمتها التي تدل عليها. وأن يعطيها حياتها وحيويتها ومستقبلها. وبذلك فقد كان ضروريا أن يظهر إلى الوجود جماعة من المقتنعبن بصدقية ومصداقية هذه الفكرة.
ثم من بعد، أصبحت هذه الفكرة النواة فكرا. وانتظمت بعد ذلك في منظومة فكرية متماسكة ومتناسقة ومنظمة ومرتبة، فكريا وجماليا وأخلاقيأ. ولقد كان وراء هذه الفكرة مبدعون ومفكرون وحالمون ونقاد وباحثون ومؤرخون ومتنبئون وممثلون وحرفيون وحكواتيون ومخرجون وتفنيون. لقد كانوا متفرقين في الأرض. وكانوا أسماء باعدت بينهم الجغرافيا. بأبعادها ومسافاتها، ولكن وحدة الرؤية والرؤيا قربتهم من بعضهم، ولقد وجدوا أنفسهم. ومن حيث لا يشعرون، يسيرون في طريق واحد. ويحلمون بمسرح واحد. ويطالبون بعالم احتفالي وعيدي واحد. عالم مسرحي يكون قريبا من فكرهم. ويكون قريبا من تاريخهم ومن جغرافيتهم ومن ثقافتهم ومن لغاتهم. وهؤلاء الحالمون الرواد. كانوا برتبة فدائيين، أو كانوا برتبة مجانين وحكماء، وهم الذين سيصبح اسمهم الاحتفاليون. نسبة إلى الفكرة الاحتفالية المؤسسة. ونسبة إلى الفكر الاحتفالي. ونسبة إلى المسرح الاحتفالي.ونسبة إلى الزمن الاحتفالي الذي يعشقونه ويبحثون عنه. وذلك في تاريخ المسرح الإنساني والكوني وفي مسرح هذا العالم..
الاحتفالية في المختبر الميداني
ولأن المسرح المغربي. في ذلك الزمن السبعيني كان عشقا وهوى فقط. ولم يكن مهنة ولا حرفة ولا وظيفة، فقد كان له لقاء سنوي متجدد يسمى مهرجان مسرح الهواة. والذي كان عكاظ المسرح المغربي على امتداد عقود طويلة جدا. ولأن ذلك المهرجان كان مختبرا ميدانيا. مفتوحا على الاجتهادات الفكرية والجمالية، تختبر بداخله الأفكار والتصورات والاختيارات. فقد تبلورت داخله تلك الفكرة الاحتفالية. وانتقلت من درجة الاجتهاد الفردي إلى درجة الاجتهاد الجماعي. ولقد كان ضرورويا ان ينتقل الفعل المسرحي من دائرة الفرقة المسرحية إلى دائرة الجماعة المسرحية، وأن ندخل بهذا الانتقال عهدا مسرحيا جديدا في تاريخ المسرح المغربي والعربي. وان نقفز على العمل المسرحي العشوائي. وأن تدشن عهدا جديدا يقوم على النظام وعلى الانتظام داخل نظام جمالي، وداخل منظومة فكرية واحدةّ موحدة. وبهذا ظهرت إلى الوجود فكرة المسرح داخل الجماعةالمسرحية. والتي هي أكبر وأخطر من أن تكون مجرد فرقة مسرحية. تجتمع بالصدفة. وتشتغل بدون أرضية فكرية وبلا أهداف. وتسير في طريق المسرح بدون بوصلة فكرية وجمالية وأخلاقية، ولقد كانت ثمرة هذا الاختيار التاريخي ظهور أول جماعة مسرحية في تاريخ المسرح المغربي العربي. وكان اسم هذه الجماعة هو (جماعةالمسرح الاحتفالي) والتي أعلنت عن وجودها يوم 27 مارس بمدينة مراكش. والتي هي عاصمة الفرح والبهجة. وعاصمة المسرح الاحتفالي الشعبي.
وبعد تلك الفكرة الأساسية والمؤسسة جاءت الجماعة المؤسسة، وفي يوم 27 مارس، من سنة 1979 صدر البيان الأول لجماعة المسرح الاحتفالي، ولقد تم الإعلان عنه بمدينة احتفالية حتى النخاع، وهذه المدينة هي مراكش الحمراء، ولونها الأحمر هو لون التراب ولون الأرض، وليس لون الشيوعية، والتي لا عيدية فيها ولا احتفالية، ولقد كان لهذا الاختيار أكثر من معنى، وكان بذلك تأكيدا مقصودا على مدنية هذه المدينة – النموذج– وكان إشارة إلى حيويتها الكامنة فيها، وإلى بساطتها وشفافيتها، وإلى ارتباط الماضي فيها بالآن، وإلى الارتباط الفكري والوجداني والروحي بين الإنسان والعمران.
وفي كتاب (التأسيس والتحديث في تيارات المسرح العربي الحديث) والذي صدر عن مجلة (دبي الأدبية) وتحديدا في فقرة محددة منه، تحمل عنوان (في البدء كانت الصدمة الخلاقة) يقول الاحتفالي:
(إن كل حركة تحديثية وراءها فكرة، وكل تيار فكري أو أدبي خلفه فكرة.. ولعل أكبر الأفكار وأخطرها كلها هي التي تأتي في المراحل التاريخية الصعبة، والتي تشكك في ما قبلها. وتبشر بالذي بعدها، والتي تقطع مع عينة من الأفكار البالية والقديمة، والتي تواجه صدمة التاريخ الغريب يصدمة الأفكار الغريبة، ولعل هذا هو ما يفسر أن تكون أكبر التيارات الأدبية والفنية والفكرية في أوربا والغرب عامة قد جاءت بعد الحربين العالميين الأولى والثانية).
وفي زمن الحرب يطرح الإنسان سؤال الوجود. أي نكون أو لا نكون. وهذا هو نفس السؤال الذي طرحته جماعة المسرح الاحتفالي. أولا أمام نفسها. وثانيا أمام العالم. وثالثا أمام تاريخ المسرح بشكل خاص وأمام تاريخ الإنسان والإنسانية بشكل عام.— كيف قدمت جماعة المسرح الاحتفالي نفسها للحقيقة والتاريخ؟
وباية لغة كلمت هذه الجماعة الطارئة على الواقع والتاريخ؟
وبأية لغة صاغت فكرتها؟
وباي منطق أقنعت الناس برسالتها وبجديدها وبجديتها وبحلمها الإنساني والكوني؟
وفي (البيان الأول لجماعة المسرح الاحتفالي) يمكن نقرأ ما يلي:
(إيمانا منا بضرورة بخلق الأجواء الصحية لخلق تفاعل جاد وهادف لخصب الحركة المسرحية المغربية بالإبداعات الملتزمة.
وإيمانا منا بضرورة الخروج من الفوضى الفكرية التي شتت المسرح العربي وتصوراته وطموحاته، وجعتله دائخا بين المدارس التي تروج الثقافة الاستسلامية والإيديولوجيا الأمبريالية التي تجعل الإنسان العربي بمعزل عن التاريخ.
وإيمانا منا بكل هذه المعطيات. وحتى نعطي المسرح العربي وجهه الحقيقي وهويته السليمة التي تجسد اصالته، وتجعله مستفيدا من جدل المسرح بالواقع العربي، فقد ارتأينا إصدار البيان الأول للمسرح الاحتفالي والدفع به إلى الساحة الأدبية ليكون ايذانا لفتح باب جديد للحوار والجدل والثقافة الهادفة من اجل إرسال قواعد مسرح عربي تعيد له اعتباره وقدسيته لتحمل مسؤوليته في معركة البناء).
نحن اكتشفنا الاحتفالية في أرواحنا، وفتحنا أعيننا على عالم جديد، عالم ما بعد الحرب العاامية الثانية. وعالم ما بعد الاستقلال، وعالم ما بعد حرب حزيران وهذا ما جعلنا نعيش صدمة مزدوجة،
وفي كتاب (التأسيس والتحديث في تيارات المسرح العربي الحديث) يقول الاحتفالي:
(والصدمة التي أعنيها هي صدمة الوجود في المسرح أو هي صدمة المسرح في الوجود، وانطلاقا من هذه الصدمة، فقد خرجت إلى عالم الناس صرخات مختلفة ومتعددة، وكان لهذه الصرخات أبعادها الفكرية والجمالية والأخلاقية المتنوعة، وكان ضروريا ان تتشكل هذه الصرخات في أنظمة فلسفية جادة وجديدة، وان تنتظم في منظومات فكرية متناسقة ومتجانسة، وأن يكون لهذه الأنظمة والمنظومات أسماؤها التي تميزها وتعرف بها، فهي أساسا ولادات جديدة في عالم قديم، ولا أحد يمكن أن يجهل الحقيقية البسيطة التالية، وهي أنه يعد فعل الولادة والخلق. وبعد درجة الابتكار والتأسيس يأتي وفعل التسمية دائما، ولعل هذا هو ما جعل العالم يحفل بأسماء التيارات والاتجهات والمدارس والحساسيات المسرحية المختلفة.
وفي السلسلة السابقة من هذه الكتابات الاحتفالية الجديدة. والتي ابتدأت بمقالة (الاحتفالية حلال) تصادفنا مقالة تحمل عنوان (الاحتفالية من الجماعة الاحتفالية إلى المجتمع الاحتفالي)، مما يدل على أن الجماعة لم تكن مقصودة لذاتها. وأنها مجرد قاطرة، مهمتها الأساسية هو ان تجر الناس في عالم الناس نحو مجتمع إنساني واحتفالي، كامل الإنسانية وكامل الاحتفالية والعيدية. وفي تلك المقالة يقول الاحتفالي:
(واليوم، وفي ظل قرن آخر، وفي مناخ ألفية اخرى جديدة، هل تحتاج هذه الاحتفالية لأن تذكرنا، مرة بعد أخرى، بأن ما يهمها اساسا هو الإنسان، وأن اشرف وانبل كل الصناعات لديها هي صناعة الإنسان، وهي صناعة مدينة فاضلة جديدة لهذا الإنسان الجديد، وهي صناعة تاريخ مستقبلي جديد لهذا الإنسان المدني.
كلمة الاحتفالية للحقيقة والتاريخ
ويبقى السؤال. كيف قدمت جماعة المسرح الاحتفالي نفسها للناس وللتاريخ؟
في ديباجة (البيان الأول لجماعة المسرح الاحتفالي) يمكن أن نقرأ ما يلي:
إيمانا منا بضرورة خلق الأجواء الصحية لخلق تفاعل جاد وهادف لخصب الحركة المسرحية المغربية بالإبداعات الملتزمة،
وايمانا منا بضرورة الخروج من الفوضى الفكرية التي شتتت المسرح العربي وتصوراته وطموحاته، ووجعله دائخا بين المدارس التي تروج الثقافة الاستسلامية والإيديولوجيا الأمبريالية التي تجعل الإنسان العربي بمعزل عن التاريخ،
وإيمانا منا بكل هذه المعطيات. وحتى نعطي المسرح العربي وجهه الخقيقي وهويته السليمة التي تجسد اصالته، وتجعله مستفيدا من جدل المسرح بالواقع العربي، فقد ارتاينا إصدار(البيان الأول للمسرح الاحتفالي) والدفع به إلى الساحة الأدبية ليكون ايذانا لفتح باب جديد للحوار والجدل والثقافة الهادفة من اجل إرساء قواعد مسرح عربي تعيد له اعتباره وقدسيته لتحمل مسؤوليته في معركة البناء)،
ونحن في هذه الاحتفالية لم ندرس قواعدها في كتب. ولم نستغلها. ولم نقتبها. ولقد اكتشفناها في أرواحنا وفي لاوعينا وفي عيوننا وفي قلوبنا وفي مخيالنا وفي أخلاقنا أولا، ثم اكتشفناها من بعد في حكايات الجدات، واكتشفناها في الأسواق وفي المواسم وفي الأعراس وفي العلاقات الإنسانية وفي الأمثال وفي كل مظاهر حياتنا اليومية الحية. وبهذا فقد كانت هذه الاحتفالية – وماتزال – ضميرنا الجمعي. وكانت وجداننا الجماعي. وكانت حلمنا المشترك والمقتسم.
وبخصوص علاقتنا بهذه الاحتفالية المتمردة والمشاغبة والغاضبة والحالمة بالأجمل والأكمل والأنبل فقد قلنا وكتبنا ما يلي:
نحن الجيل الذي دخل هذا العالم في زمن ملتهب، والذي هو زمن الحرب العالمية الثانية. وهو عالم النضال من اجل الاستقلال والتحرر في دول رتبت ظلما في العالم الثالث، ولقد كان هذا في زمن ما بعد حرب حزيران. والتي تركت على أجسادنا وفي قلوبنا جرحا قاتلا، ولعل هذا هو ما جعل منا جيلا غاضبا ومتمردا. وجعلنا نعيش صدمة مزدوجة، وذلك أمام واقع مغربي وعربي متخلف. وأمام فنون وآداب وافكار مهربة. او مقتبسة او مختلسة.
وبخصوص هذه الصدمة المزدجة يقول الاحتفالي في كتاب (التأسيس والتحديث في تيارات المسرح العربي الحديث) يقول الاحتفالي:
(والصدمة التي أعنيها هي صدمة الوجود في المسرح أو هي صدمة المسرح في الوجود،زوانطلاقا من هذه الصدمة، فقد خرجت إلى عالم الناس صرخات مختلفة ومتعددة، وكان لهذه الصرخات ابعادها الفكرية والجمالية والأخلاقية المتنوعة، وكان ضروريا ان تتشكل هذه الصرخات في أنظمة فلسفية جادة وجديدة، وان تنتظم في منظومات فكرية متناسقة ومتجانسة، وان يكون لهذه الأنظمة والمنشورات أسماؤها التي تميزها وتعرف بها، فهي اساسا ولادات جديدة في عالم قديم، ولا أحد يمكن ان يجهل الحقيقية البسيطة التالية، وهي أنه بعد فعل الولادة والخلق. وبعد رجة الابتكار، والتأسيس يأتي فعل التسمية دائما، ولعل هذا هو ما جعل العالم يحفل بأسماء التيارات والاتجاهات والمدارس والحساسيات الفكرية والادبية المختلفة).
الاحتفالية تيار طليعي مجدد ومتجدد
في كتاب (التأسيس والتحديث في تيارات المسرح العربي الحديث) يقول الاحتفالي أن من طبيعة التيارات الجديدة والمجددة هو أنها (تتجسد في جسد مادي ومعنوي يسمى الطليعة، وأن من مهام هذه الطليعة انها تمشي في الأمام دائما، وأنها تسير إلى الأمام ايضا، وانها تتقدم الصفوف، وأنها ذات طابع صدامي، وأنها تبشر بالجديد. وأنها عنيفة عنف الحقيقة، وأنها تجدد القديم ولا تدمره كما يعلن البعض، وميزة هذه الطليعة شيئان اثنان. النبوغ والعبقرية. وبهذا نكون بحاجة ماسة إلى معرفة اسرار هذه العبقرية، وذلك حتى يمكن أن نقرأ فعلها الغامض والملتبس قراءة حقيقية، وأن ننتقل من قراءة عبقرية الفاعلين الفكريين والفنيين إلى قراءة عبقرية المكان الجغرافي، وإلى قراءة عبقرية المرحلة التاريخية وإلى قراءة عبقرية المناخ العام، والذي يوفر للمبدعين الحقيقيين هواء نقيا حقيقيا).
فهذه الاحتفالية ولدت في أوسط السبعينات من القرن الماضي. ولقد عرفت هذه الفترة بكثرة القراءة وبالتفكير العميق في المسألة السياسة، كما عرفت بأسئلتها الفكرية والجمالية الصادقة، سواء في الشعر أو المسرح أو في السينما وفي كل الفنون المختلفة، كما عرفت بنضالها السباسي، وبصدقها ومصداقيتها في مختلف الجبهات التي دخلها شباب ذلك الوقت. وكان ذلك عن حب وعن اختيار . ولهذا يكون من حقنا أن نقول بأن الاحتفالية هي بنت ذلك الزمن السبعيني العبقري في المغرب، والذي اخرج للوجود مسؤحا احتفاليا. واخرج في مجال الغناء الظاهرة الغيوانية الاحتفالية. واخرج جيلا جديدا من السنمائين الشباب.
ونعرف ان الفعل الأساسي الذي راهنت عليه جماعة المسرح الاحتفالي، كما ،اهنت عليه الفعاليات الفنية الاخر، هو فعل التاسيس.او إعادة التأسي، وذلك انطلاقا من الحفر في الأرض وتربتها الخصبة والغنية. والحفر في العقل المغربي. والحفر في الوعي واللاوعي. والحفر في الذات الجماعية، والحفر في الخيال الجمعي.والخحفر في التاريخ والتراث، وهذا الفعل التاسيسي هو روح وجوهر الاحتفالية في معناها العام، والذي هو ( فقه الانتقال الثقافي، أي الانتقال من النييء إلى المطبوخ. ومن العاري إلى الكاسي. ومن الغرفة إلى النمؤسسة، ومن الإحساس بالانفصال إلى الإحساس بالاتصال، ومن الوحشة إلى الأنس، وهل تكون المعرفة، في حقيقتها،تإلا الانتقال في درجات الوعي والإدراك وفي السنة الطبيعة وفي ترويض وحشيتها؟).
ولقد تساءل كثير من المسرحيين ومن النقاد،مغربيا. لمن تنتسب هذه الجماعة التي تسمى جماعة المسرح الاحتفالي؟
بالتأكيد هي لا تنتمي لاثنية ثقافية معينة، ولا تنتمي لجهة جغرافية معينة، والمسرحي في هذه الجماعة لا بنتمي إلى هيئة حزبية وايديولوجية معينة، وهي لا ينتمي إلى المسرح. وذلك باعتباره مجرد حرفة من الحرف. ولهذا فهو ليس محترف مسرح، ولكنه محترف وجود ومحترف حياة، وهو في هذه ااجماعة ليس واحدا من الناس. ولكنه كتلة بشرية قوتها في اتحادها وطاقتها في تعاونها وحقيقتها في تكاملها. وهو لا ينتمي إلى فن واحد من الفنون. ولكنه ينتمي الى اامسرح والذي هو أبو كل الفنون. وهو ملتقى كل العلوم والفنون والصناعات المتعددة والمتحدة والمتضامنة.
وبخصوص جماعة المسرح الاحتفالي هاته، والتي تأسست في شهر مارس من سنة 1979 بمدينة احتفالية هي مدينة مراكش يقول الاحتفالي في كتاب ( الاحتفالية وهزات العصر)
(ان الانسان في هذه الجماعة؛ متحرر من (شرع) الجماعة، وهو لا ينتمي اليها إلا ليكون فيها وخارجها، وهو لم يؤسسها إلا ليكون معها وضدها، وحتى نعرف: (طبيعة) الجماعة الاحتفالية،:فإنه يمكن الرجوع إلى برجسون ،فهذا الفيلسوف يميز بين جماعتين مختلفتين،جماعة مفتوحة وجماعة مغلقة. إن الانتساب إلى الوطن والانتساب إلى الأمة والانتساب إلى الدين والانتساب إلى الجنس والامتساب إلى القبيلة والانتساب الى اللغة والانتساب الى ثقافة من الثقافات هو انتساب إلى الجماعة المغلقة. والذي هو انتساب يقوم على الجبر والضرورة، وليس على الحرية والاختيار، اما الانتساب إلى الأسرة الفكرية فهو انتساب إلى القيم الإنسانية العامة، والتي لا يمكن أن ترتبط بمكان أو بزمان أو بقبياة أو بعشيرة أو بحزب من الاحزاب . ان الذوات الإنسانية في هذه للجماعة المفتوحة، هي ارواح قبل ان تكون اجسادا، انها ما تختاره وما تريده وما تحققه، وما تسعى إليه. ان هذه ( الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف.ظ وما تنافر اختلف)
نفس هذا الاحتفالي هو الذي قال في ( الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة) الكتاب الثاني ما يلي:
( وخلال كل العقود التي مرت، لم تكن هذه الاحتفالية متوقفة،ولا كان العاام من حولها متوقفا، ولا كان نموها الداخلي متوقفا، ولا كانت المواقف منها متوقفة.ةولا كانت ألتها الإبداعية متوقفة، ولا كان نهر افكارها متوقفا، قد تغير العالم فيها. تماما كما تغير من حولها. وتجدد تفكيرها وفكرها بتجدد الفكر العالمي. وحاولتانتكونفيمستىاللحظة التاريخية، وان تحافظ على توازنها أمام زلازل العصر العلمية والفكرية الفنية والصناعية. وهي اليوم تحاول أن تقرأ العالم في ضوء فكرها. وان تجدد تفكيرها وفكرها. وذلك من خلال معايشاتها الصادقة، ومن خلال قراءاتها العالمة، ومن خلال فيض اسئلتها ومسائلها الجديدة والمتجددة).
وآخر الكلام
وهذا الذي نسميه المسرح، ماذا يمكن أن يكون سوى أنه صورة فقط، صورة الوجود وصوته ومضاعفه الأجمل والأكمل، وانه ايضا. صورة الموجودات وصوتها في الوجود. وهو صورة الحياة وصورة الأحياء في هذه الحياة، ولكن الاحتفال. والذي هو فعل حي.. جديد ومتجدد دائما. فهو الحياة .. كل الحياة.. وما كان يهم الاحتفالي دائما،في حياته وفي حياة فكره وفنه، هو ألا ينشغل بالصورة على حساب الأصل. ولهذا فقد كانت هذه الاحتفالية فلسفة وجود في الوجود، قبل ان تكون مجرد منهجية في الكتابة، أو في الإخراج، أو في التمثيل، أو في تأثيث الفضاء المسرحي،او في إدارة المؤسسة المسرحية، او ان تكون مجرد تقنية او مجرد اليات وحيل بصرية ومشهدية عابرة.
وفي السلسلة السابقة من هذه الكتابات الاحتفالية الجديدة. والتي ابتدات بمقالة (الاحتفالية حلال) تصادفنا مقالة تحمل عنوان (الاحتفالية من الجماعة الاحتفالية إلى المجتمع الاحتفالي) مما يدل على أن الجماعة لم تكن مقصودة لذاتها. وانها مجرد قاطرة، مهمتها الأساسية هو ان تجر الناس في عالم الناس نحو مجتمع انساني واحتفالي وعيدي حقيقي، مجتمع انساني كامل الإنسانية وكامل الاحتفالية والعيدية. وفي تلك المقالة يقول الاحتفالي:
(واليوم، وفي ظل قرن آخر، وفي مناخ ألفية اخرى جديدة، هل تحتاج هذه الاحتفالية لأن تذكرنا، مرة بعد أخرى، بأن ما يهمها اساسا هو الإنسان، وأن اشرف وانبل كل الصناعات لديها هي صناعة الإنسان، وهي صناعة مدينة فاضلة جديدة لهذا الإنسان الجديد، وهي صناعة تاريخ مستقبلي جديد لهذا الإنسان المدني الجديد)
Visited 26 times, 1 visit(s) today