إلى أسرى الثنائيات… لسنا هنا ولسنا هناك
نضال آل رشي
سيداتي وسادتي،
أود التأكيد لكم بأننا لسنا هناك ولكننا بكل فخرٍ واعتزاز لسنا هنا أيضاً.
نحن في مكانٍ يتجاوز قدرتكم على التحديد، في فسحةٍ لا يعرفها صندوقكم المغلق. كيف لا ونحن أبناء النسبية، نرفض الخضوع للقوالب ونتجاوز تعريف كل جامد. نحن أولئك الذين لا يزعجهم الاختلاف ولا تضرهم صوابيتكم ولا تؤطرهم الثنائيات.
نحن من لا ننتمي إلى ضفّةٍ دون أخرى، كيف لا ونحن أبناء الماء، نهوى الإبحار ومقارعة الأمواج دون أن يؤذينا البلل أو نخشى الغرق.
نحن لا نقف على الحياد كما تدعون، نحن ضدهم بكل ما أوتينا من قوة الحق وضدكم بكل ما نمتلك من حقٍّ في الاختلاف.
سيداتي وسادتي، أيها الراجمون المنزهون من الأخطاء، أيها الطاهرون الأنقياء، نحن أبناء المسيح فيما قال ” من كان منكم بلا خطيئة فليرميها بحجر”.
نحن أبناء نيتشه “حيث الحقيقة ليست فيما هو خير وشر، بل فيما هو أبعد من ذلك”.
نحن أبناء التعقيد، أرواحنا تتغذى على التعدد والاختلاف. نُدرك أن الحياة ليست معركةً بين الفضيلة والرذيلة بل مشهد مفتوح لا حدود له حيث تتداخل المعاني وتتشابك النوايا، حيث لكل تجربة طعمها الخاص، ولكل خطوةٍ قصتها التي تستحق أن تحكى.
سيداتي وسادتي، نحن لسنا تائهين، إنما نعيش في تلك المساحة التي لا تحبون، حيث الألوان أكثر من الأبيض والأسود، حيث نمتزج وإيّاها كل يوم لنخلق ألواناً جديدة، حيث الحياة أعقد من أن نختزلها في خيارين، وأنّ المتعة في البحث عن مسارات جديدة.
” الخير فيكم، لكن فيكم أيضاً رغبةُ البحث عن الخير في الآخرين”، هكذا قال جبران ومنذ ذلك الحين ونحن نبحث عن هذا الخير في كل شيء، في كل لحظة، في كل إنسان، حتى فيكم. نبحث عن الجمال في أبشع الأشياء، ونرى في الغموض جمالاً، وفي الشك يقيناً خفيا.
نحن أتباع الرومي فيما قال “خلف مفهوم الصواب والخطأ، هناك حقل… سألقاك هناك”، وحتى ذلك الحين سوف نحتضنكم ونحتمل مقارباتكم السخيفة، وأحكامكم المسبقة، وثنائياتكم المضجرة.
مع فائق التقدير والاحترام
أبناء العالم الذي لا تعرفون