الميدان بالتفاوض.. أو التفاوض بالميدان؟

الميدان بالتفاوض.. أو التفاوض بالميدان؟

 سمير سكاف

            النصر أم الاستشهاد! بهذين الخيارين حدد الشيخ نعيم قاسم موقف حزب الله من الحرب والسلم. فهل الحزب اليوم، وبيئة الحزب، هما أقرب إلى النصر أم إلى الاستشهاد؟!

 النصر بالنسبة لقاسم هو بمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها؟ والهزيمة، بالنسبة له، تكون إذن بتحقيق إسرائيل لأهدافها!

 هل هذه أهداف إسرائيل؟

بالسؤال:

 هل اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كان هدفاً لإسرائيل؟

 هل اغتيال السيد هاشم صفي الدين كان هدفاً لإسرائيل؟

هل تصفية كل قيادات الصفوف الثلاثة الأولى عسكرياً، من فؤاد شكر إلى ابراهيم عقيل وعلي كركي ومحمد سرور… وصولاً إلى المسؤول الإعلامي محمد عفيف هي من أهداف إسرائيل؟

هل التدمير لعشرات آلاف الوحدات السكنية والتهجير لمليون ومئتي ألف شخص وقتل أكثر من 3.000 شهيد وجرح أكثر من 13.000 جريح… هي أهداف مقصودة لإسرائيل؟ هل نجح حزب الله بمنع إسرائيل من تحقيقها؟

هل ضرب وتحييد وإصابة 4.000 إلى 5.000 مقاتل من حزب الله بإصابات بليغة بعمليات البايجرز واللاسلكي كان هدفاً لإسرائيل؟

هل فصل مسار الحرب بين لبنان وغزة كان من أهداف إسرائيل؟ 

في أهداف حزب الله

هل حاول حزب الله تحرير ولو سم واحد من الأراضي اللبنانية المحتلة؟

هل كان طموح حزب الله في مواجهة إسرائيل هو في الالتحام فقط أم في الصلاة في القدس؟

 في الأهداف اللاحقة

هل تنفيذ القرار الأممي 1701 هو من بين أهداف إسرائيل؟ حتى بمعزل عن ال 1701 +…

هل خروج حزب الله من جنوب الليطاني بمقاتليه وسلاحه هو هدف لإسرائيل؟

هل تدمير كل أنفاق حزب الله في الجنوب في الحاضر وفي المستقبل هو هدف لإسرائيل؟

هل تعطيل إسرائيل لقدرات حزب الله بعد انسحابه من تعريضها لأي من مخاطره هو من أهداف إسرائيل؟

هل إعادة مستوطني الشمال فيما لو تحقق لاحقاً هو من أهداف إسرائيل؟

هل حصول إسرائيل على ضمانات بعدم تعريض حزب الله لها لأي من المخاطر و/أو امتلاك إسرائيل لحق الدخول إلى لبنان ساعة ما تشاء هو من أهداف إسرائيل؟

 من الأهداف في حرب إسناد غزة

هل نجحت إسرائيل بمنع حزب الله من فرض وقف النار عليها في غزة؟ وهل منعته من تحقيق أهدافه فيها؟ 

هل نجح حزب الله من منع إسرائيل من تدمير غزة وقتل حوإلى 50.000 شهيد من أهلها وأطفالها وجرح 150.000 منهم وتهجير مليوني شخص من أهلها؟

هل نجح حزب الله بإسناد حماس بفرض حل سياسي على الحكومة الإسرائيلية؟

هل نجح حزب الله بفرض الاعتراف بدولة فلسطين؟ أو حتى بحل الدولتين؟

هل نجح حزب الله في 8 أكتوبر بترجمة تحضيرات “العبور”؟ وبالدخول ولو سم واحد إلى الأراضي المحتلة؟

إذا لم يكن الهدف رمي إسرائيل بالبحر وتفكيك الكيان الإسرائيل وانهاء الاحتلالات الإسرائيلية… فهل هناك أهداف سرية غير هذه الأهداف؟!

في الواقع، الشيخ نعيم قاسم على حق! فالميدان حدد بورصة إقفال التفاوض على انهيار هائل في أسعار أسهم وقف النار والتفاؤل والديبلوماسية!

 الاستنزاف وعامل الوقت ضد النار وآلة القتل والتدمير المرعبة

خسائر هائلة من جهة لبنان تعطي، حتى الآن، إسرائيل فرصة فرض معادلتها بالنار على حزب الله وعلى لبنان! ولكن حزب الله “يقاوم” هذا الفرض بشراسة.

فالتفاوض مع إسرائيل عبر المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين يؤكد أن القتال هو من يوضح الصورة، في وقت لا إسرائيل ولا حزب الله يريدان الاستسلام أو حتى التنازل!

ولا إمكانية لوقف النار من دون تنازل طرف واحد على الأقل، على أمل أن يكون المتنازل هو الآخر!

يأمل الشيخ نعيم قاسم بإخضاع إسرائيل بالاستنزاف معولاً على أن الحزب يملك قدرة أكبر على الاحتمال لأنه لا يأبه أو لا يخاف من حجم فاتورة الآلام والشهادة والتدمير والتهجير!

ويريد الشيخ نعيم قاسم تحقيق توازن في الكلفة، وتوازن في القتل مع الجانب الإسرائيلي. وهي أمور لا يمكنه بالطبع النجاح بها، حتى ولو ارتفعت الفواتير الإسرائيلية.

ومع ذلك، فإن قاسم، الذي يدرك حجم التضحيات الهائلة التي تقدمها بيئة حزب الله، لا يمكنه الوصول إلى اتفاق في التفاوض إلا بتعقل “الوحش الكبير” الإسرائيلي وبوساطة “الوحش الكبير” الأميركي!

من جهة أخرى، من غير المرجح أن إسرائيل يمكن أن تتخلى عن ضرورة تحقيق أمن إسرائيلي للجنوب اللبناني أياً تكن نتائج المفاوضات في الظاهر!

ومن ظاهر التفاوض أن إسرائيل ستحظى، على الأقل، بانسحاب كامل لحزب الله ولمقاتليه ولسلاحه من جنوب الليطاني مقابل سحب جنودها من لبنان، أي ما يعرف بتطبيق القرار 1701 من دون البند الثالث منه ومن دون ال +! هذا ما يُنقل عن أوساط الرئيس نبيه بري.

ولكن، بالعودة إلى 8 أكتوبر 2023 يكون حزب الله قد اضطر للتخلي عن مواقع تواجده وعن أنفاقه ومنشآته التي عمل عليها غداة حرب تموز 2006!

 فهل هذا فعلياً نجاح لإسرائيل بتحقيق هدف هام لها؟! فهي في ذلك التاريخ، أي في 8 أكتوبر، لم تكن متواجدة في المناطق التي ستنسحب منها غداة الاتفاق العتيد!

ولكن الشيخ نعيم قاسم يختار القتال! ما يعني أنه (وكما أؤكد في كل مرة) لم يبلغ الوضع بعد مرحلة الإنضاج الميداني!

إسرائيل تحاول التوصل إلى ضمانة في التفاوض لضمان أمنها في الجنوب اللبناني! والضمانة الأهم بالنسبة لها هي قوتها النارية الخاصة، وخاصة الجوية منها!

وحزب الله يريد ضمانة. ولكن ضمانته بعد انسحابه هي في الواقع كلام على ورق، لا يضمنه فعلياً أحد!

ليست الضمانة لإسرائيل؛ لا اليونيفيل، ولا الجيش اللبناني، ولا لجنة الرقابة أياً تكن جنسيات المشاركين فيها، ولا القرارات الدولية، لا إذا كانت + أو -، ولا الوعود أو الالتزامات الديبلوماسية الدولية! وطبعاً، هي لا تعطي أي أهمية لرأي الحكومة اللبنانية!

ولا يهم التعبير في التفاوض، إذا ما كان “حق الدفاع عن نفسها” أو “حق الدخول إلى الأراضي اللبنانية إذا ما كان هناك عودة لمقاتلي أو لسلاح حزب الله إلى جنوب الليطاني“!

ولا يعني ذلك أن إسرائيل ستوافق حتى بالتعابير عن التخلي عن إرادتها بالتدخل “للدفاع عن نفسها” متى شاءت!

ولكن حزب الله لن يقبل هذا الواقع، أي أنه مستمر في الرهان، وهو مستعد لذلك لوقت طويل، معتمد على عنصر الوقت، المبني على صمود مقاتليه على الجبهة الحدودية، وعلى قدرته في التنويع في عملية إطلاقه للصواريخ والمسيّرات.

ولكن نتيجة التفاوض في حال استمرارها ستكون واحدة؛ أي أن أمن جنوب الليطاني سيكون إسرائيلياً، أياً يكن الجيش المتواجد على أرضه!

فالتفسير “المطاط” لأي نتيجة تفاوض ستستعمله إسرائيل متى شاءت بدعم ديبلوماسي وإعلامي دولي تتفوق به على حزب الله وعلى لبنان.

ولكن، هل يمكن لحزب الله الحصول على أفضل من ذلك في الميدان؟

حزب الله نجح بصمود مقاتليه في قرى الحافة وببعض الصواريخ التي وصلت إلى تل أبيب، ولكن خاصة إلى حيفا، استطاع بفضل ذلك تجنب التنفيذ الفوري للقرار 1559!

وهو استطاع الصمود! ما يسمح له، القول بالإعلام ولجمهوره يوماّ أنه “انتصر” بعدم زواله!

هدف حزب الله من الميدان ليس الدخول إلى الجليل، ولا منع إسرائيل من الدخول إلى الأراضي اللبنانية. بل هو الالتحام! وكم يستطيع أن يقتل من الجيش الإسرائيلي، بمعزل عن قدرة الجيش الإسرائيلي بقتل عدد كبير من شهداء الحزب.

قاسم يهدد مباشرة تل أبيب بعد استهدافها لبيروت! وبعض لكمات حزب الله لإسرائيل كانت موجعة! وخاصة في استهداف قاعدة نتانيا!

وذلك، بالإضافة إلى إصابة رمزية لمنزل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو ولتكبيد إسرائيل بعض الخسائر البشرية في محاولات التوغل البري.

وورقة الضغط الأهم لحزب الله هي في منع عودة مستوطني الشمال “المهجرين” (60 إلى 80 ألف مستوطن) إلى بيوتهم. ولكنهم سيعودون إلى “منازلهم” بموافقة حزب الله “الضمنية” كنتيجة للاتفاق!

بالطبع الخسائر غير متوازنة بين إسرائيل وحزب الله، ولا بين إسرائيل ولبنان. ولكن حزب الله، الذي يؤمن أن إسرائيل لا تهزم إلا بالمقاومة، ما يزال قادراً على الاستمرار والصمود. فهو، كما يقول الشيخ نعيم قاسم أمام خيارين: إما النصر وإما الشهادة!

هل يعود حزب الله أقوى مما كان بعد الحرب؟ بالتأكيد لا! لكن كلمات الشيخ نعيم قاسم الأخيرة حول المساهمة في البناء تحت سقف الطائف والمساهمة لاحقاً في الحياة السياسية تترك الباب مفتوحاً لدور لحزب الله مستقبلي… من دون سلاح!

Visited 10 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

سمير سكاف

صحافي وكاتب لبناني