خطاب “تأسيسي” لحزب الله… الجديد!
سمير سكاف
دخل حزب الله فعلياً بالأمس في عهد الأمين العام “الجديد” لحزب الله، بعد خطاب الشيخ نعيم قاسم! لا بل هو دخل مرحلة إعادة تأسيس للحزب بمفاهيم وأهداف جديدة!
ليس هناك توازن رعب بين حزب الله وإسرائيل عسكرياً. وليس هناك بالتالي طموح للعبور إلى القدس. فالفروقات العسكرية هائلة بين الحزب وبين دولة إسرائيل!
والانتصار ليس برمي إسرائيل في البحر، بل بصمود واستمرار حزب الله.
والمقاومة إيمان وعقيدة أكثر منها عسكر. وغلبة إسرائيل العسكرية غير ممكنة!
ولوم جمهور الحزب والمناصرين وعدم فهمهم وعدم قبولهم مفهوم وأسئلتهم ومشروعة.
فقد كان من الصعب على هذا الجمهور أن يفهم وأن يستوعب خسارة كل قياداته في فترة زمنية قصيرة جداً جداً!
وهو سيصعب عليه قبول حقيقة فقدان التوازن العسكري أو توازن الرعب، الذي كان مزروعاً في أذهان جمهور حزب الله من مقاتلين ومناصرين.
أفكار واقعية تحدث بها للمرة الأولى الشيخ نعيم قاسم. ومصارحة متميزة في خطاب الأمين العام لحزب الله. وهي من أصدق الخطب السياسية للحزب، بمعزل عن الاتفاق أو عدم الاتفاق معه حول تفسير النصر أو آلية التحرك المقبلة للحزب.
وقد لا يقبل مناصرو وجمهور الحزب هذه المصارحة التي استبدل بها الشيخ نعيم قاسم شعارات الشهيد السيد حسن نصرالله بحقائق ميدانية وواقعية، حقائق تذكر للمرة الأولى على لسان أمين عام للحزب منذ تأسيس حزب الله! قد يعتبرها البعض تراجعاً، وقد يفسرها آخرون بنوع من الخسارة.
تميزت مصارحة خطاب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم الأخير بصراحتها وبمقاربتها المنطقية لمسار الأحداث والتوازنات، وإن كان البعض لا يشاطره الاستنتاج بتوصيف النتيجة بالنصر!
اعترف قاسم بتفوق إسرائيل المعلوماتي. وبانكشاف حزب الله المعلوماتي. وبسيطرة إسرائيل على الاتصالات، كما بسيطرتها على الذكاء الاصطناعي. واعترف بتفوق سلاح الجو الإسرائيلي الذي غطّى كل لبنان.
ولم يخفِ قاسم أن الحزب يقوم بعملية تحقيق داخلية. ستطال من دون شك هذا الانكشاف المعلوماتي، مع ما يمكن أن يطاله من شبكات للعملاء في داخل الحزب أو في محيطه.
“المقاومة لا يمكن أن تكون أقوى عسكرياً. ولا يمكن أن نعتمد بأن غلبتها هي غلبية عسكرية… أبداً!” يقول قاسم.
تنتصر المقاومة بحسب قاسم برجالاتها ونسائها، بعطاءاتها، بتضحياتها، وبدماء شهدائها.
“الموضوع العسكري هو جزء من الأدوات المساعدة في عملية الانتصار”. يؤكد قاسم.
النصر بحسب قاسم هو بالصمود والاستمرارية.
وقد ترك قاسم الأمور للدولة لإيجاد الحل السياسي في التعامل مع وقف إطلاق النار.
“مسؤولية حماية السيادة على الجميع!” يقول قاسم. فهو يشمل الآخرين بالشراكة على حماية السيادة! ويضع حزب الله في خدمة السيادة.
فيما يؤكد قاسم على أن كل اللبنانيين هم شركاء في الوطن، حتى الخصوم منهم.
في اتفاق وقف إطلاق النار، “نحن التزمنا وإسرائيل لم تلتزم!” فقد صبر الحزب عن الرد على إسرائيل مقابل 1.350 اعتداءاً إسرائيلياً، وخرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار. استمع قاسم لنصائح مسؤولي الدولة اللبنانية بعدم الرد حتى الآن. وهو ترك الاحتمالات مفتوحة حول آلية وتاريخ أي رد ممكن!
كثيرة هي مقولات الشيخ نعيم قاسم الواضحة والصريحة في هذه المصارحة. وهي لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل. ويبقى أن يقبل بها جمهور الحزب وبيئته ومقاتلوه وحلفاؤه وأصدقاؤه، والإعلاميون المقربون منه!
وفي منطق علم التواصل، سجل الشيخ نعيم قاسم نقاطاً قوياً بالرد على معظم التساؤلات والاتهامات التي تطال الحزب من جمهوره ومن خصومه، بمعزل عن نجاحه من عدمه في إقناعهم! إلا أنه لم يتهرب من طرح السؤال ومن الإجابة عليه!
رسم الشيخ نعيم قاسم في خطابه بالأمس إطار عمل حزب الله، وإطار طموحاته العسكرية “المخفّضة” مع ما يعتبره متناسباً مع دور المقاتلين في الصمود، ودور الحزب في الاستمرار… شمال الليطاني!
أعطى الشيخ نعيم قاسم تفسيراً جديداً لثلاثية الجيش والشعب والمقاومة في عودة الأهالي باعتباره أن الجيش والشعب كانا هما المقاومة. وهو تفسير مقبول حتى من خصومه.
فالجيش اللبناني يلعب دوراً هاماً بتسهيل عودة المهجرين من بيئة الحزب إلى قراهم.
فهل يتجه حزب الله “الجديد” في زمن الأمين العام نعيم قاسم في المرحلة المقبلة إلى الاعتماد أكثر على الجيش اللبناني لحماية لبنان عامةً، وجمهوره خاصةً؟ وهل يتجه بالتالي إلى مزيد من المقاومة في العقيدة وإلى نقصان في المقاومة العسكرية؟!
يبدو أن الشيخ نعيم قاسم، عموماً، يريد تجنب العودة إلى الحرب بغية الذهاب إلى إعادة البناء، بعد مساهمة الحزب في انتخاب رئيس للجمهورية. وهو يؤمن بالرئيس الجديد، ويريد تسهيل مهمة رئيس الحكومة على الرغم من فترة التكليف الصعبة.
فهل ينجح بتجنب الانزلاق إلى الحرب من جديد بعد التمديد الذي لم يكن ينتظره للفترة المحددة سابقاً إلى 18 فبراير-شباط، والذي وافقت عليه الحكومة اللبنانية؟
سيواجه الشيخ نعيم قاسم تحديات كبرى لاحقاً. أبرزها تطبيق وقف إطلاق النار من حهة، وتطبيق القرار 1701 + شمال الليطاني من جهة أخرى. فهل سيعتمد في مواجهته على العقيدة وعلى الجمهور وعلى التضحيات، أكثر من اعتماده على هدف النصر العسكري؟!