“العهد القوي” في الهزيع الأخير
حسين عطايا
علي بُعد أشهر من نهاية “العهد”، فعلت دوائر القصر والتيار العوني أجهزتهم الإعلامية والقضائية، وبدؤوا بشن حركة هجوم على مختلف الجبهات، مما يُذكرنا بأواخر عهد ميشال عون في ثمانينات القرن الماضي، والتي انتهت بقصف قصر بعبدا وإجباره على الهروب في تشرين إلى السفارة الفرنسية القريبة من القصر.
اليوم، وعلى أبواب نهاية العهد، استأنفت القاضية غادة عون، المرتبطة عضوياً بقصر بعبدا، والتي كرمى لعيونها تم إقفال الأدراج على مرسوم التشكيلات القضائية، ولأن الأمر لم يقف هنا، بل منذ أيام كانت بعض الترتيبات لصفقة جديدة تُطيح بمدعي عام التمييز “القاضي عويدات”، ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، إلا أن بعض التعقيدات أطاحت بتلك الصفقة في آخر لحظاتها، مما دعا إلى تفعيل حركة القاضية عون، وبدأت التصعيد بملف المصارف وحاكم مصرف لبنان، وهنا لا ننسى بعض التجمعات التي تأتمر بأمر القاضية عون، والتي تقوم بتقديم الإخبارات ضد المصارف والحاكمية، لا بل وصل بها الأمر بالادعاء على مفوضي الحكومة، الحاليون منهم والسابقون، بمن فيهم أعضاء المجلس المركزي حاليين وسابقين، عدا عن الادعاء على رؤساء مجلس إدارة عددا من المصارف اللبنانية، وأعضاء مجالس الإدارة.
وكان قرار القاضية ماريانا عناني بالحجز على خزائن “فرنسا بنك”، وإقفال أبوابه على ودائع المواطنين ورواتب موظفي القطاع العام. مما أدى إلى نجاح القاضية عون في تصوير نفسها المنقذ من الضلال بأعين بعض المودعين، نتيجة البروباغندا الإعلامية المرافقة والرامية إلى تبييض صفحة “العهد”، ووضع كل أسباب ضياع الودائع والمال العام المنهوب، بظهر المصارف وحاكم البنك المركزي، وهي برأينا مجرد عاصفة تُرابية، بغاية ذر الرماد بأعين اللبنانيين وتبييض صفحة “العهد” لا أكثر، نتيحة الفشل الذريع، والذي من خلاله لم يستطع “العهد” تحقيق أي من وعوده من ضمن مقولة الإصلاح والتغيير، التي على أساسها أتى للحكم، وبصفته “العهد القوي”. هذا داخلياً، ويُضاف إليه بالطبع تصريحات الصهر رئيس التيار العوني، وهجومه على الخصوم السياسيين، تحت بند “ما خلونا..”، وكأنه وصل لتوه من أحد الكواكب البعيدة عن كوكب الارض، وتناسى أنه و”العهد” ما تسلموا وزارة الطاقة على مدى اثني عشر عاماً، وعاثوا بها فساداً حتى بلغت فاتورة الكهرباء ما يُقارب الاثنين وأربعين مليار دولار. ومع كل حكومة يتحفونا بـ”خطة كهرباء”، بينما الكهرباء غائبة ولا يراها المواطنون أكثر من ساعتين باليوم.
أما خارجياً، أتت زيارة الرئيس عون إلى روما للقاء الحبر الأعظم ومن ثم الرئيس الإيطالي، حيث كانت تفتقد هذه الزيارة لأبسط قواعد الإفادة للدولة اللبنانية، ففي الفاتيكان كانت الفضيحة الكبرى ظاهرة للعيان، من خلال الفرق مابين البيان الرسمي في الدائرة الإعلامية بقصر بعبدا، وبين البيان الصادر عن دوائر الفاتيكان، وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها تضارب بالمعلومات بين القصر وضيوفه أو زائريه، عدا عن تصريات الرئيس حين قال إن لبنان يُلملم جراحه، على الرغم من أنه يعلم بأن لبنان يغرق أكثر فأكثر في الطريق المؤدية إلى قعر جهنم، التي بشر بها الرئيس عون اللبنانيين منذ اشهر.
كما أن الرسالة المستوحاة من الزيارة هي تبييض صفحة حزب الله، من خلال قول الرئيس بأن حزب الله يحمي لبنان والمسيحيين، ونسي فخامته أنه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة اللبنانية، كان ملزماً بأن يقول إنه لا يحمي لبنان سوى الجيش اللبناني، وملزم بأن يتقدم بالطلب من الحبر الأعظم بمساعدة لبنان عبر نفوذه الروحي والأبوي من الدول الأصدقاء والأشقاء، بدعم الجيش اللبناني وباقي الأجهزة العسكرية والأمنية، وليس التسويق لحماية حزب الله للبنان، وبالتالي توجيه الاتهامات إلى “بكركي”، والتي تحمل لواء حياد لبنان عن نزاعات وأحلاف المنطقة.
من هنا نرى الفرق بين زيارتين، الأولى لميشال عون إلى روما، والثانية زيارة غبطة البطريريك الراعي إلى مصر ولقاءاته مع الرئيس السيسي، ومن ثم أمين عام الجامعة العربية، وزيارته إلى الأزهر الشريف، ولقاء الإمام الأكبر أحمد الطيب، وما تناولته تلك المحادثات من مطالب لبنانية تهم كل الشعب اللبناني، وخصوصاً فيما اتصل بعودة الرعاية العربية إلى لبنان، واستعادة لبنان إلى محيطه العربي الحيوي، كما جاءت دعوته لإمام الأزهر بزيارة لبنان، وتفعيل مقتضيات الأخوة الإنسانية ببن اللبنانيين عموما وفي كل العالم العربي.
هنا تظهر أهمية زيارة البطريريك الذي تحدث باسم لبنان، بينما زيارة الرئيس عون تمثل جزءاً من اللبنانيين وتتحدث باسم حلف الأقليات، والذي لا يمكن أن يُمثل الوجه الحقيقي للبنان الرسالة. هذا، ما يؤكد بأن “العهد القوي”، من خلال حملاته الإعلامية وعمله في هدم ما تبقى من مقومات الجسم القضائي، وعلى ماتبقى من النظام المصرفي، والذي حُكماً يُساهم في القضاء نهائياً على كل ماتبقى من مقومات الدولة اللبنانية فقط لتسويق صهره لرئاسة الجمهورية، ولنزع ثوب الفشل الذي رسخه على مدى خمس سنوات ونيف من عهده. لبنان يُنازع في العناية الفائقة، ويأتي العهد لقطع أنبوب الأوكسيجين عنه.
نعم، إنه “العهد القوي” لدرجة تدمير لبنان على مدى ست سنوات عِجاف من “”عهدٍ سُمي قوياً، وهو ليس أكثر من هيكلٍ من كرتون، لايقاوم نسمة هواء، لا بل أوهن من بيت العنكبوت. هذا ماعودنا عليه ميشال عون في العام 1989 وحروبه بمختلف الاتجاهات، وهو اليوم يُقامر بمصير الوطن، فقط ليضمن نجاح صهره بالنيابة والتسويق له للرئاسة. بئس العهد القوي الذي قضى على ماتبقى من دعائم الدولة اللبنانية، التي دمرها بالتوافق والشراكة مع حزب الله وأدواته في لبنان والمنطقة.