عودة السفراء العرب: إعادة للتوازن وعدم ترك لبنان ساحة لإيران

عودة السفراء العرب: إعادة للتوازن وعدم ترك لبنان ساحة لإيران

حسين عطايا

تطورات مُهمة على صعيد العلاقات العربية والخليجية تحديداً ترسمُها الدبلوماسية السعودية ومعها اشقائها في الكويت واليمن وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، ويأتي ذلك بعد غياب استمر لاكثر من خمسة اشهر مضت على سحب المملكة العربية السعودية لسفيرها من لبنان في التاسع والعشرين من تشرين الاول ــ اوكتوبر ٢٠٢١، وطلبها من السفير اللبناني مغادرة الاراضي السعودية ولحقت بها الكويت والامارات ثم مملكة البحرين وسفير الحكومة الشرعية في اليمن، هذا عدا عن إعلان المملكة العربية السعودية وقف الاستيراد والعلاقات التجارية مع لبنان.

هذا الامر إنعكست تداعياته على قِطاعات واسعة من الاقتصاد اللبناني والذي يعيش اساساً ازمات متتالية ادت الى اختناق اقتصادي مما يعانيه لبنان من سلسلة أزمات ضربته منذ السابع عشر من اوكتوبر ٢٠١٩ تاريخ بدء احداث الانتفاضة اللبنانية، وضيق الخناق اكثر فأكثر على طبقات لبنانية كثيرة وخصوصا في قطاعات الصناعة والزراعة وغيرها من وسائل الانتاج.   

وبين التاسع والعشرين من اوكتوبر ٢٠٢١ والثامن من نيسان ٢٠٢٢ مسافة زمن دفعت باللبنانيين اكثر فاكثر نحو اليأس وقطع الامل من مؤسسات حكومية ورئِاسات لا تستطيع القيام بأي عمل يُساهم في حلحلة المآساة التي يعشيها اللبنانيين ليُضاف عليها تخلي الاشقاء العرب عن لبنان نتيجة ممارسات طرف لبناني يتحكم بقرارات الشرعية اللبنانية ويأخذ لُبنان رهينة لحلف الممانعة التي تقوده إيران ليكون ورقة ضاغطة تستفيد منها في مفاوضات فيينا للعودة الى الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة وشركائها الاوروبيين على حساب لبنان وشعبه.   

من هنا تكمن أهمية عودة السفراء العرب الى لبنان لإستعادة لبنان الى عمقه العربي، حيث المتنفس الذي يُشكل الرئة التي من خلالها يتنفس لبنان خصوصاً في خِضم الازمات التي يعيشها. من هنا، كان الخبر الذي نشرته وكالة الانباء السعودية ” واس ” تُعلن فيه عن عودة سفيرها د. وليد البخاري الى لبنان بمثابة خبرٌ مفرحٌ وسار لاكثرية اللبنانيين الذين تنفسوا الصُعداء، لما يُمثله هذا الامر من خبرٍ بالغ الاهمية حيث يُعيدُ بعضٌ من الروح الى لبنان، وقد عنونت الوكالة السعودية للانباء بأنه: “إستجابة لنداءات ومناشدات القوى السياسية المعتدلة في لبنان ” وشدد البيان السعودي على “أهمية عودة جمهورية  لبنان الى عمقها العربي”.   

هذا من ناحية، ثم اتى الاتصال من السفير الكويتي عبدالعال القناعي برئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ليبلغه فيه بعودته الى لبنان قبل نهاية الاسبوع ومن ثم تلاه بيان من الحكومة الشرعية اليمنية حول إعادة سفيرها ايضاً الى لبنان. هذه الامور مجتمعة شكلت نهار الخميس في السابع من نيسان  ٢٠٢٢ عودة عربية الى لبنان لإستعادته الى الحضن العربي، بعد ان حاول البعض سلخه عن محيطه الحيوي والذي يُعتبر حصناً يتحصن به لبنان في وجه الاعاصير والعواصف التي تضرب العالم والمنطقة في هذا الزمن. 

وقد وصل بعد ظهر امس الجمعة السفير السعودي د. وليد البخاري الى بيروت ومن ثم تلاه وصول السفير الكويتي ، حيث شكل الامر حدثاً يُبنى عليه، بأن القرار العربي واضح الرؤية والموقف بعدم ترك لبنان فريسة سهلة بيد ايران وذراعها حزب الله لإخذه رهينة واعتباره ورقة تفاوضية وساحة إرسال الرسائل والدس الرخيص نحو الاشقاء العرب. لاشك أن قرار عودة السفراء العرب لم يأتِ من فراغ بل نتيجة مبادرات وجهود عربية عملت عليه دولة الكويت الشقيق وجمهورية مصر العربية كما امين عام جامعة الدول العربية، ويُضاف اليه جهدٍ فرنسي باتجاه المملكة العربية السعودية لاسيما زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى الرياض ولقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان وما حصل خلالها من اتصال ثُلاثي، اطرافه محمد بن سلمان وماكرون ورئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي والذي نتج عنه تعهد لبناني ببذل كل الجهد التي تقدر عليه حكومة ميقاتي في نزع فتيل الازمة وخصوصاً التشدد في مراقبة اعمال التهريب الذي يقوم بها البعض لانواع المخدرات ومنها حبوب الكبتاغون والذي قامت به الاجهزة الامنية اللبنانية والتي ظبطت العديد من الشحنات المهربة وقد نجحت في هذا الامر . 

يُضاف الى كل ماتقدم شعور الاشقاء العرب في كل من المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي ومصر بضرورة عدم ترك لبنان فريسة سهلة لايران وادواتها مما عجل في اتخاذ القرار بعودة السفراء العرب لإستعادة لبنان الى الحضن العربي وتقديم المساعدات للشعب اللبناني وانتشاله من الازمات الخانقة التي يعيشها لبنان  ولهذا كانت الشهر الماضي زيارة المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا الى باريس ولقاء مجموعة من المسؤلين الفرنسيين المكلفين بملف لبنان وتم التوصل الى  اتفاق على دعم الشعب اللبناني بعيداً عن الاجهزة الادارية الرسمية للدولة اللبنانية نتيجة عدم الثقة بها ولاعتقاد الطرفين السعودي والفرنسي  بسيطرة حزب الله عليها.

ومن جهة ثانية اتت العودة الخليجية العربية الى لبنان في وقت حرجٍ جدا ومهم خصوصاً أن لبنان على ابواب انتخابات نيابية تُعتبر مفصلية في إعادة انتاج السلطة في لبنان، حيث أن هذا المجلس الذي سينبثق عن هذه الانتخابات هو المقرر ان يقوم بانتخاب رئيساً جديداً للجمهورية اللبنانية وكذلك انتخاب رئيساً جديدا لمجلس النواب بعد مرور مايزيد عن ثلاثين عاماً حيث يتربع الرئيس بري حليف حزب الله على كرسي رئاسة المجلس وهذا أمر غريب عن كل التقاليد والاعراف اللبنانية التي سبقت اتفاق الطائف من عمر الجمهورية اللبنانية.

 إن عودة  السفراء العرب والسفير السعودي تحديداً بينما لبنان على اعتاب الانتخابات النيابية في الخامس عشر من شهر ايار ” ماي ” القادم حيث ستمثل عودته الاهمية في إعادة رسم خطوط التوازن خصوصاً في الساحة السنية والتي تعيش حالة اضطراب ، على اثر انسحاب الرئيس سعد الحريري وتياره من الحياة السياسية اللبنانية. 

هذا الامر حتماً سيشكل عملية إعادة التوازن على الساحة السنية واللبنانية بشكل عام، مما للسفير البخاري من صداقات وعلاقات طيبة ومتميزة مع اغلبية الاطراف اللبنانية مما يعطيه دفعا نحو تحقيق التوازن على الساحة السياسية، كما أن هذا الامر يُشكل مطلباً فرنسياً في عدم السماح لحزب الله من الحصول على اغلبية نيابية تُعطيه الفرصة في السيطرة اكثر فأكثر على العملية السياسية اللبنانية مما سيُشكل عائقاً حقيقياً امام تطور لبنان وعلاقاته العربية والدولية.

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني