المغرب واسبانيا.. العودة إلى دبلوماسية الحوار
عبد العلي جدوبي
ليس من السهل على المتتبع غير المسلح بثقافة تاريخية، وبإلمام موسع بمراحل التواصل المغربي الإسباني في زمن التوتر أو زمن التفاهم، أن يفهم حالات المد والجزر والصعود في علاقات شبه الجزيرة الايبيرية، بان المغرب ظل وفيا لجيرانه وأصدقائه دون أن يساهم في قطع الصلات الشخصية بين الشعبين الصديقين، الجارين ودون أن يقلص من عمق التواصل الفكري والثقافي والسياسي والحضاري بين رموز المجتمع المدني في كلتا البلدين.
وبالرغم من التوتر في العلاقات الآونة الأخيرة، فإنها لم تصل الى حد القطيعة بين البلدين الجارين،على اعتبار رجاحة كل طرف للأخر للتفاهم والتنسيق بينهما لمعالجة ملفات وقضايا أمنية استراتيجية فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب، والجريمة المنظمة والمخدرات، على غرار التزامات البلدين المشتركة مع بلدان الاتحاد الأروبي، والتخفيف من حدة الهجرة غير الشرعية وفرض رقابة صارمة على المعابر التي لا تعتبر حدودا، وإنما نقاطا إجرائية أملتها الأوضاع القائمة، ويعرف الاسبان أكثر من غيرهم، أن المغرب أبدى رفضه وتحفظاته حيال إدماج المدينتين سبتة ومليلية المحتلتين في الفضاء الأروبي، مند بدء سريان مفعول اتفاقية شينغن، واعتبرت الرباط أن التقادم لا يلغي الحقوق المشروعة للمغرب بما في ذلك المياه الإقليمية التي يعتبر الاتفاق حولها سبب استمرار الاحتلال الاسباني الثغور المغربية، لكن هذا الوضع الاستثنائي لم يحل دون امتداد جسور تعاون حقيقي في العلاقات الثنائية بين البلدين.
هذا وكيفما كان مسار الانتقال الى المرحلة الجديدة على هامش الزيارة الرسمية لرئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز للمغرب بدعوة من العاهل المغربي محمد السادس، فإن الاسبان في شبه الجزيرة الأيبيرية بحاجة إلى المساعدة بهدف التغلب على فكر استعماري كتركة ثقيلة ورثتها الحكومات الإسبانية المتعاقبة على الحكم يجب التخلص منها، والإقرار بخطة طريق طويلة الأمد.. لبلورة مظاهر التعاون الاستراتيجي الذي يسمو فوق كل الخلافات.
فهناك مستجدات على الساحة الدولية يجب أخدها بعين الاعتبار، وهناك تحديات إقليمية تشهدها المنطقة، وأمام الجارين الصديقين ملفات يجب معالجتها بحنكة وبجدية وتبصر وفق المصالح المشتركة.. وتفعيل ماجاء في البيان الختامي المعتمد في ختام مباحثات جلالة الملك مع رئيس الحكومة الإسبانية.
وما يمكن التأكيد عليه هو أن الاسبان في الحكومة والمعارضة يعترفون بالجهود الكبيرة التي يقوم بها المغرب في هذا المجال ، كما أن تأكيد إسبانيا على أهمية وجدية اقتراح المغرب بمبادرة الحكم الذاتي الموسع في أقاليمنا الجنوبية، لهو اعتراف صريح بمغربية الصحراء المغربية، قد أزال أكبر عقبة خلافية أمام البلدين، ومهد لفتح صفحة جديدة تقوم على مبادئ وقيم الانفتاح والتعاون على كافة المستويات والاصعدة وعلى دبلوماسية الحوار.