خارطة الكتل النيابية في الانتخابات المقبلة ترتسم قبل حصولها

خارطة الكتل النيابية في الانتخابات المقبلة ترتسم قبل حصولها

حسين عطايا

بدا واضحاً، من خلال تواصل إعلان  اللوائح الانتخابية وتوزعها على الدوائر الخمسة عشر، كيف ستكون خارطة الكتل الانتخابية في البرلمان الجديد الناتج عن انتخابات الخامس عشر من ايار القادم 2022.

فمن خلال متابعة ودراسة فترة ما سبق تشكيل اللوائح من مخاض عسير، وعلى مستوى كل القوى السياسية التقليدية والمستجدة ما بعد انتفاضة 17 تشرين، يتراءى لنا بأن المشهد العام يلفه الاضطراب والضبابية، ما عدا كتلة واحدة هي المقررة والقائدة، والتي لم يحدث على تشكيلاتها سوى تغيير طفيف ليس أكثر، وهنا المقصود لائحة الثنائي “أمل – حزب الله”، حيث لم تجدد قوى الثنائي أو يعترض طريق تشكيلها أية مشكلات في اختيار أو تشكيل لائحتيها، فحزب الله أطل أمينه العام ليُخبر اللبنانيين بأنه ونتيجة النجاحات المميزة لأعضاء كتلته البرلمانية أبقى القديم على قِدمه، كما أنه أبقى الشعار القديم والمستعمل في انتخابات 2018، وأضاف عليه كلمة واحدة “باقون نحمي ونبني”.

 لكن سماحته لم يُخبر اللبنانيين ممن حماهم، والأزمات سيلُ جارف لا يتوقف، والبناءُ معدومٌ لدرجة أنه غيرُ مرئي أو مُشاهد.

 أما على المقلب الآخر،أطل الرئيس نبيه بري من دارته في المصيلح “وجميع اللبنانيين الجنوبيين، أو غالبيتهم يعلمون أن الأرض التي بنى عليها دارته مُغتصبةٌ، أُخذت عن غير رضى صاحبها، وأعلن لائحته وبرنامجه. ولم نر سوى تغييرا طفيفا تمثل في عزوف ياسين جابر عن الترشح، وعلي بزي في بنت جبيل عايضاً، والوديعة الدرزية في حاصبيا، التي إستُبدِلت بوديعة مصرفية، قيل إن مقدارها يُعادل الخمسة وعشرين مليون دولار “فْرِشْ” ونقداً بلغة هذا الزمان.

 أما من ناحية المعارضات ومجموعاتها المتعددة الأسماء من قوى ثورة، وقوى معارضة، وقوى تغيير، وقوى سيادية… فبقيت تتخبط فيما بينها حتى أخر يوم في موعد انتهاء تسجيل اللوائح.

 فعلى جبهة قوى الاعتراض وتسمياتها المختلفة، تمظهرت حقيقة الأمر بأن كلٍ منها يُغني على ليلاه، ويرعى قطيعه في وادٍ غير متآلف مع غيره من بقية الرعاة والقطعان، وكانت مرحلة تشكيل اللوائح تشوبها عيوب كثيرة وكثيرة جداً، إلى حد الانقسام والاختلاف على كل شيء، وتعددت اللوائح وأسماؤها، كما تعددت من قبل اسماء مجموعات الثورة، والتي تفوق الخمسمائة مجموعة، حتى غدت المعارضات موزعة على لوائح عِدة في كل دائرة، عدا عن خطابها السياسي والصراع البيني فيما بينها، الذي أوصلها إلى حد تناسي معركتها بوجه السلطة ومنظومتها ومن يحميها، بل جُل صِراعها ومعاركها بات مع حلفاء الأمس ورفاق الدرب، وبدا واضحاً أنها تخوض صراعاً وجودياً فيما بينها، ساهم في القضاء على كل إرثٍ تم البناء عليه خلال السنتين ونيف ما بعد 17 تشرين، حتى غدا كُلُ ما تغنت به تلك المجموعات من شعارات وبيانات أصبح من الماضي البعيد، بُعد تلك المجموعات عن بعضها البعض.

 أما من جهة بروز ما يُسمى من قوى سيادية ازداد خطابها السياسي في حدة مواجهتها مع “حزب الله” ألا وهي الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية من جهة، والرئيس فؤاد السنيورة، واللواء أشرف ريفي، وبعض الأفراد والمجموعات كانت تعمل بجُهدٍ لتشكيل لوائحها، لكنها تعرضت إلى صِعاب كثيرة، نتيجة أنانيات حيناً، ومحاولة الحصول على حِصة أكبر تنتزعها من خصمها الحليف، وهنا يُقال إن دولة شقيقة وكُبرى تدخلت لرأب الصدع وتوحيد اللوائح لأنها تُشكل لوائح الضرورة.

 في كل ذلك، لا يغيب عن بالنا خروج “تيار المستقبل” ورئيسه سعد الحريري من الحياة السياسية، والذي أفقد حُلفاءه سلاحاً كبيراً يُحدث فرقاً في المعركة الانتخابية، حيث انقسمت الساحة الزرقاء وجماهيرها، وتفرقت بعضُ جماهيرها على الحلفاء، لكن أكثريتها رهنٌ بقرار قد يصدر قريباً عبر إيحاء لتصب تلك الجماهير أصواتها في اتجاه مُعين، أو تبقى على حيادها، عبر اعتكافها وتعليق نشاطها المشارك في الانتخابات سلباً وبعيداً عن إيجابيات مشاركتها.

 هذه البانوراما عن اللوائح والصراعات ستُفرز برلماناً جديدا فيه كتلة شبه موحدة متراصة، يقودها “مرشد الجمهورية” حسن نصرالله وحزبه، وستكون هي الأقوى وهي المُقررِة في التوجهات والقرارات الكُبرى، فارضة رؤيتها على الآخرين،  كتلة قد يصل عديد نوابها إلى حدود ثلاث وستين نائباً.

 وعلى المقلب الآخر، كتلة متقاربة في بعضٍ من الرؤية مختلفة فيما بينها، وهي كتلة الاشتراكي والقوات، ومن سيصل من لائحة السنيورة في بيروت، ولوائح بقايا “المستقبل”، وبعض من هم في معارضة “حزب الله”، وهذه الكتلة سيكون تعدادها ما بين ثلاثين، وفي أكثر حالات التفاؤل قد يصل إلى الخمسة وأربعين نائباً.

 أما على جبهة قوى الاعتراض والتغيير والثورة، وغيرها من مسميات  تتنافس على عشرين مقعدا، قد تحصدها وبالتالي تكون كتلاً صغيرة متنافسة، كما تنافست قبل وأثناء تشكيل اللوائح، فلايجمع مابينها سوى مسميات قوى الاعتراض ، قد تتفق على أمورٍ وتختلف على غيرها.

 وهنا، وبناء على هذا التوزيع للكتل البرلمانية، يراودنا سؤالان جوهريان بحاجة لإجابة حقيقية صادقة وموضوعية: 

 – الأول: هل باستطاعة هذه الكتل المتناثرة أن تتوحد وتجتمع على رؤية معارضة واحدة، تقف بوجه كتلة “حزب الله” وحلفائه وأتباعه، وتستطيع أن تفرض شروطها؟

 – الثاني: هل كتلتا الاشتراكي والقوات اللبنانية ومن يلتقي معهما، من قوى معارضة تقليدية، سيكونون جادين بتمسكهم بما يطرحونه من خطاب سيادي، يستطيعون مُجابهة قرار “حزب الله” بإعادة ترشيح نبيه بري رئيساً للبرلمان الجديد، أو سيدخلون بحجج وأسباب موجبة تدفعهم لإعادة تعويم الرئيس بري لولاية جديدة في سُدة مجلس النواب لأربع سنين عِجاف جديدة على الشعب اللبناني، مما يزيد في استفحال الأزمات، ويُساهم في تمرير انتخابات رئاسة الجمهورية لأحد أتباع “حزب الله”، لست سنوات يشوبها كل أنواع الصعاب والأزمات على الوطن وأهله؟

هذان السؤالان هما ما يُحدد ويرسم مصير لبنان للسنوات الأربع من عمر مجلس النواب، وست سنوات من عمر الجمهورية، قد تكون امتداداً لكل الأزمات التي يعيشها لبنان، والتي تُعتبر سنوات عِجاف على درب جلجلة الوطن المُعذب.

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني