“كوبلنز”.. هل ستفتح أبواب محاسبة مرتكبي القتل والتعذيب في سوريا؟
وفا مصطفى صحفية سورية، ناشطة سياسية ومدافعة عن حقوق الانسان، تقيم حاليا في تركيا. اعتقلت من قبل النظام السوري بداية الثورة، كما دفع والدها ثمن وقوفه إلى جانب التغيير الذي كان يطمح إليه الشعب السوري، فهو أيضا سجين معتقلات بشار الأسد منذ العام 2013 ومصيره ما يزال مجهولا. وبحكم ذلك تحولت وفا إلى مناضلة من أجل إطلاق سراح المعتقلين والمغيبين قسرا في سوريا، عند النظام وغيره من منظمات متطرفة شاركت في الحرب السورية. في شهر تموز الماضي، وأمام مجلس الأمن الدولي، بحضور مندوب النظام السوري، أطلقت وفا مصطفى صرختها العالية المطالبة بالكشف عن مصير المعتقلين في سجون الأسد. وتحدثت عن وجود ما لا يقل عن 150 ألف معتقل ومغيب قسري، بالإضافة إلى آلاف المدنيين الآخرين المعتقلين في سجون “النصرة” وفصائل المعارضة ومناطق الإدارة الذاتية الكردية.
وفا مصطفى: لا أعتقد أن هذه المحاكمات ستردع النظام عن استخدام التعذيب.
بمدينة كوبلنز الألمانية جرت محاكمة أنور رسلان، المتهم بالتعذيب والقتل في “فرع الخطيب”، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، وهي محاكمة الأولى من نوعها عالميا، مما يفتح باب أمل لمحاكمة المتورطين بجرائم ضد الإنسانية، ولو بعد حين. فرسلان ارتكب أكثر من 30 جريمة قتل، و4000 حالة تعذيب وحرمان خطير من الحرية، وثلاث حالات على الأقل من العنف الجنسي. وفي فرنكفورت تجري محاكمة “طبيب التعذيب” السوري علاء. م. ليكون عبرة للعاملين في القطاع الطبي، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وتعذيبه ضحايا. كان يفترض أنه مسؤول عن علاجهم، فهو قام بسكب الكحول على الأعضاء التناسلية لمراهق وأشعل النار فيها؟ وكان يدوس بقدميه ذراعا أو ساقا مكسورة لمعتقل؟ والمعتقلون الذين تم تعذيبهم، قام بحقنهم بحقنة مميتة. وهذه ثلاثة أمثلة من قائمة الاتهامات التي أعدها النائب العام بيتر فرانك. والسؤال، هل فتحت هذه المحاكمات أبواب محاسبة معذبي المعتقلين في سوريا؟ تعرب وفا مصطفى في حديث خاص لــ “موقع السؤال الآن” عن اعتقادها، أن الموضوع يتعلق بجانبين، الأول قانوني وحقوقي، والثاني سياسي. وأنا لست اختصاصية حقوق، لكن بسبب أن ذلك يعنينا نحن كأهالي معتقلين ومعتقلات، كنا مضطرين أن نعرف أشياء كثيرة، كونه جزء من حياتنا. أي مضطرين معرفة أشياء ليست بالضرورة من اختصاصنا أو تقع في مجال اهتمامنا، لأنها متعلقة بحياة أحبابنا. فمثلا أنا أعرف أن الولاية القضائية العالمية ليست موجودة بكل الدول. هناك دول مثلا الولاية القضائية العالمية تنص على إمكانية المحاسبة فقط، إذا الجاني وجد فوق أراضيها، وهناك أماكن أخرى ممكن متابعته حتى لو لم يكن موجودا على أراضيها. هذا في الجانب الحقوقي، أما الجانب السياسي فهذا للأسف ما نحاول منذ 11 سنة حتى اليوم أن نفهمه. باعتقادي المسألة ليس ثابثة، والتوقع ليس بهذه البساطة. كناشطة، أتمنى أن تكون هذه المحاكمة بداية مشجعة لدول أخرى، إذا كان عندها الصلاحية حتى تقوم بخطوات الولاية القضائية. وإذا لم تكن لديها الولاية القضائية أن تعمل تعديلات، أو تتبنى قوانين جديدة. طبعا العملية ليست سهلة، لكن بالنهاية الطريق أمام محاسبة الجناة بسوريا قانونيا مسدود في أغلبية الأماكن للأسف“. وعما إذا كانت هذه المحاكمات ستردع نظام الأسد عن تعذيب المعتقلين، أو اتخاذ خطوات بإطلاق سراحهم، تجيب وفا مصطفى: “أنا متأكدة أنه لا يمكن لأحد أن يقول إن هذه المحاكمات ستردع نظام الأسد. فالواضح من سلوك النظام خلال السنوات الماضية أنه يواصل عنجهيته وجرائمه في تصاعد مستمر. يعني هو يقول بشكل واضح لا. للأسف وبكل صدق وواقعية لا أعتقد أن هذه المحاكمات ستردع النظام عن استخدام التعذيب كوسيلة ترهيب. وهل ستدفعهم لاتخاذ خطوات باطلاق سراح المعتقلين؟ للاسف هذا لم يحدث، من بداية محكمة كوبلينز. ولا مجال لإجابة واضحة في هذا الموضوع. وهي غالبا تميل بين التوقعات والأمنيات. ممكن حدوث أمل بأن تدفع المحاكمات النظام لإطلاق سراح بعض المعتقلين، لكن للأمانة، حتى اليوم لم يحدث شيء من هذا. ومن يتابع سلوك نظام الأسد، يدرك بصراحة أن هذا الأمر غير متوقع منهم. ولدى سؤالنا لها عن كيفية متابعة أوضاع والدها المعتقل، وعما إذا كانت تتوافر للعائلة معلومات عنه، تجيب وفا مصطفى: “الحقيقة، مؤلم هذا السؤال. فنحن لا نتابع أوضاعه طبعا، ولا نعرف عنه أي معلومة. معركتنا الأساسية من ثماني سنوات هي معرفة ما إذا كان حيا أم لا. وهذا ما يحدث مع كل العائلات السورية التي اختفى أبناؤها، فالنظام يدفعنا إلى مكان حتى تصبح معركتنا الأساسية في حد أدنى، أي أن نعرف إذا كان احباؤنا أحياء أم لا. والدي تم إخفاؤه قسرا على يد النظام السوري من حي المهاجرين بدمشق. يوم الاثنين من شهر تموز 2013. نحن عرفنا هذه المعلومة عن طريق جارتنا التي شاهدت مجموعة أشخاص اقتحموا البيت ونزلوا مع أبي. وكان هذا آخر ما سمعناه عنه. وهذه هي المعلومة الوحيدة التي حصلنا عليها. لاحقا، سمعنا كثيرا من المعلومات المتضاربة، من تجار الحرب الذين يبيعون معلومات لأهالي المعتقلين. وغالبا ما تكون هذه المعلومات غير صحيحة وغير دقيقة. ولكن للأسف هذه التجارة صارت موجودة. حتى اليوم لا معلومات لدينا عن والدي ولا عن مصيره، ولا عن مكانه، ولا عما هو متهم به، ولا عن أوضاعه، ولا نعرف لماذا اعتقل وأخفي قصدا، ولا نعلم أي شي للأسف“. وعن تقييمها لدور المنظمات السورية التابعة للمعارضة، التي تتابع قضايا المعتقلين وحقوق الإنسان في سوريا، وهل يمكن أن تحقق أهدافها في فضح النظام ومحاسبة مجرمي الحرب أو إطلاق المعتقلين السياسيين في سوريا والاهتمام بأحوال المعتقلين السابقين، ترى أن الإجابة ليست سهلة في هذا الشأن، “من الواضح بالنسبة لنا كنشطاء وناشطات، وكسوريين وسوريات وللعالم كله، أن الوضع بسوريا ليس متعلقا فقط بعنجهية النظام واستبداده وإجرامه، بل متعلق أيضا بموقف المجتمع الدولي. بالنسبة لي واضح اليوم أنه لا إرادة سياسية لتغيير الوضع بسوريا أو لإيجاد حل نهائي وشامل لكل الجرائم التي تحصل بسوريا، وبالتحديد لجريمة الاعتقال والإخفاء القسري. لا يمكن لنا بعدما حدث توقع وقف نظام الأسد لإجرامه، وإطلاق سراح المعتقلين غير وارد. نحن اليوم بحاجة لفعل سياسي، أنا مؤمنة بدورنا كمجتمع مدني ناشط وأهالي معتقلين، نحن نحاول العمل بأقصى ما يمكن فعله، هناك جهود جبارة تبذل بالتوثيق وبالمناصرة وبالتوعية وبنشر المعلومات وإبقاء الحديث عن الاعتقال والاخفاء القسري موجودة دائما على طاولات البحث، هناك جهود جبارة. لكن الحقيقة لا توجد إرادة سياسية لدى المجتمع الدولي لتغيير الوضع في سوريا. فبعد عشر سنوات جهودنا مطلوبة وجزء أساسي، لكن وحدها لا تكفي بغياب الإرادة السياسية الدولية للتغيير وإيقاف جرائم النظام، ولا أعتقد أن الوضع يعني سيتغير قريبا. وعن تجربتها في الاعتقال، تشير إلى إنها لم تتكلم عنها كثيرا، موضحة إنها اعتقلت لعدة أيام فقط في شهر أيلول 2011، أي في بداية الثورة، “اعتقلت بدمشق في فرع 215، الذي هو سرية المداهمة التابعة للأمن العسكري. وعندما خرجت بقينا سنتين بسوريا. كنت أشارك في التظاهرات وبنشاطات الثورة، ومنذ ذلك الوقت وأنا مشغولة بقصة اختفائه، يعني تجربتي لا تقارن بتجارب المعتقلي والمخفيين قسرا، ولم أتعامل مع قصة اعتقالي كقضية، هي موجودة في رأسي في مكان ما، لكن للأسف ليست هناك مساحة أو وقت حتى أتعامل معها بظل الأوضاع الحالية. معركتي هي إنقاذ أبي. وباختصار، أكيد لا أحد يدخل السجون السورية كضيف. وإذا أخذنا بعين الاعتبار توقيت الاعتقال ومكانه، كوني من منطقة مصياف وليس من دمشق، أي من منطقة مختلفة بسوريا. ومقارنة بما سمعنا عنه وما رأيناه فيما بعد، تبقى تجربتي ليست كبيرة. أنا كان عمري واحد وعشرين سنة عندما اعتقلت، وكنت متهمة بقلب الدستور بالعنف. هذه التهم الجاهزة التي وضعت للمعتقلين. “قلب الدستور بالعنف والاعتداء على ضابط شرطة”. إنها تهم خيالية.
ريم ياسين – صحافية