انعكاس الخلافات الخارجية على الانتخابات اللبنانية

انعكاس الخلافات الخارجية على الانتخابات اللبنانية

أحمد مطر

يمر لبنان حالياً بمرحلة ترقب، بانتظار أحداث ثلاثة، فالواقع اللبناني سيشهد مراوحة فَرضتها استحقاقات ثلاثة ستؤثر نتائجها في مرحلة الصيف المقبل، والتي ستكون حامية من دون شك.

الحدث الأول يتعلق بالاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الاميركية وإيران، والذي طال انتظاره رغم اعتراف أطرافه جميعاً بأنه أصبح منجزاً باستثناء عقدة رفع العقوبات عن الحرس الثوري.

والثاني يتعلق بنتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية نظراً للدور الفرنسي الاساسي في ترتيب التسويات المطروحة حول المرحلة المقبلة في لبنان.

أما الحدث الثالث فهو مرتبط بطبيعة الحال بالنتائج التي ستنتجها الانتخابات النيابية اللبنانية، خصوصاً بعد العودة السعودية في هذا التوقيت بالذات الى الملعب اللبناني. فعلى مستوى الاتفاق النووي ما تزال الاوساط المعنية ترى في التعقيدات التي ظهرت حول استثناء فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني من عملية رفع العقوبات الاميركية بأنها تأتي في إطار اختطاف نقاط قبل توقيع الاتفاق، في الوقت الذي تقرأ فيه إيران هذه الخطوة بمثابة الفخ الذي سيعني إقرار إيران بأن فيلق القدس هو مجموعة إرهابية في حال موافقتها على الاتفاق من دون رفع العقوبات عنه.

وعلى الرغم من تمترس كل طرف في موقعه من دون إظهار نيته بإمكانية التراجع الى الوراء، إلا أن الأوساط المطلعة لا ترى بديلا عن تنازلات متبادلة لا بد أن تحصل. ذلك أن واشنطن تريد هذا الاتفاق وتعتبره إنجازا قبل الانطلاق في ورشة إعادة رسم الخارطة السياسية في الشرق الاوسط، والتي باتت اكثر إلحاحاً بعد تطورات الحرب الدائرة في أوكرانيا والحاجة المستقبلية لنفط الشرق الاوسط.

وتبدو الورشة السياسية في الشرق الاوسط ناشطة تحضيراً للمرحلة المقبلة. ومن البديهي الاعتقاد بأن التعاون في مجال الطاقة يتطلب شرطاً أساسياً وهو أن يكون للاطراف مصالح سياسية مشتركة. والواضح أن واشنطن التي تعمل على استنزاف روسيا وإشغالها من خلال تأمين مساعدات عسكرية للجيش الأوكراني، تريد توظيف هذا الوضع لصالحها، لا سيما أن روسيا لاعب أساسي في الشرق الأوسط ومن خلال الساحة السورية. وتكفي الإشارة إلى الغارة الجوية الإسرائيلية على وسط سوريا للمرة الثانية منذ بدء حرب أوكرانيا. 

وفي المقابل، فإن لإيران مصلحة كبرى في العودة إلى الاتفاق النووي، لأنه سيسمح لها باستعادة الارصدة المالية الضخمة المجمّدة في الخارج، والتي تحتاجها الأسواق الإيرانية بشدة، إضافة إلى أن ارتفاع أسعار النفط الناجِم عن الحرب في أوكرانيا، سيمنح إيران إيرادات مالية كبيرة هي بأمس الحاجة إليها.

 أما على صعيد الانتخابات الفرنسية فبدت الأمور أكثر ضبابية، بعد أن كانت استطلاعات الرأي تشير إلى فوز سهل لإيمانويل ماكرون وذلك قبل أسابيع معدودة. 

وفي حال حدوث ما هو غير محسوب، فإن حظ لبنان العاثِر سيعود من جديد، وسيتبدل تماماً المشروع الذي تتولى فرنسا رعايته في لبنان، بالتفاهم مع الولايات المتحدة الاميركية، وبالتنسيق مع حزب الله وإيران من خلال السفيرة الأمريكية في بيروت. هذا البرنامج الذي يلحظ مؤتمراً لرعاية التسوية في لبنان، والتي ستتضمن تعديلات دستورية لا تمس جوهر اتفاق الطائف، بل تقتصر على تصحيح الأخطاء التي ظهرت من خلال ممارسة خلال المرحلة الماضية، كمثل استحداث فقرة دستورية تنص على إمهال الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة ثلاثة أشهر قبل أن تسحب منه مهمة التكليف، وإلزام رئيس الجمهورية أيضا بمهلة زمنية لدعوة النواب لتسمية مرشحهم لتشكيل الحكومة. 

تبقى محطة الانتخابات النيابية اللبنانية مع عودة السفير السعودي. ولا شك أن لتوقيت عودته علاقة بالاستحقاق النيابي، في الواقع، فسرت الكثير من الأطراف عودة السفيرالسعودي على أنها بمثابةِ تدخل في الشؤون الانتخابية، إلا أن ما تبين هو أن الأمر أبعد من ذلك بكثير. 

وهنا، فإن المراجع الدبلوماسية والسياسية تتحدث عن دور سعودي كبير لمنع انهيار الدولة في لبنان، وهو الأمر الذي تقول المصادر عنه أنه جرى الاتفاق عليه بين الفرنسيين والأميركيين ودول الخليج، لكن هذه العودة تحمل أبعاداً اخرى، منها ما يتعلق بالمؤتمر المزمع عقده في باريس، وأيضاً حزمة المساعدات الاقتصادية التي ينتظرها لبنان لمواكبة خطة صندوق النقد الدولي الاصلاحية، والتي تتضمن اعادة بناء الادارة الرسمية اللبنانية المدمرة. وسيتولى صندوق النقد ما يشبه دور الوصاية الدولية لصالح الأمم المتحدة في مواكبة لبنان في مرحلة إعادة رسم الخارطة السياسية فيه بموازاة إعادة رسم الخارطة السياسية للشرق الأوسط. لكن لبنان لن يكون ثمناً لتسويات المنطقة كما يروج البعض، بغض النظرعن حصول الاتفاق النووي أو عدم حصوله، ويمكن إدراج زيارة البابا في هذا الإطار أيضاً. 

ختاماً، سيكون مطلوباً انتظار بعض الوقت لتلمّس الاتجاه الإيراني، فهل تجد طهران مصلحة في إبرام الصفقة مع السعوديين قبل اتفاق فيينا، أم تفضل مساومة واشنطن عليها، وإبقاء الورقة صالحة للاستخدام في المواجهات الإقليمية.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني