مارلين مونرو اليسارية
رضا الأعرجي
لم تتحدث صناعة الترفيه الأمريكية عن حياة مارلين مونرو السياسية التي قربتها من كوبا في عهد كاسترو، والصين في عهد ماو، والاتحاد السوفييتي في عهد خروشوف.
سأل صحفيٌّ آرثر ميلر ذات مرة: هل تعتبر علاقتك بمارلين طبيعية؟
كانت هذه هي الصيغة الأكثر تهذيباً لسؤاله عن علاقة أحد أهم كُتّاب المسرح في أمريكا بامرأة صوّرتها وسائل الإعلام على أنها قطة هوليوودية شقراء غبية.
رداً على ذلك، قدّم ميلر زواجهما على أنه تحوّلٌ في مسرحيته “موت بائع متجول”: توحيد عالمين متناقضين ظاهرياً، يقعان في طرفي نقيض من المجتمع ثقافياً، لكنه يجمعهما عنصرٌ مأساويٌّ مشترك.
كان ميلر من القلائل الذين بدوا مدركين للجانب السياسي الكامن وراء صورة مارلين الساحرة: وُلدت عام 1926 وكانت واحدة من آلاف الأطفال الذين عانوا من انهيار الحلم الأمريكي في سنواتهم الأولى مع انهيار سوق الأسهم عام 1929 والكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. بعيداً عن والدتها، التي عانت من مشاكل نفسية، نشأت في عائلات غريبة، لم تتمكن من الاستقرار إلا في واحدة منها – عائلة بولاندر. كان زوج أمها ساعي بريد في أحد أفقر أحياء السود، في حي واتس بلوس أنجلس. وهناك، تعلمت مارلين أن الفقر والطبقات الاجتماعية لا لون لهما.
في أوائل أدوارها السينمائية، مثل فيلم “كل شئ عن حواء All About Eve 1950″ لجوزيف ل. مانكيفيتش، شعر المنتجون بالغضب عندما رأوها في الاستوديو أثناء التصوير تقرأ السيرة الذاتية للينكولن ستيفنز، الكاتب الاشتراكي الذي يعتبر أحد آباء الصحافة الاستقصائية، والذي قال بعد سفره إلى الاتحاد السوفييتي عبارة اشتهرت وقتها “لقد رأيت المستقبل وهو ممكن“.
وفي فيلم “صراع الليل Clash by Night 1952 ” للمخرج الشهير فريتز لانغ، بدأت بالفعل في اتباع مسارات سياسية، حيث جسّدت دور طبقتها الاجتماعية: عاملة تطالب بمكانتها في مجتمع أبوي متشدد.

أرادت مونرو أيضاً السفر إلى الاتحاد السوفيتي، مما جعلها تحت أنظار مكتب التحقيقات الفيدرالي منذ عام ١٩٥٥. وفي مطلع الستينيات، تأكدت مخاوف المكتب عندما سافرت إلى المكسيك لمقابلة فريدريك فاندربيلت فيلد، المفكر والناشط الشيوعي البارز الذي نفى نفسه في المكسيك هرباً من حملة مطاردة الساحرات التي شنها السيناتور مكارثي.
فيلد، حفيد بارون السكك الحديد كورنيليوس فاندربيلت، اختلف مع عائلته للدفاع عن أفكاره، مما كلفه ميراثًا قدره 70 مليون دولار، أي ما يزيد عن مليار دولار بأسعار اليوم. وتفيد مصادر صحفية أنه ذكر في مذكراته أن مونرو “تحدثت بحماس عن حقوق الإنسان وحقوق السود، معربةً في الوقت نفسه عن إعجابها بما يحدث في الصين.
كرهت مارلين حملات مطاردة الشيوعيين، لكن كرهها لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ج. إدغار هوفر كان أشد”. بعد بضعة عقود، كشفت الصحافة أنها دعمت كوبا بقيادة فيدل كاسترو، الرجل الذي كانت عائلة كينيدي تسعى للقضاء عليه.
بلغ تسييس مارلين مونرو أوجه مع آرثر ميلر، الذي تزوجته عندما أصبح هدفاً للجنة الأنشطة المعادية لأمريكا التي قادها السيناتور مكارثي. احتجاجاً على موقف صديقه الشخصي، المخرج إيليا كازان، الذي وشى بثمانية من رفاقه باعتبارهم أعضاء في الحزب الشيوعي، سافر ميلر إلى سالم (ولاية ماساتشوستس) وهناك اقتبس فكرة مسرحيته “البوتقة” من حكاية خيالية لمحاكمات السحرة جرت في هذه المدينة من عام 1692 إلى عام 1693.
كتب ميلر المسرحية كتعبير رمزي للمكارثية، عندما اضطهدت الحكومة الأمريكية الأشخاص المتهمين بأنهم شيوعيين. هذه الاستعارة أوصلته أخيراً إلى مقعد اللجنة. لكن على عكس كازان، خرج من الاستجواب مرفوع الرأس. قال: لم أكن أعتقد، ولن أعتقد، أنه يجب أن تكون مُبلغاً لتتمكن من العمل في الولايات المتحدة“.
طوال هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر، كانت مارلين مونرو دائماً إلى جانب ميلر، مع أنها كانت تعلم أن موقفها هذا قد يُدمر مسيرتها المهنية.
من الواضح، أن مارلين مونرو لم تُغيّر مسار اليسار بفكرها وموقفها. كانت شخصيتها الفنية ساذجة، وتُعيد إنتاج المعايير الأبوية السائدة آنذاك، ولم تستغل شهرتها للصراع مع المؤسسة السياسية. مع ذلك، ظلت وفية لأفكارها.
بعد مضي عقود طويلة على وفاتها، لا تزال وسائل الإعلام تُعاملها “كدبٍّ في سيرك”، كما وصفها آرثر ميلر. أما مُنتجو فيلم “شقراء Blonde 2022″ الذي عرض على نتفليكس، فذهبوا بعيداً حيث لم يُخفوا كل أثرٍ لمسيرتها السياسية فحسب، بل طمسوا أنشطتها التجارية وشركة الإنتاج التي أسستها. وكانت النتيجة تقديم صورة امرأةٍ عاجزةٍ تُقاد وتُعامل وتُغتصب من قِبَل رجالٍ مختلفين. وقد وصفوا هذه النتيجة بأنها “نظرةٌ نسوية” على حياة مارلين مونرو.
