يوم المرأة العالمي.. كل يوم أنتِ حبيبتي

يوم المرأة العالمي.. كل يوم أنتِ حبيبتي

 محمود القيسي

*إهداء إلى كل امرأة مناضلة

من أجل الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية..

في يومها العالمي وكل يوم.

“كما ينبت العشب بين مفاصل صخرهْ

وُجدنا غريبين يوما

وكانت سماء الربيع تؤلف نجمًا.. ونجما

وكنت أؤلف فقرة حب..

لعينيكِ… غنيتها!

أتعلمُ عيناكِ أني انتظرت طويلا

كما انتظرَ الصيفَ طائرْ

ونمتُ… كنوم المهاجرْ

فعينٌ تنام, لتصحوَ عين.. طويلا

وتبكي علي أختها,

حبيبان نحن, إلى أن ينام القمر…”

   إن مسألة اضطهاد المرأة وتحررها أثارها قسم من الاشتراكيين الطوباويين في القرن التاسع عشر. فبينما كان برودون Proudhon يعارض بقوة عمل المرأة، فإن سان سيمون  Saint Simon تجنب الخوض في المسألة ولم يعرها أهمية، لكن بالمقابل فإن عمل فورييه Fourier كان متأثرًا بالفكرة التي تعتبر “القاعدة العامة هي أن التقدم الاجتماعي وتغير المراحل يحدث بسبب تقدم المرأة نحو حريتها”.

  هذا الرأي حول تحرر المرأة يعتبر كمؤشر إلى التحرر الكامل الشامل وهذا ما استعاده ماركس Marx بشكل مختلف نوعاً ما في كتاباته الأولى: “العلاقة (بين المرأة والرجل) تظهر اذن بطريقة محسومة، الاختزال إلى وأقع ملموس في النطاق الإنساني، فالجوهر الإنساني أصبح الطبيعة والنطاق الذي فيه أصبحت الطبيعة هي الجوهر الإنساني للإنسان.. فالعلاقة بين الرجل والمرأة اذن هي العلاقة الأكثر طبيعية بين الإنسان والإنسان”.

   وسط مناخ زاخر بالإبداع اتسمت به فترة ما بين الحربين العالميتين، تُعد مقالة “غرفة تخص المرأة وحدها “A Room of One,s Own” لفيرجينيا وولف Virginia Wolf معلمًا بارزًا في تاريخ الفكر النسوي، وتحفة فنية خطابية ظهرت للعلن في سلسلة من المحاضرات ألقيت على الدوائر الأدبية في جامعة كمبريدج، في أكتوبر عام 1928، أصبحت المقالة بمثابة تأكيد شغوف وغير قابل للنسيان، من واحدة من أعظم كتاب القرن العشرين، على أصالة النشاط الإبداعي للنساء. والمفارقة أن وولف نفسها لم تستحسن مصطلح “نسوية“.

   على الرغم من كون “غرفة تخص المرأة وحدها” مكتوبة بانفعال شديد، إلا أن بعضًا مما تحتويه أيضًا طريف للغاية: “تذكرت السيد العجوز… الذي أعلن أنه من المستحيل على أي امرأة، سالفة كانت، أو معاصرة، أو ستأتي، أن تكون بعبقرية شكسبير. كتب ذلك في الصحف… لا تستطيع المرأة أن تكتب مسرحيات ويليام شكسبير”.

   وانطلاقًا من هذه النقطة، تصبح شخصية “جوديث شكسبير” شخصية متخيلة جدلية أخرى، فلقد اضطرت، مثل وولف، أن تبقي في البيت، تشاهد شقيقها يذهب إلى المدرسة، في حين أصبحت حبيسة الحياة المنزلية: “كانت على نفس القدر من حب المغامرة والتخيل والفضول لترى العالم مثله. إلا أنهم لم يرسلوها للمدرسة”. وفي نهاية المطاف، تدفع العائلة بجوديث إلى زواج مصلحة خوفًا من العار. يشق أخوها طريقه ليستكشف العالم، بينما تظل جوديث قابعة في المنزل، وتُهدر عبقريتها.

   وبمجرد اختراع وولف لشخصية جوديث شكسبير، أخت الشاعر التي تقتُل نفسها في نهاية المطاف، يصبح بوسعها أن تشرع في مراجعة الحياة الإبداعية لأسلافها العظماء.. تستعرض وولف أيضا الحياة الشخصية والمهنية لكاتبات نساء مثل “أفرا بين” Aphra Behn “يتعين على كل النساء أن يغمرن قبر أفرا بين بالورود.. فهي التي أكسبتهن الحق في التعبير عن آرائهن بصراحة، كما وصفتها في روايتها “غرفة لي وحدي” بأنها أول امرأة اكتسبت قوت يومها من الكتابة بأسلوب مليء بالمتعة والحيوية والجرأة.. ثم في بضع صفحات توديعية ـ وهي صفحات تعج بالحجج الأكثر قوة حول أهمية التعليم الجامعي بالنسبة للنساء ــ تُنجز وولف المهمة، فتختتم المقالة وهي تدعم الروح الأساسية للمخاطرة والحرية والشجاعة.

   وتستطرد قائلة: “وذلك لأنني اعتقد أننا لو عشنا قرنًا آخر أو ما يقارب القرن – إذا أعتدنا الحرية والشجاعة لنكتب ما يدور في خاطرنا بالضبط: إذا ابتعدنا قليلًا عن غرفة الجلوس المعتادة ونظرنا للبشر ليس في علاقتهم ببعضهم وإنما في علاقتهم بالواقع؛ في علاقتهم بالسماء كذلك؛ في علاقتهم بالأشجار؛ أو أيًا ما كان في أنفسهم؛ أو نظرنا أبعد من “شبح ميلتون”، لأنه لا يحق لأي انسان أن يحجب عنا رؤية المشهد الأكبر؛ إذا واجهنا الحقيقة -لكونها حقيقة – أنه لا توجد ذراع نتكئ عليها، أننا نمضي وحدنا، وأن علاقتنا الحقيقية مع عالم الواقع، وليست مقتصرة على عالم الرجال والنساء، عندها ستسنح الفرصة لأن ترتدي الشاعرة الميتة، شقيقة شكسبير، جسدها الذي طالما واراه التراب“.

   لم تعد المساواة بين الرجل والمراة أمام القانون تكفي، فالمساواة أمام القانون ليست هي المساواة أمام الحياة.. الأمر لم يعد يتعلق بتعديل “الظروف النسائية” بقدر ما يتعلق بخلق نمط جديد من النساء، و”التحويل بأخلاقية المرأة، بنيتها الداخلية الروحية والعاطفية”.. بالنسبة لكولونتي Alexandra Kollontai، هذه المرأة الجديدة تتميز جوهرياً بإرادتها للنضال من أجل الحياة، ومن أجل تأكيد ذاتها. هذه هي الثورة “ضد الشروط الاقتصادية، وضد الشروط السياسية، وضد القوانين والأخلاق الجنسية وضد القيود الغرامية” هذه المرأة، ترى بأن “الطريق حر كالريح وحيدة كعشبة الفيفاء”، وبها فقط. وان هناك حدوداً للتكيف مع رغبات (الآخر)، وميوله..

   في كتابها الفلسفي الجدلي (الجنس الآخر) تناقش سيمون دي بوفوار Simone de Beauvoir نشاة الحركات النسوية الغربية، في تحليل مفصل حول تاريخ اضطهاد المراة التي عاشت طويلا في ظل السلطة “الأبوية” أو ك ما يُعرف بالبطرياركية، ويناقش الكتاب الذي صدر لاول مرة بالفرنسية عام 1949 واعتبِر العمل الرئيس للفلسفة النسوية ومحركا لانطلاق الموجة الثانية من النسوية سؤالين مركزيين: كيف وصل الحال بالمراة الى ما هو عليه اليوم بان تكون “الآخر” ولماذا لم تتعاون النساء وتعمل جنبا الى جنب لمواجهة الواقع الذكوري الذي فرض عليهم متتبعة الاسباب المانعة لذلك محاوِلة من خلال هذيْن السؤالين الوصول بالمراة الى الحصول على حرياتها المسلوبة في المجتمع الذكوري الذي تعيش فيه.

   يناقش كتاب “الجنس الآخر” الجدلية التي اثيرت حول ماهية المراة والرجل فالرجل يعتبر جسمه مستقلّا يتصل مع العالم اتصالا حرًا خاضعًا لإرادته اما جسم المراة فهو حافل بالقيود فالمراة بمفهومها هي “أنثى” والرجل “ذكر” كما يتطرق إلى أسئلة مثل: من الذي سمح للرجل ان يترفع بأصله الذكوري؟ ومن الذي حدد جنس المراة كجنس دنيوي وهما جنسان من أصل واحد؟ ولماذا صنع الرجال تاريخ المراة وامسكوا بمصيرها ولم يقروا بمصلحتها بل أخذوا اهدافهم ومخاوفهم وحاجاتهم؟

   وقد تطرق الكتاب الى نقاط مهمة منها ان المراة لا تؤمن بتحريرها فهي ترى حريتها ضمن نطاق منزلها وتلك انموذج للمراة الراضخة للواقع والتي تجد في معنى الحرية الفضفاض “انحلالًا اخلاقيّا” وعلى النقيض تماما فهناك نساء تمردن على عادات المجتمع وقيوده ويجدن في الحرية منطلقا لتحقيق رغباتهن واحلامهن فالحرية بمعناها الواسع “حرية الفكر والتعبير والحياة”. أن الخلاص بالنسبة للمرأة لا يبدأ إلا من هنا، من اللحظة التي يبدأ النضال ضد الاستغلال المنزلي وذوبانه كاملًا في الاقتصاد السياسي “الثوري” والمساواة في الحقوق والواجبات.. وانتشال المراة من عبودية الخدمة والعمل المنزلي الاسترقاقي غير المنتج والبذئ. وتحريرها من الطابور اليومي الموحش، والمهين والمحصور بغرفة النوم.. والمطبخ.

  أما النقطة الثانية التي ناقشها الكتاب فهي “إذا ما حررنا المرأة فاننا نحرر الرجل ولكنه يخشى ذلك” فهل يخشى الرجل من حرية المرأة ام من تفوقها عليه؟ وهو الذي كان بطبيعته مسيطرًا على انسان ضعيف اسمه “امرأة”؟ ويذهب الكتاب الى ان الرجل ايضا مسلوب الارادة في مجتمعه بسبب الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمارس عليه صنوف القمع ولا يشعر بالحرية لذلك يتجه إلى السيطرة على المرأة الضعيفة لضعفه امام السلطة الأعلى منه وما دام الرجل خاضعا لسلطة عليا غير قادر على التحرر منها فبالتالي لن يتحرر ولن تتحرر المراة الخاضعة لسلطته وهذا ما يجعل الرجل يعتبر المرأة هي “الآخر” غير معترف بانها كيان منفصل عنه وهي لا تستطيع الاستغناء عنه لحاجتها له وينسى حقيقة إنه ايضا لا يمكن له الاستغناء عن المراة فحاجته لها أكثر من حاجتها إليه.

  ويرى الكتاب أن تكرار الظلم بدائرة مغلقة ومستمرة يشعر المراة بانها لم تحقق شيئًا لذاتها أمام حياتها التي قدمتها للآخرين، ولذلك يقدم الكتاب تصورًا لحصول المرأة على حريتها ويكون ذلك من خلال عمل المرأة وحصولها على استقلالها المادي الذي يجعلها مكتفية بذاتها دون حاجتها للآخرين، وبالتالي يتيح لها مجالًا أكبر للالتفات لحقوقها الاجتماعية كالطلاق وحضانة الطفل والاجهاض وحقوقها السياسية كالانتخاب والعمل أو حتى حقها في أن يكون الرجل في حياتها (خيارًا لا شرطًا)، فتعيش حياتها كاملة دون الاقتران برجل. وهذا التصور الأخير لحق المراة في اختيار عدم الاقتران برجل والزواج منه أو الخضوع له حقا طبيعيا من حقوقها يجب أن تضمنه قوانين الارض.. وقوانين السماء!

“صديقان نحن, فسيرى بقربيَ كفاً بكف

معاً, نصنع الخبز والأغنيات

لماذا نسائل هذا الطريق.. لأي مصير

يسير بنا؟

ومن أين لملم أقدامنا؟

فحسبي, وحسبك أنا نسير..

معاً, للأبد

لماذا نفتش عن أُغنيات البكاء

بديوان شعر قديم؟

ونسأل: يا حبنا! هل تدوم؟..

كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة

وجدنا غربيين يوماً

ونبقى رفيقين دوماً

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

محمود القيسي

كاتب لبناني