هل الحكم الذاتي مدخل للحل أم عقيدة تتجاوز الدبلوماسية؟

هل الحكم الذاتي مدخل للحل أم عقيدة تتجاوز الدبلوماسية؟

مصطفى المنوزي

 أوجه رسالة واضحة للجميع: إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”. فقرة من خطاب محمد السادس .

هل يمكن اعتبار حدة العبارة سالفه مؤشرا يؤكد عزم المغرب الانتقال من سياسة خارجية تستند لدبلوماسية كلاسيكية إلى استراتيجية سيادية تعتمد على مقاربة ندية بمثابة عقيدة أمنية ، بسرعة مختلفة وأعلى ؟

 إذا كان الراحل الحسن الثاني قد ربط القضية الصحراوية ومشروعية مغربيتها بمصير العرش مما جعله يعاني من مزايدات داخلية، وابتزاز خارجي، وجعل منها وسيلة لتقوية الجبهة الداخلية وقاعدته الإجتماعية؛ فإن محمد السادس رهن القضية بمصير الوطن وتقدمه البشري، اشتراطا واقترانا مع دور المغرب كضامن للاستقرار والأمن والسلام في المنطقة، وهو ما بوء المغرب ترشيحا نحو مركز الندية والتنافسية جيوستراتيجيا، ولعل اعتماد مقترح الحكم الذاتي كان حاسما بربطه بالجهوية كمدخل للتخلص من نزعة اليعقوبية، عززه موقف بعض الدول وعلى الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية، ضمن مقاربة جديدة   استحضرت فيها مطامحها لولوج القارة الإفريقية برغبة الحلول محل فرنسا والتي فقدت مكانتها التقليدية كمستعمرة سابقة رخوة ومترهلة، وهي الدولة المقصودة في العبارة محل الخطاب سالفه، ولربما كانت قصدية الملك التنبيه بأن المقاربة إختلفت وتطورت، وإن كانت تتبنى حاليا نفس نوايا الراحل محمد الخامس الذي “تنازل عن عرشه مقابل الاستقلال”،  وهو نفس الشعور الوطني النبيل الذي انتاب الحركة الوطنية ورفضت مقترح فرنسا الرامي إلى تمكينها من الاستقلال مقابل التخلي عن دعم الملك (الذي لم يعد مجرد  حفيد السلطان الموقع على عقد الحماية)، وهي تضحية متبادلة تغيرت مقتضياتها خلال سنوات الرصاص. وقد لوحظ أن الخطاب الملكي قد استعاد هذه السردية وذكر بها  من يعنيه الأمر، وإن كنا نتميز في مقاربتنا لطريقة تدبير ملف قضية الصحراء، فإنه كان حريا، وفق مقاربتنا التي تربط عدالة الانتقال بأزمة العلاقة مع الجوار وفلول الاستعمار، في سياق ربط حقوق الأوطان بحقوق الإنسان، ربطا جدليا وعضويا؛ كان حريا بالخطاب الملكي اعتماد احتفاء  المغاربيين التضامني بالذكرى الثانية لنفي محمد الخامس، والتي جسدتها معارك المقاومة على صعيد المغرب الكبير من سكيكدة وقسطنطينة بالجزائر الشقيقة إلى واد زم وخريبكة وخنيفرة بالمغرب، وذلك يوم 20 غشت 1955، وهي وقائع اعتبرها محمد الخامس ومعه الحركة الوطنية والمقاومة المغربية دينا يثير مسؤولية التضامن ودعم الثورة الجزائرية،  وفعلا ظل التضامن والتآزر بين الشعبين إلى أن حصل القطر الجزائري على استقلاله، تسلم بمقتضاه الجزائريون أرضهم وأرض غيرهم، بما فيها جزء من الصحراء الشرقية المسماة “تين ضوف”، أي منطقة النظر بالأمازيغية، والتي ضمها الاستعمار، كمقاطعة فرنسية تابعة، إلى جمهوريته التوسعية، وهي النزعة التي ورثتها جزائر ما بعد انقلاب الهواري بومدين على رئيسه أحمد بنبلة، مما دفع الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إعتبار  الجزائر دون أصل أو منشأ تاريخي، وهو ما نرفضه كمغاربيين وطنيين، رفضا باتا، لأن  الجزائريين والجزائريات شعب شقيق حقا، بمكونات متعددة الثقافات والأصول، شعب له جغرافية وديمغرافية وتاريخ وهوية جدلية، بغض النظر عن حجم الإقليم أو رقعة التراب. من هنا فإن التنبيه الملكي في محله، غير أنه لا مناص من التذكير بأن أية مصالحة (مع الجوار أو الاستعمار) لن تتم على حساب قضيتنا الوطنية، فهي خط أحمر لا يسمح بتجاوزه، وعلى الدولة أن تستفيد من مناورات وأعطاب الماضي، وأن تزاوج بين تحرير التراب وحرية الإنسان، وتستعد حقيقة لتشييد بنيات استقبال العائدين إلى الوطن بجميع أقاليمه، من بين الصحراويين، والذين ينبغي تهييء البيئة لإعادة إدماجهم ضمن ديمغرافية صحراويي الأقاليم  الجنوبية ووفق دينامية مقترح الحكم الذاتي، والذي حان الوقت إلى أن  يتحول من مجرد ورقة ومدخل للعملية السياسية إلى أمر واقع يجسد الحل الديمقراطي للقضية، بعد عقود من التردد والاستنزاف، ويستجيب لمطلب طي صفحة الماضي طيا عادلا ومنصفا، ويجبر  الأضرار الفردية والترابية،  قبل جبر خواطر “حلفاء” المغرب التقليديين، على رأسهم  فرنسا والتي لا تعتبر الجزائر سوى مقاطعة / أوربيبة تابعة وورقة لمساومة روسيا والصين وفلول المشرق الاشتراكي الموؤود، في حين تشترط تعاونها مع المغرب في إطار شرط  العمالة لها باسم الاستثمار تارة أو باسم الخبرة الأمنية والاستشارة السياسية تارات أخرى. والآن وبعد اكتساب المغرب للنظارة ووضوح الرؤية، هل يتعض رأسماليونا الوسطاء ويتحرروا من التبعية والحمائية غير المنتجة لأي حداثة سياسية أو ليبرالية اقتصادية مستقلة عن المتروبول العجوز، ولكي تسترجع الطبقة الوسطى مكانتها باعتبارها المؤهلة لإنجاز اللحظة الديمقراطية باستكمال شروط اللحظة الوطنية التحررية والتنموية؟

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

مصطفى المنوزي

حقوقي مغربي