هل يصبح خلع الحجاب رمزا سياسيا ضد القمع؟

هل يصبح خلع الحجاب رمزا سياسيا ضد القمع؟

 د.جمال القرى

أصبح فرض ارتداء الحجاب القسري للنساء منذ اندلاع الثورة الدينية الإيرانية في العام 1979، أحد الرموز المؤسِّسة لإيديولوجية نظام آيات الله الاستبدادي، أو بمعنى آخر، أحد رموز سلطة الإله الاستبدادي الموجّه تحديداً ضد النساء. وفي مكانٍ ما، تصبح مسألة تقويض هذا الرمز عبر خلع النساء الإيرانيات لهذا الحجاب، أو رفض قسريته، بمثابة إعلان موتٍ لذلك الإله الاستبدادي. فهل يمكن لتحرير النساء من أن يكون بدايةً لتحرير المجتمع الإيراني؟ وهل يمكن اعتبار انتفاضتهن نضالاً نسوياً خالصاً، أو كجزءٍ من حركةٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ وثقافيةٍ في مسار الانتفاضات العديدة السابقة التي حملت شعارات سياسية واقتصادية؟ وما علاقة التشدّد بشأن وضع وشكل الحجاب بوصول إبراهيم رئيسي إلى سدّة الرئاسة وتكثيف نشاط شرطة الأخلاق واستحضار نظام التعرّف على الوجه من الصين للقبض على النساء المخلّات بارتداء الحجاب وتعريضهن للإساءة اللفظية والجسدية؟ في كل الأحوال، لا يمكن فصل قضية تحرير النساء عن المسار التحرّري العام للبلاد، بل هو لِبنة أساسية فيه، يستتبع توسّعها، وترتهن استمراريتها بمشاركة فئاتٍ واسعةٍ من كافة أبناء المجتمع إناثاً وذكوراً لتتكامل معها كل قضايا التحرّر الاجتماعي والثقافي والسياسي.  

وفي هذا الإطار، يُسجّل للنساء الإيرانيات أنها ليست المرة الأولى التي تتظاهرن فيها رفضاً لإلزامية ارتداء الحجاب، فقد احتجّت عشرات الآلاف منهن في شوارع طهران في اليوم العالمي للمرأة في العام 1979 غداة الثورة رفضاً للأمر، ولكنهن قُمعن. وردّت حينها الحكومة بأن خفّفت بعض القيود ووعدت بعدم إلزامية ارتداء الحجاب، ما جعل الاحتجاجات تتلاشى. لكن بعد سنوات قليلة، صدر قانون يقضي بالعقوبة الجسدية للنساء اللواتي يظهرن في العلن بشكل غير لائق، كما حُرمن من التعليم وبعض الوظائف ووسائل الترفيه. وبحلول التسعينيات من القرن الماضي، تحوّلت النساء في إيران إلى فئة مهمّشة، وأصبحت قواعد اللباس الديني الصارمة، رمزاً لاستعبادهن واستبعادهن من الأماكن العامة.

وخلال العقدين التاليين، تغيّر الوضع وتراجعت قيم الثورة لدى فئاتٍ واسعةٍ من الشباب نتيجة انتشار التعليم العالي، والسفر إلى الخارج وانتشار القنوات الفضائية أولاً، ثم الإنترنت ثانياً. وباتت النساء من الأجيال الجديدة، ترتدين أوشحة براقة بالكاد تغطي شعرهن، وملابس مفتوحة في الصيف، وسراويل ضيقة في الشتاء.

ولكن ما يميّز انتفاضة النساء اليوم، هو مشاركة الذكور فيها والطلاب والتلاميذ من الفئات العمرية الشبابية الرافضين للقيم البطريركية والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعية والمنفتحين من خلالها على الثقافات الأخرى والرافعين لشعار “المرأة، الحياة، الحرية”. لقد مرّت ثلاثة وأربعون عاماً بين الانتفاضتين النسائيتين، تعرّضت فيها النساء إلى كل أنواع الإجحاف والإذلال، وكأن بالجيل النسوي الجديد ينتقم لسوء معاملة أمهاتهن. فهل يخشى النظام إن أذعن أو استرخى أمام هذه الانتفاضة من أن تتخطّى المطالب رفض إلزامية الحجاب إلى مطالب أخرى تخلخل الأسس التي تقوم شرعيته عليها.

فهل تشكّل انتفاضة النساء هذه نقطة ضعف لها أو هي عنصر قوة؟ لا بد أنها عنصر قوة، إذ تقوم على فكرة الحياة برمزية المرأة مقابل فكرة الموت البطريركية التي استحوذت وما زالت على كافة الشعارات منذ اندلاع الثورة الإيرانية. فمن أين أتت كل هذه الشجاعة لدى النساء والصبايا الإيرانيات من مختلف المشارب الإتنية، هل من فئتهم العمرية التي لا تهاب أي شيء، أو من رفض كل ما هو قائم ولو كان ثمنه الحياة نفسها؟ وهل تشكل هذه الانتفاضة صحوة جديدة ما قبل الثورة الآتية ما إن تجتمع فيها كل العناصر الضرورية لاندلاعها والتي شكّلت كل الانتفاضات السابقة مساراً في سيرورتها؟ وهل ستنضمّ النخبة الإيرانية والمثقفين إليها والعمال والموظفين؟ وإلى أي مدى سوف يستطيع النظام الصمود أمام توّسع هذه الاحتجاجات التي توسّع الهوّة بين المرشد والرئيس من ناحية وبين سائر الشعب من ناحية أخرى، وأمام تردّي الوضع الاقتصادي والمعيشي ما لم يستخدم فرط القوة القمعية والقتل وقطع شبكات الاتصال  مع الخارج؟ وهل سيؤدي الصراع على خلافة خامنئي إلى نقله إلى الشارع ويؤجّج الاحتجاجات وتوسعة المطالب ورفض كل ما هو قائم ما يضع إيديولوجية النظام على المحك؟

من الصعب التكهّن لما ستؤول إليه الأمور في إيران في ظل الاحتجاجات القائمة منذ ستة أسابيع، خصوصاً أن الواقع في إيران يختلف بأمورٍ كثيرة عنه في العالم العربي، ولكن ليس هناك من شك بأن استمرارية وتوسّع هذه الاحتجاجات سينعكس في كل المنطقة. فهل يصبح خلع الحجاب رمزاً سياسياً ضد القمع في كافة أشكاله؟ وهل يمكن القول أن هذا النوع من الاستبداد الذي يلبس ثوب القداسة والطهرانية والحتمية الدينية والمذهبية والدنيوية والآخروية إلى زوال؟

تحية للمرأة الإيرانية الذي سوف يحمل تحريرها مهما طال، تحريراً للمجتمع ولكل المجتمعات القريبة.

 

 

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. جمال القرى

طبيبة وكاتبة لبنانية