عندما أصبح لبنان موطن الانتحار

عندما أصبح لبنان موطن الانتحار

د. سيلفا بلوط

   تتبدّى خطورة الانتحار في المجتمع اللبناني في أنه تجاوز مسألة “الخطوط الحمراء” التي وضعها الدين، وتحوّل إلى وباء بدأت عدواه في الانتشار بين مواطن و آخر.

 ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن المجتمع اللبناني بات يشكّل “بيئة” حاضنة  للانتحار هيّأت لها أحوال معيشية كدِرة دفعت باللبناني، وخصوصاً رب الأسرة الذي اهتزّت مكانته في عائلته، إلى الشعور بالعجز، فوجد في الانتحار هروباً من سوء تقدير الذات الذي اجتاحه.  

عانى اللبناني ومازال الأمرّين، كما يقال، لسنوات طويلة من التهميش وعدم الانتماء، نتيجة استلاب عمدت إليه سلطة انتهكت كرامته بعد أن عزّزت  ثقافة الخنوع باسم الدين وحقوق الطائفة والانتصارات، وما إلى هنالك من “دعابات”!…

ولسنا هنا في صدد مقاربة الانتحار من زاوية سيكولوجية، لكن لا بدّ من الإشارة، بإيجاز، إلى أنه يتكوّن من فكرة وتنفيذ. تتمثل الأولى في  إمكانية اللجوء إليه كحلّ. أما بالنسبة إلى  التنفيذ، فيتعلّق بالقيام بقتل الذات. ويأتي الاستعداد النفسي للسوداوية والاكتئاب ليشكّل عاملاً أساسياً قد يدفع صاحبه إلى الانتحار.

وأيضاً إذا ما نظرنا إلى الانتحار، من منظور جندري، فمن الملاحظ أن نسبة الانتحار الناجح هي أعلى بكثير عند الرجال من النساء اللواتي يعمدن إلى “محاولات انتحار”، و ذلك لضمان احتمالية إنقاذهنّ من الموت. لذلك فإن الوسائل التي يتمّ اللجوء إليها تختلف بين الجنسين. يستخدم الرجال السلاح، أما النساء فيتناولن جرعات كبيرة من الأدوية.

وبالعودة إلى تناول الواقع اللبناني المثقَل بأزمات على المستويات كافة، الاقتصادي والسياسي والاجماعي و التربوي…، تظهر ثلاثة أسباب تتجلى  في الحرمان، وطائفية النظام السياسية، والالزاميات الإيديولوجية.

يمثّل الحرمان الشكل الأكثر تطرّفاً للعوز، فيلقي بصاحبه في شعور مريرٍ بالعار، يفقد معه كرامته ومن ثم إنسانيته. وفي هذه الحال، تجتاحه رغبة التخلص من الحياة، فيعمد إلى تصفيتها. إزاء هذا المعاش التعيس الذي أنجزته سلطة تعمّدت أذية شعبها، كان من الطبيعي أن تكون حياته “كبش محرقة” تعمد إلى  التضحية بها إنقاذاً لفسادها!…

وإذا ما تناولنا الالزاميات الإيديولوجية التي فرضتها أحزاب سياسية، وتمثّلت في وجوب تحمّل الأزمات الاقتصادية، بحجة مقاومة الحصار وصولاً إلى حماية لبنان وتحصين سيادته، فإنها تقصدت تدجين المواطن عبر إلهائه بقضايا  بعيدة عن وطنه وغريبة عن هويته، بعد أن أضعفت لديه المواطنية.  لذلك ابتعد عن المطالبة بأبسط حقوقه الحياتية، فسقط صريع الفقر والبطالة و الحرمان.

وأتت طائفية النظام السياسي لتحوّل لبنان إلى قالب من “الجبن”، كما يقال في مجالس السياسة، يتناتشه زعماء الطوائف الذي تاجروا بما يسمّى بحقوق الطائفة خدمة لمصالحهم الخاصة أو ملفات إقليمية، فقضوا على أي أمل لبناء دولة مدنية تسودها الديمقراطية الشفافة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.

وأما فيما يتعلق بمعالجة هذا الواقع النفسي الخطير، فتتبدّى إقامة جلسات العلاج النفسي المجانية في المناطق ضرورة. وهنا، لا بدّ من تضامن الوزارت، وخصوصاً الصحة والشؤون الاجتماعية والتربية.. وبالنسبة إلى معالجة الفساد المستشري الذي أنهك مؤسسات الدولة، لازال الطريق طويلاً لأنه يتطلب خلاصاً شبه مستحيل في ظل هذه السلطة!…

خلاصة القول، صحيح أنه لا يمكن إعفاء السلطة من مسؤولياتها، على مدى عقود من الزمن، في دفع مواطنها إلى الانتحار. لكن لا بدّ من الإشارة أن المواطن “تواطأ” ضد نفسه، عندما لم يسعَ إلى محاسبة من مارس السلطة وتسبّب له في العيش في واقع لم يدخل إنسانيته وكرامته في أي من حساباته.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. سيلفا بلوط

باحثة متخصصة في علم النفس