الحب من أمامنا والبحر من ورائنا

الحب من أمامنا والبحر من ورائنا

د. لطيفة حليم- مونتريال

 

(مقطع من عمل سردي)

    دِيمَة،  تذكِّرها بطفولتها وبلَذّة عِلْكَة بَازُوكا، التي لا تنتهي، إلّا مع إِغْماضِ عَيْنَيْها، لتفتحهما مع الهَزيع الأول من الليل، وقد هبَّت أُمها من مرقدها مُهَرْوِلة تقلِّب فمها، تخاف أن تمر العِلْكَة إلى البُلْعوم،  فتختنق ابنتها وتموت. استيقظت على لمسة أُمِّها تقلب العِلْكَة بِظفر سَبَّابة يدها اليمنى، المصبوغِ بلون الورد الذي يشبه لون بَازُوكَا.  عجبٌ لأمها التي لا تنام؟ بَدَتْ مُضطربة والنُّعاسُ يغلق جفنيها.. سألتها:

– هل ألْقَيْتِ بَازُوكا داخل القمامة؟

لا جواب.  لا علم لها بأنها أخفتها مُلْصَقة بخشب الأَرز، الذي يُعَطِّرُ مَرقد سريرها. اطمأنت، فعادت إلى النوم.

في الصباح التقطت العِلْكَة من تحت السَّرِير،  وانصرفت إلى المدرسة. لا شيء تَسْتَكِين له إلّا عِلْكَة بازوكا داخل فمها، تحركها لتصنع الفُقاعات،  وعندما  تفقد العِلْكَة حلاوتها وتصبح لينة لا قدرة لها على صنع الفقاعات، تصاب بحزن شديد.

وسط ساحة المدرسة تشاهد أخاها (أَمِين) يصنع من غلاف ورق بازوكا المُشَمَّع فُلْكًا، يلقيه وسط الساحة.. تلتقطه تدسه داخل محفظتها. يُقْرع الجرس.. تلتحق بحصة التاريخ… دخول المسلمين عربًا وأمازيغ الى جزيرة إيبيريا… تخرج الفُلك من المحفظة تضعه داخل القِمَطْرِ. تخاف ركوب الفُلك. صوت المعلم يُزَمْجر داخل حجرة الدرس.  العدو، البحر، أمام، وراء… يسكنها الخوف، لا قدرة لها على مواجهة البحر. تعيد الفُلك داخل محفظتها.

 عَنَتْ وُجُوهُ زَمِيلاتها حَزينات، يَخَفْنَ ركوب الفُلْك. وهي تَعْلِك بَازُوكا بحذر من المعلم.

تهمس:

– العِلْكَة ليست لعبة من أجل التَسْلية، بل لعبة من أجل تقوية الذَّاكِرة.  تساعدها على الحفظ بسرعة سورة الرحمن:

 – “فبأيِّ آلاءِ ربكما تكذبان”.

  رعشة الخوف تصيبها. البحر، العدو. العِلْكَة عند العَلْك الأول مَذاقُها حلو تزدرد سكرها، عندما ينتهي مَذَاقُ السُّكر بلسانها، يبدأ العَلك بين أسنانها وأضراسها، لا تتوقف عن العَلْكِ إلَّا بعد أن يَلِينَ عَجِينها. تصنع كرات. الصغيرة تكبر والكبيرة تصغر، على شكل كرة رِخْوَةٍ، بلون صِبَاغَة أَظفار أصابع يد أمها. تحرص على أن تمسك العِلْكَة بِحَذَر شديد حتى لا تُفرقع الكرة الرخوة، تَحصرُها بين شفتيها. تحفظها هُنَيْهَة خارج فمها، إلى أن تطلق أكبر فرقعة.  فيسمع لها صوت يشبه صوت (طرزان):

 – البحر…

 تعيد بحركة سريعة الكرة الرخوة،  بعد أن اهترت واهتزت داخل فمها.. تكرر التجربة، بلذة سكر بازوكا. في الحقيقة لم تكن ماهرة أكثر من زميلاتها في صنع الفقاعات، كانت (نعيمة) تتفوق على باقي الزميلات في فترة الاستراحة وسط ساحة المدرسة. لذة سكر بازوكا لا يفارق لسانها. العِلْكَة وسط فمها، تشكل منها كرات رخوة كبيرة.. قنبلة، تحدث انفجارًا.. أخوها (أمين) يردد:

  – فرس عَلِي ينام في الإِسْطَبْلِ، في حين كان عَلِي يَزْدَرِد الحلوى، جاءه فَارِسٌ فسرق الفَرَسَ، ثم اختبأ في الغابة البعيدة.

آية تناديها من غرفة التلفاز:

-ماما نشرة الأخبار تعلن عن ارتفاع عدد الإصابات.

تجيبها:

أنا ما زلت أمام المرآة ويدي تحت المغسلة أشكِّل برغوة الصابون بالونات…

<

p style=”text-align: center;”>مجرد مسودة أولى، رقم2

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

لطيفة حليم

أديبة وروائية كندية وأكاديمية من أصول مغربية