من الذاكرة: زيارة إلى بيت الصديق إدريس الخوري

من الذاكرة: زيارة إلى بيت الصديق إدريس الخوري

عبد الرحيم التوراني

قمت صباح هذا اليوم (3 سبتمبر 2015) رفقة صديقي محمد البكري، بزيارة بادريس. كما وعدته يوم أمس في اتصالي به هاتفيا. 

كان في استقبالنا ابنه الأصغر مروان، الطالب في السنة الثالثة أدب إنجليزي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. 

وجدنا الكاتب جالسا في غرفة بالسطح، ومعه السيدة خديجة والسيدة زهور المقيمة بفرنسا، وهما خالتا ابنيه مروان ويوسف، ثم جاءت جدتهما. 

سألت الجدة:

 – أنت كيف بقيتي يا بادريس؟ 

ثم تقدمت وقبلت رأسه. 

امرأة مرحة وبشوشة، كما ابنتيها، يشعن جوا من المرح حول إدريس، يعتنين به خير عناية. بّادريس ليس وحده، إنه بين ولديه وأهله. 

جلس بّادريس على سرير واطئ متكئا على مسند، تحيط به خزانة الكتب. على الحائط لوحات لمحمد القاسمي ولمحمد شبعة وآخرين.

 يلبس إدريس سرولا قصيرا و”تي – شورت” بلون بيج، ويضع نظارات طبية على عينيه المتعبتين.

 أحضرت السيدة خديجة الشاي والحلوى، مجددة الترحاب بصديقي بّادريس القادمين من كازا، وجاءت بعدها بفناجين القهوة، حيث شاركنا بّادريس ارتشافها. 

تحكي خديجة ووالدتها أن حالة بّادريس تحسنت أكثر.

 – لكن صوتك يا بادريس.. أحسست به في الهاتف شديد الوهن..  

تقاطعني زهور: 

– شيء طبيعي.. من تأثير الأدوية التي ما زال مفعولها يسري في جسده. 

جسد بّادريس صار نحيلا، لكن وجهه أصبح صافيا. أكثر صفاء. 

في البدء أبلغته سلام جميع الأصدقاء، وسميت أكثرهم، لما ذكرت له اسم أحمد بوزفور، قاطعني: 

– بوزفور لم يتصل بي.

 قلت له: 

– ربما رقمك ليس لديه، لكنه كتب في الفيس بوك. 

 تدخل البكري: 

– لقد فاتنا أن نخبره بزيارتنا لك، ربما جاء معنا. 

سمى لنا بّادريس بعض من اتصلوا به، كان سعيدا بهاتف صديقنا محمد العلمي مراسل الجزيرة من واشنطن، كذلك زارته واتصلت به في الهاتف قريبة لمحمد العلمي (وئام).

 –  “العلمي إنسان جميل وطيب”، يقول إدريس.

 سألني بّادريس: 

– شكون باقي كتشوف من أصحابنا القدامى..؟

– ليسوا كثرا يا بَّادريس.. الجوقة تفرقات شحال هادي..

 – وفلان.. مازال كيتمقلع..؟ 

– لا يزال.. لا خيار له دون التمقليع..

 نضحك.. 

حكى لي إدريس عن إحساسه بالغربة وهو يزور مقاهي ساحة مرس السلطان، ثم قال إنه يفضل حانة “تيتان” التي تديرها اليوم السيدة دومنيك بعد وفاة زوجها الكورسيكي جان لوي. وأخذ بصف نظافة المكان وخشب طاولاته الأبنوسية. 

أخبرتنا خديجة عن العملية الجراحية التي أجريت على قلب ابنه يوسف، الذي أصيب بنوبة مفاجئة عندما كان يزور والده بالمصحة. 

تكلم بّادريس عن لصوص الكلينيكات..

– “ما كاين غير لفلوس أخويا.. لفلوس… لفلوس”.

 ولأننا جئنا “لنفوج” عن صديقنا غيّرنا دفة الكلام، وتحدثنا في مواضيع شتى، منها ذكريات عن أماكن وأشخاص وأصدقاء، ومنها مواضيع عن تاريخ المغرب القريب، كما تكلمنا عن الغناء والموسيقى الشعبية، وطغيان التكنولوجيا الحديثة، وسيطرة مواقع التواصل الاجتماعي…

 يقول بادريس بهذا الشأن:

 -“أما أنا فلا علاقة لي بالأنترنيت، لا أصدع رأسي بها، ولا يهمني تتبعها واستعمالها، أنا أفضل القلم والورق”. 

وصل يوسف، الابن الأكبر، سأل والده:

 – هل تناولت السيرو؟ 

فتح بادريس كفيه ورد:

 – هاتوا لي السيرو.. 

ملأ يوسف ملعقة كبيرة، فتح بادريس فمه كطفل صغير، وشرب السيرو من يد يوسف. 

قالت خديجة إن جسم بادريس يستجيب للدواء، بّادريس يقاوم الأزمات وإنسان صبّار.

 تدخل بادريس موافقا على كلامها: 

– بالفعل.. أنا صبور..كم قاومت من الأزمات في صمت.. عمري ما شكوت.. 

وقالت زهور إن بَّادريس سيدخل ابتداء من الاثنين القادم المستشفى العسكري لإجراء تحليلات طبية وفحوصات شاملة على صحته، كان الاقتراح أن يقوم بذلك في مستشفى الشيخ زايد، لكن بَّادريس يفضل المستشفى العسكري.

 رفع بادريس سبابته اليمنى، وقال متمما كلام زهور: 

– بأمر من الملك.

 بعد قليل سيبدأ مفعول السيرو، يغمض بَّادريس عينيه، نطلب المغادرة، تقول زهور إن سؤال الأصدقاء واهتمامهم يزيد من معنوياته ويعجل بشفائه، يفتح بادريس عينيه: 

– غادي تمشيو.. ما تغبروش.. 

نسلم عليه وعلى زهور وخديجة. يرافقنا ابنها الشاب أيوب إلى الباب. 

بادريس بخير.. لا ينقصه شيء سوى النظر في وجهكم العزيز.

 (3 سبتمبر 2015)

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد الرحيم التوراني

صحفي وكاتب مغربي، رئيس تحرير موقع السؤال الآن