أوراق من دفتر منسي: الاتحاد المغاربي.. تصادم الإرادات
عبد العلي جدوبي
وضع العاهل المغربي الحسن الثاني باخرة مراكش الضخمة والفارهة رهن إشارة العديد من المفكرين والسياسيين والأدباء والصحفيين والفنانين المغاربيين، على هامش تأسيس اتحاد المغرب العربي بمراكش (17 فبراير 1989)، للقيام برحلة مغاربية تشمل الدول الخمس، لتعزيز بادرة قيام الاتحاد وترسيخ أسسه ودعائمه، بغية أن يكون هذا الاتحاد محاورا رئيسيا للاتحاد الأروبي، في ظل التكتلات الاخرى. فقد نجحت منظومة الكومنولث في مشروعها، وحققت دول أمريكا اللاتينية المنعتقة من الديكتاتوريات العسكرية بعض النجاحات، وكان لمجموعة (اسيان) لدول آسيا حضورا لافتا، كما أن أمريكا في تكتلها مع المكسيك وكندا (النافطا) تخلصت من العديد من العوائق العديدة، وتفوقت دول الخليج العربي في تجربة مجلس التعاون الخليجي.
وكان لابد لمنطقة المغرب العربي أن تقوم بدورها في تأسيس تكتل مماثل، وهي مؤهلة أكثر من غيرها لتكريس تعاون على أكثر من صعيد، في ظل ما يتوفر في المنطقة من تجانس ديني ومذهبي ولغوي.
ويشار إلى أنه بعد مرور عام على تأسيس الاتحاد المغاربي، وضعت أروبا مباشرة الإطار المؤسسي لتنظيم الحوار مع اتحاد المغرب العربي.
فبعد بضعة أشهر على تأسيس الاتحاد المغاربي، بادرت “جمعية فاس سايس” تحت رعاية ملكية إلى تنظيم رحلة مغاربية على ظهر باخرة مراكش، شملت كل من الجزائر وتونس وليبيا، والعودة إلى مدينة طنجة. والتوجه منها جوا إلى موريتانيا. دامت الرحلة على ظهر الباخرة خمسة أيام، ضمت أسماء كبيرة في الفكر والثقافة والسياسة من البلدان الخمس. وبما أن الجهة الساهرة والمشرفة على الرحلة هي “جمعية فاس سايس”، التي كان يرأسها الوزير السابق المثقف محمد القباج، كان لابد من أن تكون الانطلاقة من مدينة فاس عبر القطار في اتجاه طنجة ، حيث ترسو الباخرة.
في الجزائر العاصمة تمت لقاءات بين ضيوف الباخرة وبعض القادة الجزائريين، حيث أجمعت الدراسات المعدة والمناقشات على أهمية حاضر ومستقبل اتحاد المغرب العربي من حيث الفكرة ، وبحكم الموقع الجيوستراتيجي للمنطقة الذي يضعها في قلب التوازنات الدولية، من حيث أنها تمثل امتدادا حيويا للمجال الأروبي، وبوابة رئيسية القارة الأفريقية، لمحيط منطقة الشرق أوسطية.
في تونس أشارت إحدى الدراسات المقدمة استنادا على تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، بأن الاندماج الاقتصادي المغاربي، يمكنه القضاء على عشرين بالمائة من معدل البطالة في السنة الاولى، والتخلص من التحالفات الثنائية غير المجدية والعمل الجماعي، في إطار تكتل وحدوي.
هذا وقد وقد خصص الرئيس التونسي زين العابدين بنعلي استقبالا للوفد الصحفي المغربي الذي كنت أترأسه بقصر قرطاج، وقتها كان ثلاثة من الصحفيين التونسيين بيننا، كانوا يريدون تسليم رسالة للرئيس تخص مشاكل نقابة الصحفيين التونسيين، لكن حرس الرئيس فطنوا للأمر، وتم ابعاد الصحفيين التونسيين الثلاثة من صف الوفد المغربي.
بالعودة إلى الأنشطة المقامة داخل باخرة مراكش.. أشير الى أن البرنامج كان مسطرا بعناية.. في الصباح ندوات، وبعد الظهر لقاءات للنقاش، وهناك أيضا أنشطة فنية موازية تقام مساء كل يوم بمسرح صغير بالطابق العلوي للباخرة بمشاركة جوق الهلال التطواني والمطرب البشير عبده، ويقوم بتنسيق الفقرات أحمد الطيب العلج والمخرج المسرحي عبد اللطيف الدشراوي، وكانت عدسة المصور الصحفي خالد غزالي حاضرة في كل الأنشطة.. كنا نقضي اليوم بإحدى الدول، على أن تتم العودة إلى الباخرة في مساء كل يوم للمبيت، حيث كانت لنا غرف للنوم (غرفة واحدة لشخصين )، باستثناء زميلنا بنعيسى الفاسي مراسل الإذاعة البريطانية الذي حصل على غرفة خاصة به، كان يطلق عليها اسم “الزنزانة “! نظرا لصغر حجمها، كانت الغرف الصغيرة متشابهة.. إذ يصعب التعرف على غرفتك المرقمة – خصوصا بعد السهرة – الا بالاستعانة بإحدى مضيفات الباخرة!
القدافي وحكاية “اطلع تاكل الكرموس”! في ليبيا، عندما رست الباخرة بميناء طرابلس، احتشد العديد من أفراد الجالية المغربية المقيمة بليبيا يحملون الرايات المغربية اختفاء بقدومنا.
في شوارع طرابلس، المحلات التجارية غاصة بالسلع المستورة، تحمل ماركات معروفة، أما الأثمنة فإنها رخيصة جدا، لا تعكس قيمة السلع المعروضة! قال لي أحمد، المقيم بطرابلس والقادم من مدينة الدار البيضاء بصوت خافت: “إن كل ما تراه هنا ما هو إلا سيناريو سياسة القدافي ليظهر للزائر أن الحركة التجارية بخير وكل شيء يسير على ما يرام! أما الحقيقة فهي أن أصحاب المتاجر يحصلون على دعم سنوي من الدولة، سواءا ازدهرت تجارتهم أو شهدت ركودا”!
في طرابلس تم إخبارنا بأننا مدعوون للندوة الصحفية للزعيم معمر القدافي داخل خيمته، لكنه تم الغاؤها في أخر لحظة، دون أن نعرف سبب ذلك! وبعد أن التحقنا بالباخرة وأبحرت لما يقترب من نصف ساعة، وكانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف مساء، وقد أصبح الطقس باردا، تم إخبار الصحفيين من جديد بالعودة إلى خيمة القدافي وإلى الندوة الصحفية! وهنا ظهر الارتباك على الجميع لمثل هذه الإجراءات والقرارات الارتجالية!
أشار علي الزميل خالد مشبال مدير إذاعة طنجة بالتوجه إلى الطابق السفلي للباخرة لارتداء لباس الطوارئ الخاص كبقية الزملاء، قصد التوجه إلى طرابلس عبر زورق زودياك لحضور ندوة القدافي!
رفضت الامتثال لمثل هذا الإجراء، ورجعت إلى “الزنزانة”، غيرت ملابسي وتوجهت إلى قاعة المسرح بالطابق العلوي للباخرة، فهناك جوق الهلال التطواني، والطيب العلج والدشراوي والبشير عبده ، يهيئون مواد السهرة الفنية.
في هذه الأمسية، القاعة كانت غاصة بالحضور بالرغم من أداء المشروبات كان العملة الفرنسية – الفرنك الفرنسي آنذاك.
صباح اليوم الموالي، وأثناء فترة الفطور، الجميع يتحدث عن “الرحلة الزورقية” الخطيرة!! سألت أحدهم عما جرى؟ أخبرني أنه بمجرد وصول زورق الصحفيين إلى رصيف ميناء طرابلس بعد صراع مع الأمواج العاتية، تم إخبارهم بأن القدافي ألغى اللقاء مجددا! “صحفيو زورق القدافي” كانوا سبعة، ثلاثة منهم أصيبوا بنزلات برد حادة، تطلبت تدخل فريق إسعافات الطوارئ بالباخرة. أخذت الباخرة في نهاية الرحلة البحرية المغاربية مسارها نحو ميناء طنجة، وتابع المشاركون مسارهم إلى نواكشوط عبر الطائرة.
إشارة:
– تأسس اتحاد المغرب العربي يوم 17 فبراير 1989 بمدينة مراكش، وضم خمس دول هي: المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، وموريتانيا.
– تبلغ مساحة الاتحاد ما يناهز ستة ملايين كلم مربع، ويبلغ سكان الاتحاد حوالي مائة مليون نسمة، 80 في المائة منهم يعيشون في المغرب والجزائر. ترتب عن تاسيس الاتحاد إبرام 37 اتفاقية.