كيف حدث العفو الملكي عن السينمائي عبد الله المصباحي؟
محمد عبد الله غلالي
صادف مستهل ماي 1981 سفري إلى القاهرة، وكان الهدف القيام بمهمة تغطية مباراة في كرة القدم، جمعت بين المغرب ومصر برسم الإقصائيات الإفريقية المؤدية للمونديال، التي جرت يوم الجمعة 8 ماي 1981، وفي الوقت ذاته استغلال فرصة تواجدي بأرض الكنانة لإنجاز تقارير ومقابلات صحفية ثقافية وفنية لفائدة صحيفة “الميثاق الوطني” التي كنت أعمل بها. ومن باب التذكير فقط، فقد انتهت المباراة بتأهل المنتخب المغربي.
وقتها، كانت الظروف السياسية صعبة، نظرا لمقاطعة جميع الدول العربية لمصر، وتعليق عضويتها بالجامعة العربية بسبب توقيعها لاتفاقات كامب ديفيد التي وقعتها مع إسرائيل في سنة 1978.
بعد موافقة الأستاذ محمد الطنجاوي رئيس تحرير “الميثاق الوطني”، طلب مني البحث عن المخرج المغربي عبدالله المصباحي في القاهرة، ومحاولة إجراء حديث صحفي معه حول فيلمه “سأكتب آسمك على الرمال”، الذي كان انطلق عرضه في الأول من يناير 1979 بأكثر من ستين صالة سنمائية مصرية.
لكن من أين لي البحث عن الرجل وسط مدينة يتجاوز تعداد سكانها آنذاك حوالي عشرين مليون نسمة؟
رغم ذلك انطلقت في محاولة التفتيش عن عبد الله المصباحي. وساعدني في مهمة البحث عن عنوان شركة إنتاج عبدالله المصباحي بالقاهرة، صديق مصري كان يعمل في السابق بالقسم الإعلامي لسفارة مصر في الرباط، وهو الزميل الشرباصي.
ثم سريعا حصلت المفاجأة…
فبينما كنت أتواجد في سهرة بـ”نادي الليل” في شارع الهرم، لصاحبته الغنية عن التعريف المطربة شريفة فاضل، سمعتها عبر مكبر الصوت تشكر ضيوفها في السهرة، وذكرت من بينهم بعض أعضاء فريق الرجاء الرياضي البيضاوي، واسم الشخص الذي أفتش عنه، أي المخرج عبدالله المصباحي، وكان هو وأسرته من مرتادي نادي شريفة فاضل.
لحظتها، لم أتردد في التوجه إلى مائدة المصباحي. بعد تبادل التحية والسلام، قدمت له نفسي واتفقت معه على موعد لإجراء مقابلة صحفية خاصة معه.
في اليوم الموالي رافقتني زوجة المصباحي وإحدى بناته من مكان إقامتي بفندق شهرزاد المطل على نهر النيل، بغاية مشاهدة الفيلم بإحدى قاعات السينما. وبعدها اتجهنا إلى مقر شركته الفنية، حيث أجريت مقابلة معه. وكان حوارا مطولا تم نشره بالملحق الثقافي الذي كانت تصدره “الميثاق الوطني” في نهاية الأسبوع.
***
غادر عبد الله المصباحي المغرب نحو القاهرة في ظروف ملتبسة، خصوصا بعد معاناته من ثقل الضرائب وتراكم الديون، ثم عاد إلى وطنه المغرب إثر استفادته من عفو ملكي. وتلك قصة سأرويها يإيجاز في ما يلي من السطور.
كان محمد الطنجاوي، الكاتب والشاعر، رئيس التحرير يومية “الميثاق الوطني”، وصاحب كلمات أغنية “الرائد الأكبر” التي لحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب وأداها الفنان عبد الحليم حافظ، قد كشف لي بعد عودتي من مصر ونشر الملف الصحفي عن الفيلم بالملحق الثقافي، وبعد أن قمت بتسليمه عنوان شركة المصباحي للإنتاج السينمائي بالقاهرة، أن سبب طلبه مني إجراء حوار صحفي مع عبدالله المصباحي، والحصول على عنوانه في القاهرة، جاء بإلحاح من مستشار الملك المرحوم أحمد بنسودة، الذي اعتبر أن فيلم “سأكتب اسمك على الرمال” ساهم بشكل كبير في التعريف بقضيتنا الوطنية الأولى (قضية الصحراء المغربية) في الوطن العربي. وأراد إبلاغ الموضوع للملك الراحل الحسن الثاني.
ونظرا للعلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين المغرب ومصر، تم إسناد مهمة التوجه إلى القاهرة لمبعوث من الخطوط الجوية المغربية للاتصال بالمصباحي لإخباره عبر رسالة خطية بالموضوع، ولتمكينه نسختين من الفيلم، النسخة الأولى كي يطلع عليها أولا المستشار الملكي أحمد بنسودة، قبل بعث النسخة الثانية إلى القصر لمشاهدتها من طرف الملك الراحل الحسن الثاني.
هكذا وجدتني بالمصادفة، واحدا ضمن من ساهموا من غير علم في تمهيد عودة عبدالله المصباحي إلى وطنه المغرب.
***
أذكر أن فيلم “سأكتب اسمك على الرمال” شارك في بطولته كل من الفنانين المصريين عزت العلايلي وناهد شريف وسمير صبري وأمينة رزق ومريم فخر الدين، بالإضافة إلى المطربة المغربية سميرة بنسعيد، التي غنت في الفيلم مجموعة من الأغاني التي أنجزها الملحنون الكبار محمد الموجي وخالد الأمير ومنير مراد.
أما السيناريو والحوار فمن إنجاز حفيظه العسري. ويروي بطولات المقاومة المغربية ضد الاحتلال الفرنسى، ويتحدث بالخصوص عن تاريخ ارتباط الصحراء المغربية بالمغرب، وتضمن الفيلم صورا مسجلة ولقطات وثائقية من “المسيرة الخضراء”.
***
يعد المخرج والمنتج وكاتب السيناريو عبد الله المصباحي عميد المخرجين السينمائيين المغاربة، إذ ينتمي للجيل المؤسس للسينما المغربية في فترة ما بعد الاستقلال. من مواليد سنة 1936. درس فن السينما بفرنسا، وتخرج من المدرسة العليا للدراسات السينمائية بباريس سنة 1956.
أخرج العديد من الافلام التسجيلية، والبرامج الإذاعية مع المسلسلات. وتنوعت مواضيع أفلامه، لكن كان له اهتمام خاص بالقضايا الوطنية والقومية والإسلامية، خصوصا قضية فلسطين وجرائم الاحتلال الإسرائيلي.
أنجز 21 فيلما طويلا، من بينها “أحبائي الأعزاء”، “بكاء الملائكة”، “أين تخبئون الشمس؟”، “سأكتب اسمك على الرمال”، “طارق ابن زياد”، و”أفغانستان لماذا؟”، “أرض التحدي”، “غدا لن تتبدل الأرض”، و”الصمت اتجاه ممنوع”.. وغيرها من الأفلام التي تجاوزت حدود المغرب، وشاركت في إنتاجها عدة بلدان عربية وإسلامية، من بينها مصر وليبيا وتونس والإمارات العربية والعربية السعودية والكويت.
وكان عبد الله المصباحي يعتزم تحقيق حلم إنجازه لأعمال أدبية لكبار الكتاب والأدباء المغاربة، حيث تعاقد مع الأستاذ عبد الكريم غلاب لتحويل روايته “المعلم علي” إلى السينما، وكذلك إخراج قصة لأحمد عبد السلام البقالي بعنوان “سأبكي يوم ترجعين “، ورواية “الخبز الحافي” لمحمد شكري، و”المرأة والوردة” لمحمد زفراف، و”لعبة النسيان” لمحمد برادة. وكان سينتج أيضا فيلما مغربيا يمثل فيه النجم المصري عادل إمام، لكن هذه المشاريع كلها لم يكتب لها أن تتحقق، إذ توفي رحمه الله يوم الجمعة 17 سبتمبر 2016.