العطشان والريان بين الجفاف وأسئلة إدراة تثمين وتوظيف الثروات والقدرات

العطشان والريان بين الجفاف وأسئلة إدراة تثمين وتوظيف الثروات والقدرات

مصطفى الساحلي

في سياق التقديم نجد في القواميس: (عطِش الإنسانُ/عطِش الحيوانُ: ظَمِئ، أحسّ بالحاجة إلى شرب الماء، عكس روي…/ .. رويت الماشية من الماء: شربت من الماء حتى شبعت، ويقال رويت الأرض، أي استسقَت ماءً كثيرًا، ويقال “ريان من العلم” أي ممتلئ به ومتمكن منه، كما يقال “ فرس ريان الظهر” يقصد به سمِينُ المتْنَين..)، وفي الحديث الريان اسم يطلق على باب من أبواب الجنة يلج منه الصائمون والصائمات.. 

  ما العلاقة بين الجفاف والعطش عند الإنسان وسائر الكائنات الحية وفي الطبيعة؟

 وما العلاقة بين الأمطار والثلوج والأنهار والأودية والبحار والثروات الكامنة تحت الأرض بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية والمجالية؟ وما علاقة كل ذلك بالأسئلة المتعلقة بالثروات؟  

 إن التنمية مرتبطة بالقدرات والثروات الطبيعية المختلفة، ذلك لأن الموارد البشرية هي المعنية أساسا بكل ذلك، ولاتتـحقق إلا بتدبير عقلاني وعلمي عادل مشبع بقيم المواطنة والانسانية بما يضمن رفعة الإنسان ، مع حماية الثروات المختلفة وتقويتها وتثمينها والاجتهاد لإيجاد بدائل تعوض ماهو محدود لإطالة أمد وجوده ،،  

 إن الشعب هو المنتج الفعلي للثروات، وهو حامي الديار والأوطان وهو الذي يقوم بكل الأعمال والوظائف والمهام المحدودة الاجر والدخل، إنه من يقف وراء تحقق وانتاج الثروات سواء عند الأفراد أو الشركات والمقاولات أو الدولة.. ومن هنا نقول إنه يعاني من جفاف وعطش دائم غير معلن عنه في حياتهم اليومية حيث أن الافراد والاسر لايستطيعون بأجرتهم ودخلهم الاستجابة لمتطلباتهم الخاصة وحاجياتهم في حدودها الدنيا الضعيفة تعلق الأمر بالسكن أو الغذاء أو الصحة أو التعليم…الخ، إنهم يرون مفارقات لايستسيغونها تستنكرها أنفسهم الأبية، وهنا سؤالهم: لماذا يزدادون فقرا والبعض تتضاعف ثرواتهم ..؟   

إن من مسؤوليات الحكومات وهي المؤتمنة على مصالح الدولة والوطن والشعب أن تكون على علم معرفي وعملي بأنواع الجفاف والعطش ليس فقط المرتبط بعدم تساقط الأمطار وشح مياه الآبار وعلاقة ذلك بإشكاليات ترشيد استهلاك وتوظيف المياه أكانت صالحة للشرب أو تحتاج إلى تدوير و تصفية وتحلية ، كما أنها مسؤولة على وضع استراتيجيات عملية جاهزة ومعتمدة ميدانيا بشكل فعلي مع حكامة في تدبير الندرة والوفرة خاصة وأن الجفاف إن لم يصب كل البلد فقد يصيب أغلبه أو بعضه،، 

وهنا يطرح سؤال النهوض بسياسة السدود بتشبيكها ؟، وسؤال النجاعة الفلاحية بتقليص الاشجار والفلاحات غير الرئيسية المستهلكة والمستنزفة للمياه على حساب ضرورات عيش الانسان حيث ساكنة العوالم القروية وحتى العديد من الحواضر يضطرون لشراء شحنات مياه الشرب مما تضعف مستوى عيش الاسر؟، وسؤال إشراك الفلاحين الصغار ودعمهم للاستثمار في الأراضي التابعة للدولة وأراضي الجموع والغابات والأملاك المخزنية، للنهوض بالفلاحة المعيشية المطورة للدخل والرافعة لمستوى العيش والمساهمة في إنعاش الأسواق المحلية والوطنية.. كما أن بعض السياسات المعتمدة تتسبب في تجفيف جيوب الكادحين وتزيد الاجور ضعفا، وتطال حتى من كانوا يسمون طبقة “البورجوازية الصغرى” و”المتوسطة”…، وينتج عنها ضمور منابع التشغيل في وجه الشباب رجال الغد من المغادرين للتعليم الابتدائي وما فوقه إلى خريجي المؤسسات التكوينية والجامعية / الاكاديمية،، إنهم جميعا يحتاجون إلى سياسات عملية بديلة تحقق فعليا التنمية الشاملة وتحد من الفوارق الطبقية التي تثقل كاهل الشعب بقلة فرص التشغيل، والتهاب الأسعار،وتجميد الأجور وضعفها، إلى عدم توفر أي دخل قار،،، فأي جفاف وعطش فوق هذا الذي طال كل الشغيلة والشباب والفلاحين الصغار و..؟؟ 

فعندما يشتد القحط بانحباس الأمطار وقلتها فإن آثاره تنطق وتتجلى في الطبيعة وعند سائر المخلوقات ومنها الانسان معلنين حاجاتهم الاستعجالية و القصوى لري الحيوان والأرض والبشر، وتصل آثاره إلى أثمنة وأسعار البهائم والانعام التي هي مورد عيش الملايين من الفلاحين والكسابة الصغار والتي وصلت الحضيض،، وفي نفس الوقت التهبت وارتفعت أسعار العديد من المواد الاساسية مما جعل الناس في وضعية خطيرة حيث لاقيمة لما يملكون ولاطاقة ولاقدرة لهم لشراء ما يسدون به رمقهم ، وسيصبح الوضع كارثيا إذا أضفنا آثار الأزمة الوبائية التي جعلت العديد من الأسر التي كانت في رخاء أصبحت تبيع ممتلكاتها وتجهيزاتها المنزلية على هزالتها لتجنب التسول الذي يلملم بعض ذراته إحسان محدود ممن علم بحالهم ..  

 إن الجودة والفعالية والنجاعة في تدبير مواجهة الكوارث والأزمات والطوارئ.. تحتاج إلى إدارة مؤسساتية دائمة التجديد والتحديث والتطوير والابداع تحقق البناء القوي والعادل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتقدم والرخاء والعدالة الشاملة، والتي تتحقق بتوفر واعتماد بدائل جاهزة لموازنة قدرات الناس على مواجهة الاختلالات ، والتخفيف من آثارها ..   

إننا مطالبون بتدبير أمثل للندرة، واستطاعة عملية على تجاوز الإكراهات الهيكلية، و تنظيم للوفرة وترشيدها في كل ما يتعلق بالثروات الوطنية العامة، إن الثروات المملوكة للأفراد أو لبعض الأسر أو الشركات والمقاولات والتي تتزايد باستمرار تصبح معطلة بل وتتسبب في ازدياد منسوب التفاوت الطبقي المستفز الذي يؤجج الغضب الشعبي للكادحين والشغيلة والعاطلين، لهذا الدولة مطالبة بعقلنة وتدبير حكيم للثروات التي تتضخم عند الأثرياء لتوظف في أوراش وشراكات تنموية تعود بالفضل على الجميع بخلق فرص الشغل وتقوية البنيات التحية والمرافق العمومية وفي البيئة وتطوير العالم القروي بما يضمن استثمارا اجتماعيا إنسانيا وطنيا يقطع مع الفقر ويخرج الشعب من دائرة الهشاشة والخصاص ويرقى به إلى أمة تعيش عيشا كريما،   ونذكر بالسؤال المطروح في خطاب عيد العرش 2014:

 (… أتساءل باستغراب مع المغاربة: أين هي هذه الثروة ؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط ؟، الجواب على هذه الأسئلة لا يتطلب تحليلا عميقا: إذا كان المغرب قد عرف تطورا ملموسا، فإن الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين. ذلك أنني ألاحظ، خلال جولاتي التفقدية، بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة…)،

 إن الأثقاب والثغرات والاختلالات بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والخدماتية يقاس عمقها بمعايير مختلفة منها:  

 – معيار الشعب المعني المباشر: يراها ثقوبا سوداء تبتلع كل شيئ الجهد والمال على قلته والصحة وحتى الأمل في المستقبل ، ويعتبرها طلما اقتصاديا واجتماعيا .. 

  – معيار المنظمات الدولية المعتمدة التي تصنف وترتب في دراساتها موقع الفقر والهشاشة والتسول والتعليم والصحة والتشغيل والبطالة في دول العالم،، وتوجه تنبيهاتها وتحذيراتها وتوصياتها التي تتحكم فيها لوبيات المال والاقتصاد العالمية..؟! 

  – معيار المؤسسات الاستشاريه والاقتراحية التي أحدتثها الدولة في المجال الاجتماعي والاقتصادي والمالي، والتي ما فتئت تثير الانتباه وتقدم ملاحظاتها وتوصياتها المتعلقة بالسياسات الحكومية…  

 – معيار السياسات الحكومية التي تفضل تكرار لازمة “كل شيئ على ما يرام”، وأن الانتقادات والملاحظات مبالغ فيها وغير موضوعية، وأنها غير مسؤولة عن التفقير ولا الإثراء، كما تجد صعوبة في تنفيد وتنزيل وعودها والتزاماتها وبرامجها الانتخابوية والرسمية المعلنة..   

ولنا أن نسائل الحكومتين السابقتين للحالية عن نتائج السياسات والقرارات والتراجعات التي اعتمدت في زمنهم والتي مست بالتقاعد والتوظيف وصندوق المقاصة الذي كان يدعم أسعار المواد الأساسية وتعسفت حتى على الحريات العامة والحقوقية و… إلخ ؟؟ 

  إن”الري” المبالغ فيه لانتاج ربح آني يتسبب في عطش وهجرة وبطالة إضافية سلوك سلبي خطيرة عواقبه مدمرة آثاره ولو بعد سنوات، هو نفسه كالجفاف الذي تظهر نتائجه بسرعة مربكة في الطبيعة وعلى حياة الانسان ويكشف ثغرات السياسات الحكومية ويسائل مستوى أهليتها في تدبير الأزمات وهي في حالة رخاء،، وكيف وهي في حالة انقطاع الأمطار والجفاف ونذرة المياه…؟  

 إن العطشان والريان موجودان باستمرار ولا تحتاج الحكومة ولا الشعب لتقديم الادلة والحجج على وجود العطش والري والفقر والخصاص والثراء الفاحش..

 بل علينا ان نعتمد سياسات تجعل الأزمات عابرة واستثنائية وذات آثار متحكم فيها …وأن نبني لأمتنا لشعبنا مجتمع المساواة والرخاء والكرامة والتقدم …

   تارودانت / المغرب الثلاثاء 22 فبراير 2022.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

مصطفى المتوكل الساحلي

ناشط سياسي ونقابي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *