الإعلام والنهوض بثقافة الحوار الاجتماعي

الإعلام والنهوض بثقافة الحوار الاجتماعي

جمال المحافظ

قليلا ما يجرى الانتباه بالمغرب إلى أهمية الإعلام في النهوض بثقافة الحوار الاجتماعي الذي تعتبره منظمة العمل الدولية، أداة في خدمة التنمية المستدامة كشكل من أشكال الحكامة والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة في أفق 2030.   مناسبة التطرق لهذا الموضوع يرتبط بأولى جولات الحوار الاجتماعي التي انطلق مسلسلها يومي 24 و25 فبراير الماضي، في ظل الحكومة الحالية (حكومة الدولة الاجتماعية)، وذلك باستقبال رئيسها لممثلي المركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، فالملاحظ أن هذا اللقاء، لم يخرج عن النمط الذي تعودت وسائل الإعلام عمومية، كانت أو خاصة، على التعامل به منذ تدشين الحوار الاجتماعي بين الحكومة والمركزيات النقابية وأرباب العمل في 1996، والذي توج خلال ذات السنة بتوقيع “بروتوكول فاتح غشت”.    

 يبدو التساؤل مشروعا حول إلي أي مدى استحضرت أطراف الحوار الاجتماعي الأهمية التي يكتسيها دور الإعلام في مواكبة هذا المسلسل، في الوقت الذي دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقرير أخير تحت عنوان: “نحو جيل جديد من الحوار الاجتماعي بالمغرب “، هذه الأطراف إلى “التعاون مع وسائل الإعلام في تأمين تغطية إعلامية وإخبارية منتظمة، لكافة الأنشطة والمنتديات والمنجزات المتعلقة بالحوار الاجتماعي”.

  الإعلام في صلب جيل جديد من الحوار الاجتماعي  

 وعلى الرغم من أن المجلس شدد، وإن في كلمات مقتضبة في هذا التقرير الذي نشر في بداية جائحة كوفيد 19 المستجد سنة 2020، وتضمن عدد من المقترحات والتوصيات عن دور الإعلام في الحوار الاجتماعي، في معرض تناوله لآليات النهوض بثقافة الحوار بالمجتمع، على ضرورة “حرص وسائل على مواكبة الهيئات بالمؤسسات العمومية والخاصة والمقاولات التي تقدم تجارب جيدة في مجال الحوار الاجتماعي”.  

 وكان مسلسل الحوار الاجتماعي بالمغرب عند انطلاقه سنة 1996، مدخلا لسلسلة من الإصلاحات الدستورية والسياسية والحقوقية والإعلامية، توجت بمراجعة الدستور وتنظيم الانتخابات، ورافق ذلك تأسيس منابر صحافية جديدة ،والتحاق جيل جديد من الصحافيات والصحافين من خريجي الجامعات والمعاهد بمهنة المتاعب، وأشرت كذلك على دينامية وجرأة غير مسبوقة لوسائل الإعلام العمومي، على مستوى القضايا والملفات التي تتناولها والانفتاح على شخصيات فعاليات، كان مرورها بالسمعي البصري يعد ضربا من الخيال.      كما تميزت هذه المرحلة التي أعقبت انتخابات سنة 1997، بتشكيل حكومة “تناوب توافقي”، وإن كانت لم تفرزه صناديق الاقتراع، فإنه ترجم رغبة إرادة في “تغيير وإصلاح  المسار الديمقراطي”، في مرحلة  أواسط التسعينات، باعتبارها من ” أهم المراحل السياسية في المغرب المستقل، التي كانت لها أهميتها القصوى من خلال نضالاتها الاجتماعية، ومراهناتها السياسية، وتجاذباتها حول الإصلاح السياسي.. وبتأثيرها القوي في تشكيل ملامح المرحلة التي تلتها”، كما جاء في كتاب “عين العقل” لمحمد الأشعري الصادر حديثا. 

حوار اجتماعي في ظل ارتفاع منسوب الحركات الاحتجاجية

 فرغم زخم هذه المحطة التاريخية في زمن ما قبل العصر الرقمي، وتحولاتها السياسية، في ظل تعيين المعارض الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي (1924-2020 ) في مارس 1998 وزيرا أول للحكومة رقم 26 منذ الاستقلال، تحت مسمى “حكومة التناوب” فإنها سجلت على المستوى الإعلامي “فشلا ذريعا”، حسب البعض. في الوقت الذي واصل مسلسل الحوار الاجتماعي مساره بالتزامن مع ارتفاع سقف المطالب النقابية ووتيرة الحركات الاحتجاجية، خاصة على مستوى المعطلين. 

في 23 أبريل 2000 جرى الاتفاق بين الحكومة والمركزيات النقابية وأرباب العمل، على “إقرار  السلم الاجتماعي باعتباره مسؤولية مشتركة وعنصرا أساسيا لتأهيل الاقتصاد الوطني لمواجهة مختلف التحديات”.

  وتكرس في 30 أبريل 2003 “مبدأ التشاور والتفاوض لحل الخلافات بين الأطراف الثلاثة، مع تكثيف لقاءاتها بهدف تعميق الحوار”، في حين تم  الاتفاق في 26 أبريل 2011، على عدد من التدابير في مقدمتها الزيادة في أجور الموظفين ورفع حصص الترقيات والحد الأدنى للمعاشات.

ادراج الاعلام ضمن أولويات مكونات الحوار الاجتماعي 

وفي خضم ذلك كانت الصحافة في قلب هذه التحولات الاجتماعية، مواكبة لكافة المراحل التي قطعها مسلسل الحوار الاجتماعي، ومصدرا رئيسا للأخبار والمعلومات بهدف جعل  الرأي العام على اطلاع بمختلف التطورات، وذلك قبل تسونامي الشبكة العنكبوتية ووسائط التواصل الحديثة وشبكات البث المفتوح، الذي أضحى الفاعل الأساسي على الفضاء العام ومارس سيطرته على مختلف مناحي الحياة. وهذا ما يجعل من المفروض على كل باحث أو مهتم بمسار التاريخ السياسي والاجتماعي حول هذه المرحلة، أن ينقب فيما وثقه الإعلام الوطني وما تتضمنه مقالات الصحافيين من حفريات وتحليلات الخبراء والفاعلين الاجتماعيين والسياسيين، فيما كانت تنشره المنابر الإعلامية من معطيات ووقائع ووثائق وصور حول مجريات الأحداث والوقائع على المستويين الوطني والدولي. 

 لكن على الرغم من هذا الزخم الذي راكمته وسائل الإعلام خاصة في مجال الشأن الاجتماعي، لم تواكبه بنفس الدينامية، أطراف الحوار الاجتماعي سواء كانت حكومة أو مركزيات نقابية وأرباب العمل، خاصة على مستوى اهتمامها بدور الصحافة، وهو ما يتطلب في المرحلة الراهنة فتح أفق جديد للتعامل مع المسألة الإعلامية، بالارتقاء بمستوى وعيها، بأهمية الاعلام الذي ظل مبعدا عن أجندات مكونات الحوار الاجتماعي مع تجاوز النظرة النمطية لوسائل الاعلام التي غالبا ما تتسم بالريبة، وعدم الثقة.  

 وإذا كان الأمل يظل معقودا على كافة الفاعلين والهيئات رسمية وغير رسمية، من أجل إدراج قضية الاعلام ضمن أولياتهم بهدف بلورة ” جيل جديد من الحوار الاجتماعي ” ، فإن الأكيد أن من شأن الصحافة المستقلة وذات المصداقية والمهنية، أن تساهم بنجاعة وفعالية في تحقيق هذا المبتغى، وفي إعادة الثقة وترسخ قيم التعاون بين كافة الشركاء، فيما يتعلق بالملفات الاجتماعية الملحة التي تحظى ببالغ العناية والاهتمام، كما جاء في بلاغ رئاسة الحكومة الصادر في اعقاب اجتماع أطراف الحوار الاجتماعي الأخير، وبالتالي التقليص من هشاشة الحماية الاجتماعية، من خلال جعل منظومتها أكثر فعالية وعدلا وانسجاما.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

جمال المحافظ

باحث متخصص في شؤون الإعلام