في العبودية الطوعية

في العبودية الطوعية

عز الدين العلام

لا أدري كيف أنّ من درّسونا “تاريخ الفكر السياسي” أو مواد تقترب من مجاله، في الجامعات المغربية، كانوا يقفزون في مقرّراتهم المدرسية عن شخص اسمه “إتيان دو لابويسي”Etienne de La Boétie. ألّف كتابا بعنوان “مقال في العبودية الطوعية”؟ Discours de la servitude volontaire.    

قد يعود السبب لنصوص الكتاب المحرجة بجرأتها البسيطة أو ببساطتها الجريئة. وربما، وهذا غالب الظن، كان أغلبهم يجهل المؤلف وتأليفه. ذكرت هذا الكاتب لأنّ ما كتبه ينطبق في جزء كبير منه تمام الانطباق على محيط وتاريخ المغرب الطافح بالاستبداد السياسي، والاستعباد الاجتماعي، والإذلال الثقافي. تاريخ مضى، حافل برعايا عشعشت فيها مع مرور الزمان تربية الانصياع والمهانة، وأليات الترهيب السياسي، وتآلفت مع الهتاف والتصفيق لمن يحكمها من زعماء أبديين، وقادة خالدين فيها أبدا. واليوم، ما نزال نعاين هنا “مناضلين” سياسيين يبكون بدموع أحّر من الجمر، رافضين استقالة زعيمهم، وهناك شعوب تندب وفاة قادتها، وهؤلاء مناضلون نقابيون لا يبغون عن زعيمهم بديلا، وبصوت واحد يطلبون منه ولاية رابعة وخامسة… لماذا كل هذا الانصياع إلى حدّ الانبطاح، وما سبب كل هذا الخضوع إلى حدّ الخنوع، وما السر في هذا الولاء إلى حد الإذلال؟    

لقد كتب “إتيان دو لابويسي” نصّه المعنون ب”العبودية الطوعية” سنة 1548، وهو ما يزال طالبا في الثامنة عشرة من عمره! وعلى الرغم من كل هذه القرون التي تفصلنا عن تاريخ تأليف هذا الكتاب الشديد الإيجاز، يكفي أن يتصفح القارئ محتوياته المصاغة في لغة أدبية رفيعة، وإنسانية مفرطة في إنسانيتها، ليدرك كيف أنّ سؤال هذا النص المركزي لا يزال حيا، وقضاياه لا تزال عالقة، وذلك لسبب بسيط يتمثل في أن تسلّط الإنسان على الإنسان، والحاكم على المحكوم، والشيخ على المريد، والرجل على المرأة، لا يزال قائما، وخضوع الملايين من البشر، طوعا أو كرها، لطاغية جبّار، أو لحفنة من الطغاة الجبابرة، لا يزال أمرا معيشا.    

كيف حدث سابقا، وكيف يحدث الآن، أن تهتف شعوب مقهورة بحياة مستبدّيها؟ كيف خضع الملايين من المحكومين لحكم “فرد” واحد؟ كيف استبدّ سابقا ملوك وسلاطين، لا حول لهم ولا قوة، برعاياهم على امتداد الزمن السلطاني المغربي؟ وكيف تصطنع الشعوب اليوم زعماء من ورق لترتعد لاحقا أمام جبروتهم؟ هل هو خضوع بالقوة، أم تراه يكون جبنا من الخاضعين؟ هل هو خوف من الشعوب أن ترى نفسها وجها لوجه أمام حريتها؟ تلك هي الأسئلة التي يدعونا صاحب كتاب “العبودية الطوعية” للتفكير فيها دون أن يدّعي لها جوابا قاطعا.

Visited 8 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عز الدين العلام

باحث وأكاديمي مغربي