انفلات التربية في علاقة بالسياسات العمومية ومستوى التنمية البشرية

انفلات التربية في علاقة بالسياسات العمومية ومستوى التنمية البشرية

مصطفى الساحلي

من تعاريف التنمية البشرية :”هي توسيع الخيارات المتاحة أمام الناس، ليعيشوا حياة مديدة ملؤها الصحة ويكتسبوا المعرفة ويعيشوا حياة كريمة”. و”وسيلة قياس جودة حياة الإنسان في البيئة التي يعمل فيها الفرد”. و”بشكل عام التنمية البشرية هي اكتساب الأفراد والمجتمعات والمؤسسات القدرة على المشاركة الفعالة في بناء حضارة عالمية مزدهرة بالمعنى المادي والروحي”.

 إذا قمنا بقراءات للتقارير والدراسات التشخيصية والافتحاصية والتوجيهية، والعديد من الخطب الرسمية وانتقادات مسؤولين حكوميين لتجربة وتجارب من سبقهم، وتحميلهم مسؤوليات ما حصل ويقع وسيحدث من أزمات اقتصادية واجتماعية وحقوقية، نخص بالذكر نتائج ولايتين من تسيير حكومة ما بعد الربيع الديموقراطي، الذي حولوا مساره  إلى مواسم جفاف وقحط، وتراجعات وقرارات أجهزت على القدرة الشرائية، وحررت الأسعار وعطلت الأجور، وأضعفت التشغيل، ووضعوا إجراءات وتقنينات طالت التعليم العمومي فأضعفته، وامتدت آثارها  المجحفة  لتطال الأطفال والتلاميذ والطلبة وأجيال وطن الغد،، كما مست حقوق الشغيلة التعليمة من تقاعد وترقيات و…

 وإذا بسطنا بعض الجمل الواردة في تقرير التنمية البشرية سنة 2020، التي تصنف المغرب في المرتبة 121 عالميا من أصل 189 دولة شملها التصنيف، والمرتبة 15 عربيا، فالأمر أصبح مقلقا ومحفزا لقيام الدولة ومؤسساتها وكل القوى الحية، بثورة على الذات والعقليات، وتغيير للسياسات والمنهجيات المعتمدة في التخطيط والتدبير والتسيير والتوجيه، والتي تخالف نواياها المعلنة نتائجها السلبية وتجلياتها المحبطة في واقع: التعليم والصحة والتشغيل والنمو والعدالة الاقتصادية والاجتماعية و… إلخ.

 وإذا أضفنا لذلك ما نرى من عمليات تخريب للممتلكات العامة والخاصة، والاعتداء المتعمد والمستقصد على رجال الأمن والقوات العمومية والتباهي بذلك، وأن يكون معه وقبله بالشارع والمجتمع تفش فاضح للسب الجارح والكلام الفاحش البذيء، الذي يخرق كل قواعد الأخلاق والآداب والانسانية، من سب الوالدين والدين والرب و…؟؟!!

 وبموازاة مع ذلك  تثار عند المتتبعين والحقوقيين مقاربة استعمال العنف والتعنيف ضد المتظاهرين السلميين، الذين يدافعون عن مطالبهم المشروعة – التي سببها قرارات وسياسات حكومية مرفوضة – في إطار نقابات وتنسيقيات، فالحقيقة الواضحة أن الشغيلة التعليمية هي المسؤولة عن الأمن التعليمي وبناء الإنسان والوطن، والشغيلة الصحية مسؤولة عن الأمن الصحيي للشعب، والشغيلة الكادحة المتعددة المهام معنية بالأمن الغذائي في جميع القطاعات المعنية بالفلاحة والزراعة… الخ.

كما أن شغيلة الأمن من مهامها حفظ النظام والأمن العامين، وحماية القانون وحماية الشعب وحرياته، المكفولة دستوريا وقانونيا، والذين هم من أبناء الطبقات الشعبية والكادحين والفقراء، يعانون مما يطالب به المضربون والمحتجون من إصلاحات وتحسين للأوضاع… 

 وهنا لابد أن نذكر بأن الإنفلات وتجاوز القانون، لا يقع فقط من بعض أبناء الفقراء، بل يمارسه بسلوكيات مخالفة  بعض المنتمين لطبقة الميسورين و… حيث يرتكبون تجاوزات واعتداءات تطال البعض من الناس أو الممتلكات، وحتى   رجال الأمن والقوات العمومية…

وفي جميع الحالات أصبح الأمر قضية مزعجة وذاث أولوية في كـمونها وظهورها في فضاءات مختلفة، لأن عواقب التمادي في اعتماد وتبني ما كان وراء الأزمات المتعددة الأوجه من سياسات، وعدم التفرغ لمعالجة الاسباب بعمقها التربوي والأخلاقي والإنساني، لن يكون خيرا إطلاقا،  لهذا على الدولة تحمل مسؤولية تربية أبنائها أكثر من الأسر،،  فهي مسؤولة عن الشارع، وسياسات تدبير أمور الوطن والمواطنين والمواطنات،، والشعب باعتباره القاعدة البشرية للوطن والدولة مسؤول بكل مكوناته، انطلاقا من الأفراد والأسرة والجماعة والقبيلة وبالوسط الاجتماعي،، إلى الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية، ومنظمات المجتمع المدني، كمسؤولين دستوريا وقانونيا وتربويا وأخلاقيا وتأطيريا أمام الشعب والوطن والدولة.

 إن صفة المواطنة الحقة تهم الشعب بكل الموظفين العمومين وشبه عموميين بمؤسسات الدولة، ومنهم أعضاء الحكومة وقوات الدولة التي تحمي الوطن والمواطنين، وتضمن الأمن والاستقرار، لافرق بينهم ولا امتياز لأحدهم على آخر،، ففي المواطنة والتنمية البشرية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية، وتدبير الثروة وتوظيفها لمصلحة الشعب، لايمكن ولا يجوز التمييز والتفريق والتعامل بمكيالين وطريقتين:

– تشجيع وتكريس السعي بالإحسان والتصدق لسد ثغرات الخصاص وهشاشة الدخل إلى انعدامه، وضعف الأجور  والخدمات؟؟ في علاقة بالحد من نتائج وآثار السياسات المعتمدة، و 

 – تشجيع ودعم الاستثمار والمستثمرين، وتيسير ذلك قانونيا وعمليا، هاتين الطريقتين تفرزان حصيلتين غير متكافئتين: الأغنياء والأثرياء يزدادون ثراء،، والفقراء والشغيلة و… يزدادون خصاصا وفقرا.

إن مستوى المعيشة كواقع يومي للمواطنين والمواطنات، هو الدال والمؤشر على نسبة وجود تنمية بشرية وآثارها الإيجابية والسلبية، لأنها قد تتحول إلى مجرد تسمية لمجال صرف أموال عمومية، لاترقى إلى انتظارات من خطط لها، وانتظارات الساكنة، أو الفئة المستهدفة. وقد تصبح بعض نتائجها متجاوزة بمجرد إتمامها…

 إن الفقر والخصاص متعدد الأبعاد، يهم طبقة الكادحين الذين لايجدون قوت يومهم إلا بمشقة أو بالتسول أحيانا،، كما أن محصلات فشل المنظومات التعليمية تدل على فقر وخصاص في التخطيط ووضع البرامج وتحقيق للأهداف بأجندات تساير التطورات، وتستجيب لمتطلبات المستقبل، وتنشئ وتكون أجيال مجتمع المعرفة والعلم، ومعهم جماهير اليد العاملة المتخصصة، التي لها مكانتها واعتبارها كقوة إنتاجية، لابد من النهوض بمستواها المعيشي، بتحسين ظروف عملها وأجورها وحمايتها اجتماعيا ورعايتها خدماتيا وصحيا، وتوفير ظروف تنشئة الأسر بما يتكامل مع  التنمية البشرية الحقة والعادلة.. 

لهذا آن الأوان أن يلتئم الجميع لتغيير ومراجعة السياسات والمخططات المعتمدة التي تبث عدم نجاعتها، وتقويم وتصحيح وتثوير الفهم، وبناء آليات عمل قوية تتكامل، وإقامة وبناء أسس وصرح مجتمع متقدم بالشعب ومن أجله  ومن أجل الدولة، كي نكون من ومع الدول المتقدمة الرائدة عالميا…

تارودانت : الخميس 17 مارس 2022.

Visited 5 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

مصطفى المتوكل الساحلي

ناشط سياسي ونقابي مغربي