في أفق إنشاء مركز وطني للبرلمان وحقوق الإنسان
جمال المحافظ
وصف المحامي عبد العالى زنيدر الباحث والحقوقي، كتاب: “البرلمان وحقوق الإنسان مرجعيات وممارسات” للباحث عبد الرزاق الحنوشي بـ”عمل الاستثتائي من نوع خاص، نتيجة للتجربة والخبرة العملية، وبحثا ميدانيا توثيقيا متخصصا دقيقا يحتوي على معلومات ومعطيات كمية ونوعية مما جعله يفتح أبواب ونوافد على عوالم غير مفكر فيها من قبل”، داعيا إلى تأسيس مركز وطني للبرلمان وحقوق الانسان.
وأوضح زنيدر خلال مشاركته في لقاء قراءة لهذا الكتاب الصادر، عن مطبعة “المناهل” بالرباط، نظمته مؤخرا بالعاصمة “حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحيي”، بالتعاون مع “جمعية أمل يعقوب المنصور للتضامن والتنمية”، إن لحقوق الإنسان أهمية كبيرة في حياة الشعوب، فانتهاك الحقوق والحريات قد تكون سببا في نشوب النزاعات والحروب وذريعة لفرض العقوبات الاقتصادية على الدول، بل قد تكون سببا للتدخل العسكري وقلب الأنظمة السياسية وخلع رؤساء الدول.
وأضاف أن احترام حقوق الإنسان من عدمه أصبح مقياسا للحكم على الأنظمة السياسية والدول، وبالتالي فأهمية البحث تظهر من خلال تناوله لموضوع جد حساس ومؤثر في حركية التاريخ الحديث. وأشار إلى أن الباحث وبشكل برغماتي يعرف الحقوق على أنها تلك المعترف بها من قبل الدولة والمدرسة في الدستور وفي القانون الدولي، وهو التعريف العملي الذي سيحتاجه لتحليل ودراسة مختلف محاور كتاب “البرلمان وحقوق الإنسان مرجعيات وممارسات”.
وقال في هذا الصدد إن ” بداهة وذكاء الباحث، جعله يقارب مفهوم الحقوق إعتمادا على “مبادئ حقوق الإنسان الحديثة” ليحدث بذلك قطيعة مع كل من يرى بأن حقوق الإنسان سابقة في الزمن تاريخ الثورات الليبرالية خاصة الثورة الفرنسية واستقلال أمريكا. كما قارب من الناحية المنهجية، بشكل جدلي موضوعه انطلاقا من محاور ثلاث: – البنيات والهياكل؛ – الوظائف والأدوار؛ – فالعلاقات؛ حيث تناول البرلمان كتشكيل في بنيات متعددة وكوظائف متعددة ومتنوعة وكعلاقات في سياقات مختلفة ومع فاعلين مختلفين وفي تماس مع حقوق الإنسان.
وبعدما ذكر بأن رصد الأداء البرلماني خلال ولاية تشريعية كاملة، يتطلب تجنيد فريق عمل متعدد ومتنوع التخصصات، كما أن عملية من هذا النوع تتوقف على جمع معطيات ومعلومات شاملة عن مختلف الأنشطة البرلمانية، تتطلب كذلك إمكانيات مادية ومالية كبيرة، قال المتدخل إن الباحث” تمكن من النجاح والتوفيق في تجاوز مجموع هذه التحديات، والكتاب الذي بين أيدينا شاهد على هذا التفوق” موضحا أن المؤلف تمكن من مواكبة ومراقبة العمل البرلماني وتقييم أداءه خلال الولاية التشريعية العاشرة، معتبرا أن مسؤولية تتبع العمل البرلماني تعد مسؤولية أصيلة للأحزاب السياسية، غير أنها معطلة.
وأشار كذلك إلى أن الباحث بين من خلال مؤلفه الامكانات المتاحة للبرلمان للرقي بالوضع الحقوقي، وكذلك بأداء المؤسسة التشريعية، وذلك من خلال ما يتوفر عليه البرلمان من اختصاصات في مجال التشريع، أو من خلال وظيفته التقليدية المتمثلة في مراقبة عمل السلطة التنفيذية، أو من خلال العمل الموازي خاصة وظيفة الدبلوماسية البرلمانية. وأبرز أن الباحث لا يتوجه فقط للبرلمانيين دون غيرهم، بل كذلك للحكومة وللبرلمان بمجلسيه ومجموع مكوناتهما من فرق برلمانية ولجان دائمة ومؤقتة وأغلبية ومعارضة، كما يهم الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الحقوقية وغيرها من منظمات ومؤسسات المجتمع المدني المهتمة بقضايا المرأة والطفولة والشباب والأشخاص في وضعية إعاقة وباقي الفئات الاجتماعية التي تعاني من ضيق أو حرمان من إحدى الحقوق أو الحريات.
وأكد زنيدر أن المؤلف الذى هو “عبارة عن خارطة الطريق للعمل المؤسس في مجال حقوق الإنسان”، فالمؤلف يعد بوصلة توضح الامكانات التي يتيحها الاهتمام بالشأن البرلماني كوسيلة أساسية للارتقاء بقضايا حقوق الإنسان. ةمشيرا الن الكتاب يعرض بشكل دقيق دور البرلمان بمختلف مكوناته والبرلمانيين على اختلافهم في المجال وكيف يمكن تطوير الأوضاع الحقوقية.
إذ لم يكتف المؤلف بذلك، بل إنه يثير الانتباه أيضا إلى إمكانية تعاون البرلمان والبرلمانيين، مع منظمات المجتمع المدني وباقي المؤسسات بغية الارتقاء بالعمل الحقوقي، وبذلك يعتبر المؤلف مرجعا أساسيا للفاعل الحقوقي والسياسي، وهو دعوة للتعاون والتكامل والمشاركة وتكثيف جهود مختلف المتدخلين في العمل البرلماني لتجويد وتنمية أداءه خدمة لقضايا حقوق الإنسان.
اعتبر ان الباحث يتناول الموضوع الأكثر إحراجا للحكومات والدول، وهو لا يشكل فقط أهم مواضيع السياسات العمومية، بل انه يدعوا لمقاربة مختلف المواضيع اعتمادا على حقوق الإنسان. ويرى زنيدر أن المؤلف يمكن أن يكون منطلقا لبناء مادة دراسية تدرس بكليات الحقوق تحمل اسم: “التشريع وحقوق الإنسان”، أو “العمل البرلماني وحقوق الإنسان”، كما يمكنه أن يكون موضوعا للتكوين بجامعات موسمية وورشات للتحصيل لصالح الأحزاب والنقابات والجمعيات الحقوقية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، فصياغة الكتاب تأتي في شكل مجزوءة دراسية، ويمكن تقسيمه إلى وحدات دراسية، وتوزيع مضامينه إلى مقاطع بيداغوجية وفضاءات ديداكتيكية، فالكتاب يفسح المجال للدراسة النظرية والتكوين العملي، يمكن أن يكون التدريس في شكل محاضرات نظرية وحصص توجيهية وأوراش تطبيقية.
وشدد على الاشتغال الأمثل للكتاب قد يسهم في تنمية قدرات البرلمانيين، كما يمكن أن يساهم في خلق خبراء دوي قدرات ومهارات عالية متخصصة للترافع والدفاع في قضايا حقوق الإنسان، فضلا عن كونه قد يشكل مجزوءة من وحدات دراسية في العلوم السياسية أو القانون الدستوري أو حقوق الإنسان وغيره من الوحدات الدراسية. موضحا أن هذه المجزؤة التي بدورها قد تتجزأ إلى حلقات ومواد دراسية صغرى قصد تحقيق تنمية كفاءات المرشحين للاستفادة وتنمية وتمهير قدراتهم للارتقاء بالعمل البرلماني وتحسين وضعيات الحقوق والحريات بهذا البلد الذي لازال بحاجة كبيرة لمقاربة سياساته العمومية اعتمادا على حقوق الإنسان.
وخلص إلى القول إن المؤلف يمكن أن يشكل أرضية وتصور منطلق لتأسيس مركز وطني حول البرلمان وقضايا حقوق الإنسان. كما يمكن أن يشكل منطلقا لإعداد تقارير سنوية أو تقرير كل خمس سنوات حول حصيلة العمل البرلماني وحقوق الإنسان، وهو ما يتطلب أن يواصل الباحث مجهوده العلمي بالعمل على تأليف طبعات أخرى منقحة ومزيدة، في إطار مواكبة التحولات الأدبية التي قد تعرفها القوانين الدولية، وتلك التي يشهدها الأداء البرلماني.