طنجة البداية.. طنجة المنتهى
أفق يكتبه: صدوق نور الدين
نجمة
أتحدث عن مطعم صغير في طنجة، و ليس عن رواية الجزائري “كاتب ياسين”. إذ سألني النادل “عبد النور”، لمَ لمْ أنه وجبة منتصف النهار، فيحدث أن ثمة ما قد لا يعجب. وأضاف: وفي هذه الحالة ينبغي أن تخبرنا بغاية تفاديه مستقبلا.
عندها أحسست ولأول مرة بأخلاق المسؤولية، وبالصدق في التعامل. قلت: لو كان ثمة ملاحظة لأبديتها، لولا أني جئت على تناول فطوري متأخرا وقد هزمني ليل طنجة الذي لا ينتهي.
اللهم أدم علينا نعم طنجة التي لا تشبه في شيء، أية مدينة مغربية ثانية.
من بعيد
تابعت وقائع مؤتمر اتحاد كتاب المغرب التاسع عشر من بعيد. كنت أقضي أسبوعا في طنجة.
بداية قبل اليوم المفترض للافتتاح، حرصت على قراءة الملاحق الثقافية وصفحات المنوعات عساني أعثر على خبر، أو على تلك “الحرارة” التي تسبق كالعادة يوم الافتتاح، لكن دون جدوى. عندها أحسست بأن مؤتمر الأدباء والكتاب لم يعد يحرك ساكنا. إذ ومنذ آخر مؤتمر عقد في “الرباط” عومل الكتاب باحتقار وازدراء كبير. عندها حرصت على الفرار باكرا برفقة القاص والروائي “عمرو القاضي”.
إلا أني كنت متيقنا بأن المؤتمر القادم لن يمر بـ “المعنى” ذاته و”الصيغة” كذلك. وهو ما تأكد في طنجة، إذ الضرورة تفرض استعادة الاتحاد دوره النضالي وحضوره التاريخي والإبداعي المعهود، كما صدق النوايا الحريصة على حفظ صورة منظمة امتازت على امتداد تاريخها بقوة الحضور وجديته.
بين “المجاطي” و “سعدي”
كتب الراحل الشاعر “أحمد المجاطي” في ديوانه “الفروسية” قصيدة عن “طنجة” وسمها بـ: “كتابة على شاطئ طنجة”، من ضمن ما ورد فيها:
“جبل الريف على خاصرة الفجر
تعثر
هبت الريح من الشرق
زهت في الأفق الغربي
غابات الصنوبر
لا تقل للكأس:
هذا وطن الله
ففي طنجة يبقى الله في محرابه الخلفي
عطشان
ويستأسد قيصر.
***
هل شربت الشاي
في أسواقها السفلى
غمست العام
في اللحظة
واللحظة
في السبعين عام
أم شققت النهر في أحشائها
قلت:
هي اليرموك
والزلاقة الحسناء
من أسمائها
قلت:
هي الحرف
على شاهدة القبر
يغني
وعلى سارية القصر
يموت
وعرفت الله في محبرة الرعب
وقاموس السكوت”.
وأما “سعدي يوسف”، فخص “طنجة” بديوان كامل اختار كعنوان له “ديوان طنجة”. ومن بين قصائده نص “القصيدة العاشرة “:
” نحن في ليل طنجة
ندخل…
لكننا سوف نسأل أنفسنا: كيف نخرج؟
مثل الدروب التي لا تؤدي إلى البحر،
طنجة في الليل.
ليست لديك خرائط كي تقرأ الليل
أو أن ثم خرائط جاهزة للضياع:
أقم حيثما شئت
قل مثل ما شئت
كل مثل ما شئت
واشرب كما شئت.
لن ينفع الأمر
سوف تظل المضيع،
لن تهتدي بالسؤال عن الباب
حتى لو كان الباب أنت…
ومن أنت؟
…
…
…
طنجة قادرة أن تذيقك كأس النعاس الأليم”.
إذن بين رؤيتين تحضر “طنجة ” كأثر، وكتأثير بالرغم من تباين الزمن.
الأمريكيتان
في المقصورة حيث اخترت مجالسة صمتي في القطار الرابط بين طنجة والدار البيضاء، سقطت برفقة أمريكيتين. بداية اعتقدتهما من إفريقيا، و تحديدا “السينغال”. إلا أنهما أكدتا انتماءهما لأمريكا، وبأنهما طالبتان وجهتهما بعد طنجة، مراكش الحمراء.
بيد أن ما أثارني حس المغامرة. إذ ولما كنا في السن ذاته، كان سلطان الخوف يسكننا بقوة. الخوف من عصا الأب النائمة في الزاوية تترقب يده لإيقاظها، والخوف من مجهول يجسده التيه والضياع.
في العاصمة السورية “دمشق” ذات زمن، خاطبني الشاعر “محمد حمدان” ونحن نغادر مكتبة “الأسد” بعد أمسية شعرية رفيعة: ” إن أجمل شيء في حياة السائح، أن يضيع في مدينة لا يعرفها. ثمة تكمن لذة الاكتشاف”.
الخبز الحافي
يوجد في طنجة، و بالضبط في شارع “موسى بن نصير” مطعم وحان يحمل اسم “الخبز الحافي”. وعلى بابه رجل من موظفي الأمن ببذلة زرقاء وبنية جسدية مخيفة. إذ وكلما مررت بهذا الشارع يتلبسني السؤال: “تكريم أم تحقير؟”.
بعيدا عن هذا الشارع، وتحديدا في شارع “المسيرة الخضراء” ثمة مؤسسة “محمد شكري”، وهي مغلقة على الدوام.