الدولار وتلاعب المنظومة السياسية الحاكمة بلبنان
حسين عطايا
انتهت الانتخابات النيابية في مساء الخامس عشر من أيار- ماي، وفي السابع عشر منه كانت قد صدرت النتائج النهائية الرسمية عن وزارة الداخلية، وبذلك طويت صفحة الانتخابات، نجح من نجح ورسب من رسب، ودخل الطرفان المسيحيان بالتلهي “في تعداد الأصوات ونظرية مين أقوى من مين، ومين بيمثل المسيحيين أكثر ومين أكبر كتلة”.
وفي هذا الوقت بدأت الأيدي الخفية التي تتحكم بتطبيقات سعر صرف الدولار بلعبتها الخبيثة في تحريك أسعار الصرف، وبدأ الدولار من جدبد في صعوده وبسرعة لافتة، وبالمقابل تتهات العملة الوطنية بعد إلى الحضيض، لكن “القطبة” المخفية في هذا الأمر بالسياسة، ليست بالاقتصاد.
فالمعروف أن أسعار الصرف تتأثر عادة بتغيير في الأوضاع الاقتصادية، وهذا ما لم يحصل منذ ما قبل وما بعد الاستحقاق الانتخابي، فالظروف لازالت هي ذاتها ولم نشهد تقلبات حادة أو تدهور دراماتيكي في الظروف الاقتصادية المتدهورة أساساً، بل هذه المرحلة تشكل استمراراً لمرحلة مستدامة منذ أشهر، حتى أدرك اللبنانيون بأن الدولار وتقلباته هي نتاج لعبة سياسية، وطعباً هي نتاج تفاهم سياسي اقتصادي تجاري، وبكل تأكيد للبنك المركزي يدٌ في الأمر مع كبار الصيارفة، والمصارف ليست بعيدة عن هذه الأجواء الضاغطة التي تُمارس مهنة الصرافة أيضاً، وفي هذه العملية يجني البنك المركزي والمصارف أرباحاً تُساهم بتخفيض نسبة الخسائر، كما أن البنك المركزي، ومن خلال هذه اللعبة، يجمع الفائض من الليرة اللبنانية المتداولة في السوق، ويراكم أرباحاً تخفف من فجوة خسائره.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، صعود الدولار في الأسبوع الماضي كان مستغربا جدا حيث لامس سعر الصرف الأربعين ألف ليرة للدولار الواحد، وهذا يُعتبر هزة اقتصادية تُلامس السقوط أو الارتطام الكبير، ولكن وللمصادفة أنه ولمجرد تصريح لحاكم البنك المركزي، ولثلاثة أيام ابتداء من الاثنين، سيتم تسليم الدولار للمصارف على أساس سعر منصة صيرفة، وطلب من المصارف ضرورة فتح أبوابها حتى السادسة مساء، واستقبال طلبات الزبائن من الدولار. كما أنه طلب من المصارف دفع رواتب الموظفين بالدولار وفق سعر الصيرفة، وشاهدنا سقوطاً مريعاً لسعر الصرف، ليقفل مساء نهار الجمعة في السابع والعشرين من الشهر الجاري وصول الدولار إلى سعر ثلاثين ألف ليرة، وبذلك تكون الليرة استعادت بعضا من عافيتها، واستمر في اليوم التالي، أي السبت، وصولا إلى سعر ٢٧،٥٠٠ ل.ل، وتتحدث بعض المعلومات عن إمكانية خفض السعر ليصل إلى حدود الخمسة والعشرين ألف ليرة، ليعود إلى ما كان عليه قبل الخامس عشر من أيار- ماي، وبذلك تخالف المنظومة، ويكون البنك المركزي مع المصارف والصيارفة، وكبار التجار من مستوردين وقطاع السوبر ماركت، وقطاع النفط ، قد جنوا أرباحاً خيالية خلال أسبوع واحد، لستستمر مفاعيله أسابيعا قادمة، تحت حجة شراء بضائعهم على سعر صرف الأربعين ألف ليرة للدولار الواحد، بمعنى أن عملية إفقار الشعب اللبناني هي مُسلسل مُستدام، والسيناريو مع الإخراج مع الإنتاج من إنجاز التحالف الاحتكاري السلطوي المصرفي التجاري.
هذا الأمر يدل على أن سعر الصرف لا يرتبط كما في باق الدول بالأوضاع والظروف الاقتصادية، بل بلعبة سياسية مع مصرف لبنان والمصارف وكبار الصيارفة والتجار، عدا عن أن في لبنان حالة فريدة لا يوجد لها مثيل في كل دول العالم. إذ عادة يوجد دوام رسمي لعمل البورصات والصيرفة التي تتحكم بأسعار صرف العملات والسلع، إلا في لبنان، حتى في منتصف الليل نجد أن الدولار يتحرك هبوطاً وصعودا، وفي أيام الآحاد والعطل الرسمية، وهذا أمر فريد بذاته.
وهذا الأمر لا يوجد له مثيل أبدا حتى في أكثر دول العالم فساداً وتخلفاً. ما يضع المنظومة الحاكمة في مواجهة مباشرة مع شعبها، حتى برزت مقولة وكأن الخاسرين أرادوا أن يُلقنوا الشعب اللبناني درساً يثنيه عن خياراته في الاقتراع للمعارضة والتغيريين، مما أدى إلى سقوط بعض أدوات الممانعة وأذنابها.