لبنان أمام مشهد ضبابي مقبل

لبنان أمام مشهد ضبابي مقبل

أحمد مطر

القوى التي صورت الانتخابات النيابية على إنها محطة مفصلية من شأنها أن تضع لبنان على مسار الانفراج سرعان ما خاب أملها، غداة إنجاز الانتخابات النيابية حيث بدأت تتكشف ضبابية المرحلة المقبلة، خصوصاً أن الازمات بدأت تتفجر دفعة واحدة على وقع تصاعد دراماتيكي وغير مسبوق ببورصة الدولار في السوق الموازية.

هناك حقائق لا يمكن تجاهلها، بأن تحالف الثنائي الشيعي والتيار الوطني يمثل الكتلة المرجحة في تمرير أي قانون في البرلمان الجديد، والرئيس بري زعيم أمل ورئيس السن هو رئيس البرلمان، هذا المجلس هو الذي سيشارك في إختيار الرئيس المقبل للجمهورية، هذه حقائق تؤكّد أن لا تغيير استراتيجياً في قواعد المعادلة التي تحسم اللعبة السياسية .

من ناحية أخرى، إذا لم يكن هناك عنصر التغيير الاستراتيجي، فإنّه لا يمكن إطلاقاً التغافل عن “تغيير نسبي فاجأ البعض وهز أركان القوى والمعادلات التقليدية يمكن رصده بشكل إحصائي وبتحليل سياسي موضوعي، اذاً نحن أمام معادلة تقول، نظام قديم يُعاد تدويره في البرلمان الجديد حيث الأغلبية العددية محسومة تقريباً قوى تغييرية جديدة تطل بوجهها في البرلمان، ففي حال ائتلاف قوى التغيير مع القوى المستقلة والكتائب، ومع القوات، واللقاء الديمقراطي فإن ذلك سيشكل جبهة معارضة قوية جداً يمكن أن تُرهق ائتلاف الثنائي الشيعي التيار الوطني الحر.

الأستاذ نبيه بري اللاعب القديم المخضرم الذي يرى ما لا يراه غيره قام بخطوة استباقية، حيث دعا بري إلى أن تحوي أجندة البرلمان الجديد كل المطالب الشعبوية، واستخدم مقررات قوى التغيير ومطالب ثوّار تشرين، بري المخضرم قام بالمبادرة قبل إنعقاد الجلسة الأولى للبرلمان المخصصة لاختيار الرئيس ونائب الرئيس وهيئة المكتب، ومن المتوقع أن نرى في هذا البرلمان حراكاً غير مسبوق، وأصواتاً عالية، وصراعات قد تؤدّي إلى مشاحنات، كل ذلك مؤهل ومرشح للحدوث بقوة، لكن تبقى مفاصل الدولة متأثرة بحقائق راسخة، دستور 1943 ما زال بمعادلاته يؤثر في اللعبة، والطائف، بنصّه وروحه، غير مطبق.

الكل مدرك، أن عملية تأليف حكومة بسرعة، وبما يناسب الفترة الزمنية الفاصلة عن موعد الإنتخابات الرئاسية، والتي لا تتعدى الخمسة أشهر، هو أمر في غاية الصعوبة، بالنظر إلى صراع القوى السياسية على الحكومة التي ستتسلّم صلاحيات الرئاسة الأولى في حال حصول فراغ في سدّة الرئاسة، وفقًا لأحكام المادة 63 من الدستور من جهة، فضلاً عن عدم فوز أي قوّة سياسية بالأكثرية المطلقة من جهة ثانية، الأمر الذي سيؤدي إلى تبعثر الأصوات النيابية، وهو واقع برلماني لا يساعد على تسهيل عملية تأليف الحكومة، بظل الإنقسام السياسي المعهود بين القوى التقليدية، ودخول قوى جديدة تغييرية تُناصب الخصومة للفريقين. من هنا يتعاظم الخوف من دخول البلاد في دوامة من الجمود والفراغ، تساهم في تعميق الأزمة السياسيّة والإقتصاديّة. أكثر هذه التوقعات وضوحًا، وردت على لسان ديفيد هيل، الذي اختبر جيدا التركيبة اللبنانية خلال عمله كسفير لبلاده في لبنان حيث قال أعتقد أن احتمالية استمرار الشلل السياسي في لبنان ستطول.

ثمة من يعتقد أن لبنان لن يخرج من المسار الجهنمي إلّا بتدخل دولي وحاضنة عربية وتحديدًا خليجيية، وفي مقدمتهم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الذي كشف مؤخرًا في حديث تلفزيوني، أن الدول الخارجيّة والفاتيكان والأمين العام للأمم المتحدة متجاوبون مع ضرورة عقد مؤتمر دولي، علمًا أن ذلك دونه صعوبات تتعلق بانشغالات دوليّة في تداعيات الحرب الروسية الأوكرانيّة، فكيف سيصمد اللبنانيون في الفترة الفاصلة، وأبسط مقومات الحياة الكريمة باتت شبه معدومة.

هناك تخوّف من حدوث اضطرابات أمنيّة على خلفية تفاقم الأزمة الإجتماعية، التي طالت جميع القطاعات ووصلت إلى مستويات خطرة، بما ينذر بانفجار اجتماعي وشيك، خصوصًا إذا فشلنا في تأليف حكومة، تقول المصادر لكن الأمور ستبقى مضبوطة نوعاً ما، ولن يغامر أي فريق إلى حرب أهليّة، إذ ليس هناك قرار دولي بتفجير الوضع بلبنان خوفاً من تبعاته السلبية على الدول الغربية، خصوصًا أن لبنان يستضيف أعدادًا مليونيّة من النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين.

حال مسار التطورات في لبنان لجهة التوصل إلى تسوية تعيد للحياة السياسية انتظامها وتضع حداً لمسار التعطيل المستمر منذ العام 2005، مرهون بالملفات الإقليمية والدولية ومدى تعثرها أو تقدمها، سواء تلك المتعلقة بالحوار السعودي ـــــ الإيراني أو مفاوضات الملف النووي بين طهران وواشنطن .

 

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني