جوائز الصحافة وحقوق الإنسان والحريات في العالم العربي
ريم ياسين
لا شك أن العديد من الصحفيين يسعون إلى أن تنال أعمالهم، ليس فقط الإعجاب، وإنما أن تتأكد ميزتها بالفوز بجائزة، من خلال المشاركة في المسابقات التي تجري في العالم العربي، وأيضا المسابقات العالمية التي كان للثورة التكنولوجية الدور الأبرز في نشرها والتعرف عليها من قبل جيل من الصحفيين يسعى إلى التنافس والشهرة، فيما يعتبر البدل المادي مكافأة تشجيعية على تقديم أفضل الأعمال الصحفية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية.
ويبقى الرهان هو اتسام الجهات التي تنظم هذا المسابقات بالنزاهة وعدم الانحياز، علما أن معظم المسابقات لها شروط ولجان مختصة تقيم الأعمال المشاركة وفقا لمعايير مهنية.
من أبرز المسابقات المعروفة في العالم العربي، جائزة “أريج” السنوية لأفضل التحقيقات الاستقصائية المكتوبة والمصورة، وجائزة البحر المتوسط للصحافة، التي تنظمها “مؤسسة آنا ليند” للصحفيين من دول “الاتحاد من أجل المتوسط”، وجائزة بعثة الاتحاد الأوروبي في مصر للتصوير الفوتوغرافي، و”الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة” في المغرب، والجائزة الدولية التي خصصها الاتحاد العالمي للصحف إحياء لذكرى الصحفي اللبناني جبران تويني، وهي عبارة عن منحة مالية تبلغ قيمتها عشرة آلاف يورو. وجائزة الصحافة العربية التي ينظمها نادي دبي للصحافة منذ العام 1999.
وجائزة “البويز” العالمية التي تقدمها دويتشه فيلله لأفضل المدونات، وللصحفيين الذين يدافعون عن حرية الرأي والمدافعين وحقوق الإنسان.
وجائزة “العين المفتوحة” التي يقدمها موقع مراسلون، الذي يمنح أيضا جائزة خاصة للمقال الحر باسم هاني درويش، وجائزة أخرى تقدمها “مؤسسة ولاد البلد للخدمات الإعلامية” أيضا باسم هاني درويش، وتستهدف الصحفيين المشتغلين بالقصة الخبرية والصورة الصحفية وصحافة الفيديو.
وجائزة أصدقاء الكاتب الصحفي مصطفى الحسيني لأفضل مقال سياسي لصحفي عربي شاب.
وتعتبر جائزة سمير قصير لحرية الصحافة، من أبرز المسابقات التي ينظمها الاتحاد الأوروبي بالمشاركة مع مؤسسة سمير قصير منذ العام 2006، وقد ازدادت شعبية هذه الجائزة سنة بعد سنة، مع تزايد عدد المرشحين من دول حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط والخليج. ويحصل كل فائز على جائزة قدرها 10000 يورو، ويفتح باب التقديم في مارس من كل عام، ويتم إعلان الجوائز في حفل في بيروت في الثاني من يونيو في الذكرى السنوية لاغتيال الصحفي اللبناني سمير قصير.
وهذا العام فاز بالجائزة، عن فئة مقال الرأي: عزت القمحاوي من مصر. وعن فئة التحقيق الاستقصائي: صفاء خلف من العراق. وعن فئة التقرير الإخباري السمعي البصري: إيمان عادل من مصر.
كما جرى تقديم “جائزة الطلاب” التي مكّنت 21 طالباً من جامعات المغرب، ولبنان، وتونس، والجزائر، واليمن من الحصول على فرصة الاطلاع على الأعمال المتبارية والتفاعل افتراضياً مع المرشّحين الذين وصلوا إلى المرحلة النهائية، والتباحث معهم في مضمون مقالاتهم وتقاريرهم. وبعد النقاش، صوّت الطلاب لعملهم المفضّل، فاختاروا تحقيقاً استقصائياً بعنوان “كشافة المهدي: وقائع تجنيد ميليشيات إيرانية الأطفال في سوريا ولبنان”، الذي نشرته الصحافية السورية رقية العبادي (مواليد 1988) والصحافية اللبنانية فاطمة العثمان (مواليد 1989) في موقع “درج ميديا” في 6 أيار/مايو 2021.
“السؤال الآن” تحدثت مع عضو لجنة التحكيم رندى سليم، وهي باحثة عليا ومديرة برنامج حل النزاعات في معهد الشرق الأوسط وممثلة مؤسسة سمير قصير، فأشارت إلى أن “الجائزة تسلط الضوء على أهمية الحريات الصحفية في المنطقة العربية. وهناك حاجة ماسة إلى التركيز الآن على هذا الأمر من قبل الجميع، لأنه عندما ينشغل العالم الغربي بتفكيك نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، تتعرض الحريات للتهديد في المنطقة العربية.
وعن المواضيع التي جرى تناولها في المسابقة، أشارت سليم إلى أن “جميع المشاركات تشهد على وجود بيئة إعلامية مهنية وحيوية في المنطقة العربية. وكان المتأهلون الثلاثة للتصفيات النهائية من كل فئة من الفئات، على نفس القدر من القوة، وتحدثوا عن قضايا ذات طابع عالمي، مثل حق المرأة في الاختيار، وحقوق اللاجئين، وتغير المناخ”.
ورأت أن “ما يميز الأعمال الفائزة عن الأخرى، هي ثلاث صفات: الابتكار في طريقة مناقشة الموضوع قيد البحث وتقديمه للجمهور، أهمية الموضوع قيد المناقشة، وأهمية الموضوع في المناقشات الجارية حول حقوق الإنسان والديمقراطية”.
أما الفائزة إيمان عادل التي كتبت تحقيقا بعنوان “رانيا رشوان التي خلعت حجابها في قرية الجهاديين”، ويتناول رحلة فتاة ريفية مصرية قررت نزع الحجاب، في قرية كانت في التسعينيات معقل تنظيم “الشوقيون” الجهادي، ورغم تصفية الرئيس المخلوع حسني مبارك لقادة هذا التنظيم، فلا زالت الأفكار المتشددة تحكم هذه القرية.
والتقرير يبرز قوة رانيا وسط معركة قاسية بعد خلعها الحجاب، حيث تعرضت للسب والضرب والحبس داخل أحد بيوت القرية من جانب جيرانها، والتحرش الجسدي بها ومحاصرتها، ورغم كل هذا أصرت رانيا على البقاء، على الرغم من كل المساومات لمحاولة طردها وإخوتها من القرية. بدأت رانيا بعد التقرير في رفع قضية ضد المعتدين، بمساعدة المحامي الحقوقي ياسر سعد ومنظمة المرأة الجديدة.
في حديثها إلى “السؤال الان” قالت عادل: “طبعا أسعدني الفوز بالجائزة، لأن هذه الجائزة تحديدا تحمل اسم سمير قصير، وهذا شرف بالغ، أيضا جميع أعضاء لجنة تحكيم الجائزة من أصحاب الخبرة الكبيرة والنزاهة، وهو ما دعمني معنويا، في ظل التشكيك الدائم أن النساء الصحفيات لسن صاحبات مشاريع صحفية واثقة، بعد الفوز زاد إيماني أنني قادرة على إيصال أصوات ضائعة وسط الحالة المصرية المضطربة والمجنونة، التي تهتم بأخبار الشائعات بدلا من القضايا التي تعنى بحقوق الإنسان المقموع”.
وشددت على أن “فوزها بالجائزة ليس فوزاً شخصيا، بل هو فوز لرانيا وشجاعتها ولشقيقها، الذي فقد حياته بسبب التنمر، وفوز للبنات الريفيات اللواتي ينشأن على كافة أشكال كتم الصوت، لكن في النهاية تعلو أصواتهن لتصدم الجميع، ويضربن مثالا حيا على الشجاعة والإرادة وحرية الاختيار”.
وأكدت: “لن أتوقف أبدا عن متابعة أصوات النساء في مصر، لأنهن يمتلكن تجارب فريدة من نوعها وقوية، ولا يحتجن فقط سوى للدعم الإعلامي والحقوقي والقانوني ليغيرن شكل مجتمعنا الظالم”.
وختمت إيمان عادل: “أشعر بالامتنان، لأن رحلتي الشخصية التي تشبه بنسبة كبيرة قصة رانيا، ساعدت في إيصال أصوات بنات بيئتي الريفية، وأتمنى أن تدعم تجربتي فتيات أخريات من قريتي بالصعيد، وفتيات أخريات من مصر بشكل عام، وأن تتسع صدور الأهل لدعم بناتهن، لأن النساء منذ بداية التاريخ قادرات على صناعة الحضارة وقلب الموازين، فمصر تحتاج لمناخ توعية وبيئات مناصرة للمرأة وأماكن لدعم النساء المعنفات وسياق قانوني عادل، أظن أننا في منتصف الطريق، لكننا قادرات على تغيير الواقع ودعم أنفسنا وغيرنا للنهاية”.
من جهته، يشير المسؤول الاعلامي في مؤسسة سمير قصير، جاد شحرور، أن المشاركة المغاربية في المسابقة عادة كانت كثيرة خلال السنوات الماضية، وقد فاز بالجائزة صحفيون من تونس وليبيا والجزائر سابقا، وعلى الرغم من عدم فوز أحد من دول المغرب العربي هذا العام، إلا ذلك لا يعني عدم الحماسة للمشاركة في كل عام للحصول على الجائزة التي لا تميز فيها بين المشاركين وهي تلتزم شروط الحياد والنزاهة.