لحسن زغلول.. رحيل تشي غيفارا “الرحامنة”

لحسن زغلول.. رحيل تشي غيفارا “الرحامنة”

السؤال الآن- مراكش

توفي يوم الأربعاء فاتح يونيو 2022 بمدينة مراكش، المقاوم والمناضل اليساري لحسن زغلول، واحد من رجالات المقاومة الكبار  الذين واجهوا الاستعمار الفرنسي بالجنوب المغربي. في سنة 1959 كان زغلول من مؤسسي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وإثر ما يعرف في التاريخ السياسي المغربي بـ”مؤامرة 16 يوليوز 1963″، اعتقل الآلاف من المناضلين الاتحاديين، وصدر حكم غيابي بالإعدام في حق زغلول، الذي لجأ  إلى الجزائر،.

في الجزائر نجح المرحوم زغلول في نسج علاقات متميزة مع رفاقه المنفيين المغاربة، ومع مناضلي حركات التحرر الوطني في إفريقية وآسيوية وأمريكا اللاتينية. ثم كان من مؤسسي منظمة العمل الديمقراطي الشعبي رفقة رفيقه المقاوم محمد ينسعيد أيت يدر. 

اشتهر بلقب “تشي غيفارا الرحامنة”، وإثر دخوله إلى المغرب انتخب في اللجنة المركزية لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، ثم في هيئات اليسار الاشتراكي الموحد، وحزب الاشتراكي الموحد.

عن رحيل المناضل لحسن زغلول، كتب محمد فكري:

“تعرفت على هذا المناضل الفذ في بدابة الستينيات من القرن الماضي بمقر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بمراكش، الكائن بالرميلة، شارع فاطمة الزهراء. وقد كان مسؤولا في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي عن  مكتب جمعية المقاومة وأعضاء جيش التحرير، التي كان يترأسها المرحوم الفقيه محمد البصري، ولما تم انفصال الجناح التقدمي عن حزب الاستقلال أصبح زغلول مسؤولا عن التنظيم الجديد، الذي سمي “الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال”، ثم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد ذلك، فقد كان سي لحسن زغلول رحمه الله مكلفا تنظيميا وتأطيرا سياسيا بإقليم الرحامنة، الذي يضم الرحامنة وقلعة السراغنة، فهو ينتمي لإقليم الرحامنة جماعة بوشان منه انتقل للسكن بمدينة مراكش. كان سي لحسن زغلول رغم مكانته ودوره في صفوف المقاومة ضد الاستعمار، يعيش حياة بسيطة جدا، مكتفيا بقوته وقوت أولاده، لم يسع للاستفادة من الريع المتمثل آنذاك في توزيع مأدونيات النقل الصغرى منها أو الكبرى، وكذا العديد من الامتيازات الأخرى، والدليل على هذا أنه كان يتنقل على متن دراجة هوائية قديمة طيلة المدة التي عاش بها في مراكش، بهذه الدراجة كان يقضي كل أغراضه، وبها كان يحمل أبناءه الصغار للمدرسة.

في أول انتخابات بلدية جرت في المغرب، كان المرحوم سي لحسن زغلول من بين المرشحين الفائزين عن الدائرة التي يقع بها مقر سكناه، وكان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية هو الذي فاز بأغلبية مقاعد المجلس البلدي لمدينة مراكش، وهذا ما يخوله تولي رئاسة المجلس، غير أن النظام كان له رأي آخر، فعند التهييء لانتخاب مكتب المجلس، تقدم للرئاسة المناضل والقائد النقابي محمد المهدي الورزازي، وكان الجميع متيقنا أن النتيجة محسومة لصالحه، وأنه سيكون أول رئيس للمجلس البلدي لمراكش، وترشح منافسا له المرحوم امحمد بوستة عن حزب الاستقلال، الذي كان أقلية داخل المجلس، وتفاجأ الجميع بفوز المرحوم امحمد بوستة، كيف…؟ الله وهم أعلم بهذا..!! بقيت أغلبية المجلس اتحادية بما فيهم النائب الأول للرئيس، الذي كان هو الرئيس الفعلي، وقد شغل هذه المهمة المرحوم أحمد بنشرقي القيادي السابق في حزب الشورى والاستقلال، ومن الجناح الذي اندمج في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

كان المرحوم سي لحسن زغلول يزاوج بصفته المدير الفعلي لمقر الحزب والمسؤول التنظيمي عن إقليم الرحامنة والقلعة، ومهامه كممثل للسكان في المجلس البلدي، لم يتأخر عن أي جلسة من جلساته، أو نشاط من أنشطته، يدافع عن مصالح السكان باستماتة ودون مساومة.

كان المرحوم سي لحسن زغلول محبوبا من جميع المناضلين الحزبيين، لدماثة خلقه وطيبوبته ووفائه لمبادئه. له تأثير قوي على المناضلين يستمعون إليه ويحترمون آراءه، وقد تعرض لمحاولة الخطف والاعتقال في العديد من المرات، من طرف أجهزة المخزن، نظرا لأنشطته الحزبية والسياسية وتأثيره على الناس، اعتقل عدة مرات، أو بالأصح أختطف ثم أطلق سراحه، وبما أنه كان من قادة المقاومة المسلحة في الجنوب ومن المؤطرين السياسيين، فقد كانت له عيونه داخل أجهزة النظام من الذين كانوا محسوبين على المقاومة، وهذا ما جعله يفلت من الاعتقال مرات عديدة. هكذا أفلت من اعتقالات ما يسمى بـ”مؤامرة 16 يوليوز 1963″، التي اعتقل فيها كل قادة وأطر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذين كانوا يعقدون اجتماعا بالمقر المركزي للحزب بالدار البيضاء، ومحاصرة المقرات الحزبية في المدن المغربية واعتقال كل من يدخلها أو حتى يمر من أمامها. لقد أفلت من هذا الاعتقال وأصبح هو المكلف بالاتصال بمن تبقى من أعضاء الحزب بمراكش وببعض الشباب من أجل الإعداد لمواجهة جديدة مع الحكم الفردي، كما كان يسميه آنذاك الاتحاديون، لكنه في الأخير اضطر للخروج من المغرب، بعد أن تم اعتقال المرحوم الحاج محمد أطلس على متن دراجة زغلول المشهورة، التي أشرت إليها سابقا وبصحبته حقيبة سلاح، وقد وجهت للمرحوم محمد أطلس ومن معه تهمة التآمر ضد الأمن الداخلي للدولة ومحاولة اغتيال الملك الحسن الثاني. في المحكمة حكم على الحاج محمد أطلس بالإعدام حضوريا، وعلى المرحوم سي لحسن زغلول والرفيق محمد بنسعيد آيت إيدير بالاعدام غيابيا.

وقد عاش المرحوم سي لحسن في الجزائر كلاجئ سياسي، وإثر الخلاف الذي حدث بين الفقيه محمد البصري، وبعض القياديين من المقاومة حول تقييمهم للوضع السياسي وسبل الكفاح ضد المخزن، انضم المرحوم زغلول لتيار الرفيق محمد بنسعيد والمرحوم محمد باهي حرمة ومولاي عبد السلام الجبلي وحميد برادة والمرحوم رشيد سكيرج، تنظيم عرف بتيار “ج”، اندمج بعد ذلك في منظمة “ب” وانبثقت عنه  “منظمة 23 مارس”، ثم منظمة العمل الديمقراطي الشعبي.

أما محمد البكري فكتب عن ذكريات لقائه مع الراحل لحسن زغلول، في إحدى دورات معرض الكتاب بالجزائر مطلع التسعينيات:

“في رواق” منشورات عيون المقالات “(وهي غير المجلة من حيث التسيير) تعرفت على المناضل المقاوم المرحوم لحسن زغلول وابنه وتوطدت العلاقة لحظتها، بفضل الصديق بلكبير ع.ص. حتى استضافني المناضل الكبير في بيته وتجول بي عبر مدينة الجزائر بسيارته، وكنا لا نتكلم إلا عن تجربته ورفاقه والوضع والخروج من الأزمة، بقينا نلتقي طوال أيام المعرض.. كان واضحا، صريحا، عميق الاستنتاجات بحق، وديمقراطيا بليغا… مفكرا متزنا.. (أتمنى أن أذكر إحدى درره التي استوعبتها مع الوقت).. كل ذلك جعلني أتذكر تحليلات المرحوم عبد الله إبراهيم وحواراته الشفوية وتدخلات سي محمد بنسعيد وآخرين من نفس الطينة.. فأفهم الفرق الشاسع بين أصحاب الشعارات الفارغة والمتسرعين، الصاروخيين والشحانين وبين هذه الفئة النبيلة… حكيت ما وقع لأحد أصدقائي – الصارمين المتزنين- من قدماء مراكش، وكان لم يره من زمن، فحكى لي – بكل تقدير وحماس إلى حد الاستغراب – كيف كان يؤطرهم، إلى حد أنه كان يربط لهم علاقات دراسة ونقاش وتفاعل وطيدة بشبيبة الحزب الشيوعي المغربي..

فرددت: هكذا فليكن الوحديون!… هذه النزعة الوحدوية دمرها الفئويون التشتيتيون، الذين كان كل وكدهم الزعامة في حوانيت صغيرة هي أفضل عندهم من كل بناء جامع… موحِّد فعلا لا موحَّد شكلاً أو غصباً..

شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *