بوسلّة.. لغز في تجارة المخدرات
حسين عطايا
في لبنان، وبعد أن تعاظم دور حزب الله، وسيطرته على مناطق عديدة، ومنها على وجه الخصوص مناطق البقاع الشمالي (مناطق بعلبك الهرمل – ومنطقة ضاحية بيروت الجنوبية)، فكانت تلك المناطق قبل سيطرة حزب الله، مناطق لبنانية عادية كباقي المناطق، تعيش الحالة اللبنانية بكل تفاصيلها، بينما يوم بدأت سطوة حزب الله تزداد في هذه المناطق، أصبحت تتكاثر فيها أعمال الجريمة والخروج عن القانون، وبدأت تتعالى أعمال الخروج عن القانون، حتى أصبحت تلك المناطق أوكاراً للجريمة المنظمة، وبحماية مظلة حزب الله، الذي بدأ يرعى كل أعمال المخلين بالقانون، ويؤمن لهم الحماية الكاملة، لا بل يستفيد من أعمالهم.
مما لاشك فيه، لو عدنا إلى مرحلة أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، حيث نشط حزب الله، وتُعتبر هذه الأعمال من صلب ممارسات حزب الله، من تزوير العملة في البدايات، ومن ثم خطف الأجانب في فترة أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات، وفي كل ذلك خدمات مجانية لإيران الراعية لحزب الله ولأعماله، وقد كانت تلك الأعمال، ولازالت، هي من أساسيات برامج التمويل الذاتي لحزب الله، عدا عن الموازانات المالية الآتية من طهران .
من هنا كانت الأجواء مؤاتية جداً لولادة أشباه كثيرة لمثل “أبو سلّة”، وهم كُثُر، من نوح زعيتر إلى غيره. الكثيرون منهم اعتقلته القوى الأمنية، ومنهم من قُتِل أثناء المداهمات.
من هو أبوسلّة:
هو علي منذر سليمان زعيتر، من مواليد بعلبك، عمره بحدود اثنين وأربعين عاماً.
بدأ بأعماله في منطقة الروضة، أو نيوجديدة، منطقة الزعيترية، حيث انطلق بتجارة المخدرات، وأخذ اسمه “أبوسلّة” من سلّة كانت تتدلى من شقته بها المخدرات، كان يرفعها بعد أن يستلم منها الزبون البضاعة ويضع فيها المعلوم “أي الثمن”.
تعرضت شقته في الزعيترية إلى العديد من عمليات الدهم، مما استدعى انتقاله إلى مسقط رأسه في منطقة حي الشراونة، حيث حي آل زعيتر، حتى يشعر بأمان كونه في أحضان عشيرته، هناك بنى منزله الذي تعرض للعديد من المداهمات قبل إتمامه. وأصبح يعيش حياته عادية دون تواري، بل يتجول بسيارته ومعه مجموعة من المسلحين من أتباعه.
لم يكتف أبوسلّة ببناء منزله، بل بنى بقربه ما يُعرف بالديوانية، والتي يستقبل فيها تُجار المخدرات وبعض الشباب المدمنين.
بالإضافة إلى مبنى خاص لتصنيع المخدرات وتوضيبها، يمتلك مصنعا لأقراص الكبتاغون.
صدرت بحق أبوسلّة عددا كبيرا من مذكرات التوقيف، منها ٣٩٩ مذكرة توقيف بجرائم تجارة مخدرات ، وتجارة أسلحة ، وإطلاق نار، واعتداء على الجيش والقوى الأمنية.
كما صدرت مئات وثائق الاتصال والإخبارات بحقه، وتفوق الألف، لذلك صار أبو سلّة من أخطر مروجي المخدرات والجريمة المنظمة في لبنان، ويستعمل في تجارته طُرقاً تختلف عن الآخرين، باستخدامه لشبكات موزعة تتشكل من عناصر يستغلهم، كما يستغل سائقي سيارات “الفانات” العمومية التي تنقل الركاب ما بين البقاع وبيروت وباقي المناطق اللبنانية، حيث تمتد شبكة تجارته في الممنوعات.
بدأ أبو سلّة أعماله أولا بتجارة بعض أنواع الحبوب المخدرة التي تُباع عادة في الصيدليات، لكنها تتطلب وصفة طبيب، فكان هو يؤمنها للزبائن بسعر مرتفع.
لم يكتف أبوسلّة بهذه الحبوب، بل كان أبرز اختصاصه تجارة “السيلفيا” التي اشتهر بترويجها، كما أنه يتاجر بالحشيشة والماريجوانا والويد (نوع من الحشيشة)، وكذلك الكوكايين والباز، وكافة أنواع الحبوب من (xtc وكبتاغون، والفراولة، ودواء الترامادول الممنوع من البيع دون وصفة طبيب، كذلك البنزكسول، والريفوترين).
كما لا يغيب عن بال أحد بأن أبوسلّة محمي من العديد من مسؤولي قوى الأمر الواقع، ومقابل ذلك يقدم العديد من الهدايا القيمة لأؤلئك المسؤلين الذين يوفرون له الحماية، كما يضاف إلى ذلك صلات له وتواصل مع بعض العناصر من الأجهزة الأمنية، مما يوفر له سُبُل التواري عن أعين الأجهزة الأمنية والفرار في كل مرة يتعرض للمداهمة.
هذا غيض من فيض أعمال أبوسلّة، الذي كانت ذروة أعمال السلطات الأمنية والعسكرية تجاه أبوسلة في الثاني من حزيران – يونيو، بعد مراقبة دقيقة وعمليات بحث وتحرٍ، قامت قوة من مخابرات الجيش اللبناني بمداهمة منزله، لكنه تمكن من الهرب، بواسطة غرفة عمليات التي أعدها والمرتبطة بشبكة كاميرات مزروعة بعدد من الطرقات والأزقة الموصلة إلى منزله. وقد تفاجأت القوة الأمنية بوجود نساء ومدنيين في المنزل المداهم، مما أدى إلى سقوط شهيد من الجيش.