كيف ستخترق روسيا حصار كالينينغراد؟ هذا هو السؤال الآن!
د. زياد منصور
شكل قرار ليتوانيا عدم السماح بعبور السلع والبضائع من الدول الواقعة تحت العقوبات الأوروبية إلى كالينينغراد، تهديداً خطيراً، ينذر باحتمال اندلاع نزاع جديد.
إلى الآن لا تزال روسيا تحاول حلّ هذه المشكلة المستجدة عن طريق القنوات الديبلوماسية المتاحة، لكن في مقابل ذلك بدأت تظهر دعوات وترتفع أصوات في الداخل الروسي، مطالبة باختراق الممر البري نجو كالينينغراد عبر ليتوانيا عن طريق استخدام القوة العسكرية.
تقيم روسيا وبعمق قرار ليتوانيا وقف الترانزيت، وبالطبع في نهاية هذا التقييم والتحليل، سيصار إلى اتخاذ الخطوات الضرورية للرد على ها القرار، وهذا ما عبر عنه السكرتير الإعلامي للكرملين ديمتري بيسكوف. على مستوى آخر ظهرت في المجلس الفيديرالي اقتراحات بضرورة اتخذا رد عنيف وشديد بحق فيلنيوس، بحيث إذا لم يبادر الاتحاد الأوروبي إلى تصحيح الوضع القائم وهذه الخطوة الوقحة كما عبر عن ذلك المسؤولون الروس، فإنه بذلك يكون قد تنكر إلى جميع الوثائق والاتفاقيات المتعلقة بعضوية ليتوانيا في الاتحاد الأوروبي، وبالتالي سيطلق هذا الأمر يد روسيا لحل مشكلة عبور السلع إلى كالينينغراد التي افتعلتها ليتوانيا عن سابق تصور وتصميم، وبكل الوسائل الممكنة […]. جاء هذا في تصريح لأندريه كليموف رئيس لجنة مجلس الشيوخ لحماية سيادة الدولة الروسية.
ما الذي حصل؟
يوم السبت الماضي تلقت محطات سكك الحديد في كالينينغراد إخطاراً من الليتوانيين أعلنوا فيه وقف الترانزيت نحو كالينينغراد خصوصا على تلك السلع الخاضعة للعقوبات الأوروبية. من السلع المحظورة هناك حوالي 50 % من مجموع هذه البضائع، بما فيها مواد البناء والمعادن والأهم الوقود “الفحم والبنزين، والديزل وغيرها”.
صحيح أن الجانب الليتواني أكد أن كل البضائع المحملة قبل 17 حزيران -يونيو يسمح لها بالعبور عبر أراضيها، لكن بعد ذلك سيدخل الحصار الجزئي على السلع الروسية موضع التنفيذ.
عملياً فإن المشكلة التي خلقتها ليتوانيا بدأ التغلب عليها، كما أن حاكم منطقة كالينينغراد أنطون أليخانوف، رأى أن تلك البضائع القدمة إلى المنطقة، والتي لم تخضع للعقوبات ستستمر في العبور نحو روسيا عن طريق السكك الحديدية، وبالتالي سيتم الافراج عن العبارات التي تبحر من بحر البلطيق نحو منطقني كالينينغراد ولينينغراد، غذ أنه منذ 25 حزيران – يونيو فإن الحمولة الخامسة على التوالي – حمولة السفن تصبح جاهزة لدخول خط العبارات من سانت بطرسبورغ، ومن المقرر أن يتم تسليم البضائع إلى ميناء بلطييسك وكالينينغراد. أما العبارات التي تبحر بينم بلطييسك وكالينينغراد من مصب لوغا (منطقة لينينغراد) متجاوزة البلدان الأخرى، يمكنها نقل أي شحنة باستثناء المواد المشعة، ذلك ان السلطات درست جميع الخيارات للتوريد.
بينما يستمر النزاع بين روسيا وموسكو حول ما إذا كانت البضائع خارج المياه الإقليمية ام لا، سيبقى على روسيا نقل البضائع عبر الطرق البحرية، وهنا يؤكد المراقبون كما السلطات المحلية، أنه لن تكون هناك مشكلة على هذا الصعيد. إذ أن هناك عدد كاف من السفن في روسيا، ويمكن شراء المزيد إذا لزم الأمر، لكن القضية هنا مختلفة، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع كبير في تكلفة النقل، حيث سيكون من الضروري توصيل البضائع إلى السكك الحديدية ومنها إلى الموانئ، ثم يحب نقلها بالعبارات إلى ميناء كالينينغراد، ثم تسلمها مرة أخرى وتحميلها من الميناء.
هنا فإن سكان كالينينغراد يخشون النقص في السلع “بسبب نقص الخدمات اللوجستية، وأيضاً قبل اتقان سلاسل وطرق النقل الجديدة عبر البلطيق”. رغم ذلك يعيش السكان في كالينينغراد حالة من التريث والهدوء، ولا يسود الذعر أو الخوف، لكن هناك قلق من الخلفية المقلقة على الإقليم الواقع بين دولتين، هما الكثر عدائية لروسيا، وهما بولونيا وليتوانيا.
يمكن لروسيا أن تحل مشكلة الإمداد، لكن الحقيقة هي أن فيلنيوس تفرض حصاراً، مما يخالف الاتفاقيات السابقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي: “عندما تم ضم دول البلطيق إلى الاتحاد الأوروبي، كان هناك ضمانات بالحفاظ على عبور الترانزيت بين الإقليم وبقية الأراضي الروسية، وهذا ما يجب ان تتذكره دول البلطيق”، وفق رأي المسؤولين الروس. فاتفاقية الشراكة بين روسيا والاتحاد الأوروبي الموقعة في 24 حزيران – يونيو 1994، تشير بشكل واضح إلى الالتزام بضمان العبور الحر للبضائع عبر أراضيها.
روسيا كانت تراهن على ممر عسكري!!
عبور الترانزيت عبر السكك الحديدية الذي يتم بموجبه عبور الركاب والبضائع عبر ليتوانيا هو نتيجة لاتفاقية بين بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي وموسكو. في أوائل العقد الأول من القرن 21، عندما كانت ليتوانيا ترغب في التوجه نحو الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، اتفقت بروكسل مع موسكو على حرية عبور الركاب والبضائع.
وافق الكرملين على الرغم من أنه حاول سابقاً الضغط على ليتوانيا للموافقة على ممر عسكري أو وجود دائم للقوات الروسية، الأمر الذي من شأنه في الواقع وضع حد لتطلعات ليتوانيا نحو الأطلسي في حينه.
دخلت آلية العبور المبسطة حيز التنفيذ في تموز – يوليو 2003، أي قبل أقل من عام على انضمام ليتوانيا إلى الاتحاد الأوروبي في 1 أيار- ماي 2004.
الآن يقول المسؤولون في فيلنيوس أنه بسبب هذه الاتفاقية لا يمكن للبلاد ان تتخذ خطوات أحادية الجانب. إذ يدخل حوالي 100 قطار إلى ليتوانيا من بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن هذا يعني الحاق الضرر بروسيا بسبب عمليتها العسكرية في أوكرانيا، ومع ذلك يرى البعض أن تقليص النقل بالسكك الحديدية ليس حصاراً.
مخاوف بشأن ممر سوالكي!
يمكن القول ان أي رد فعل روسي محتمل على اغلاق الطريق يركز على المخاوف بشأن ما يسمى ممر سوالكي، حالياً تمر الحدود بين بولونيا واستونيا عبر هذه المنطقة.
هذه القطعة الصغيرة من الرض التي يبلغ عرضها حوالي 70 كلم، تفصل كالينينغراد وبيلاروسيا وتسمى كعب أخيل الناتو (نقطة الضعف المميتة).
عملياً نقطة الضعف هذه تعني أن الغزو سيعزل استونيا ولاتفيا واستونيا عن بقية الناتو.
إشارة أخيرة إلى أن الممر البري يقع على الحدود البولندية، الليتوانية وبين جيب كالينينغراد الروسي حيث التواجد العسكري الكثيف، وبيلاروسيا حليفة الكرملين. ويشكل هذا الممر الاستراتيجي مصدر قلق في الحرب الدائرة بين أوكرانيا وروسيا لأنه في حال تم الاستيلاء عليها، ستعزل دول البلطيق الثلاث عن بقية الناتو، وهي بولندا وليتونيا وبيلاروسيا.
ويفصل الممر بيلاروسيا عن كالينينغراد، المقر الرئيسي لأسطول البلطيق الروسي ومعزول عن روسيا عندما انفجر الاتحاد السوفيتي. ومن المحتمل إذا لم تعالج هذه القضية أن يصار إلى الإمساك بالممر للوصول المباشر من بيلاروسيا إلى كالينينغراد.