اضطرابات البلقان.. ولا تزال بلغراد تحمي مصالح روسيا

اضطرابات البلقان.. ولا تزال بلغراد تحمي مصالح روسيا

د. خالد العزي

مرة أخرى أظهر البلقان في الأشهر الأخيرة، أنه ليس من فراغ يطلق عليها “برميل بارود أوروبا”. إلى جانب الأزمة الأوكرانية، حيث تتطور الأحداث بشكل كبير، تتزايد التوترات أيضا يوما بعد يوم في البلقان.

ويضاف الوقود إلى النار من خلال أحداث مثل الضغط المتزايد على صربيا، لإجبارها على فرض عقوبات على روسيا.

البيان الأخير الصادر عن سلطات جمهورية كوسوفو غير المعترف بها، حول رغبتها في الانضمام إلى مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. تصريحات الرئيس الكرواتي زوران ميلانوفيتش، بأن السويد وفنلندا لا تريدان الانضمام إلى حلف الناتو، وهو ما ربطه بالوضع غير العادل بالنسبة إلى الكروات في البوسنة والهرسك، والانقسام في اتحاد البوسنة والهرسك نفسه بشأن العقوبات ضد روسيا، عندما جاء قرار الانضمام إلى القيود المفروضة على موسكو تجاوزا لموقف ميلوراد دوديك، زعيم صرب البوسنة.

أما بالنسبة لكوسوفو، فتحاول الجمهورية غير المعترف بها بشكل خاص أن تصبح جزءا من المنظمات الدولية المختلفة، وتقرر على ما يبدو الاستفادة من الأزمة في أوكرانيا، ومن الهستيريا المعادية لروسيا في الغرب. وهكذا، في 12 يونيو2022، تقدمت كوسوفو بطلب للحصول على عضوية مجلس أوروبا. تم ذلك عن قصد الآن، عندما لم تعد روسيا، التي كانت ستعارض بلا شك مثل هذه المبادرة، عضوا في هذا الهيكل.

إذن، تجدر الإشارة إلى أنه، من بين أمور أخرى، لا يمكن أن تصبح كوسوفو عضوا في مجلس أوروبا، لأن طلب العضوية ذاته ينتهك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1244 واتفاقيات واشنطن لعام 2020 (بشأن تطبيع العلاقات الاقتصادية بين بلغراد – وبريشتينا)، الذي تعهدت كوسوفو بموجبه بعدم الانضمام إلى المنظمات الدولية.

على هذه الخلفية، استمرت الحملة القابلة للإلغاء من أجل الاعتراف باستقلال كوسوفو. وفقا للسلطات الصربية، أعلنت أربع دول أخرى مؤخرا (لم يتم ذكر اسم أي منها) عن نيتها إلغاء الاعتراف باستقلال الجمهورية. وفقا للبيانات الأولية، من بينها مصر.

وهكذا، مع استمرار حملة سحب الثقة، فإن الموازين قد تتجه تدريجيا نحو صربيا، عندما لا يعترف أكثر من نصف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بكوسوفو.

كوسوفو – بريشتينا:

إذا تحدثنا عن التقدم بطلب للحصول على عضوية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، فالنسبة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، عليك أن تقطع شوطا طويلاً وأن يتم الاعتراف بك كدولة في الأمم المتحدة. وبشأن الانضمام إلى حلف الناتو، تحتاج إلى حشد دعم الدول الأعضاء. وهنا، بدرجة عالية من الاحتمال، سيكون هناك اعتراض من دول مثل إسبانيا وسلوفاكيا ورومانيا، والتي بالمناسبة، لا تعترف مبدئيا بكوسوفو.

من الواضح أنهم يريدون جذب كوسوفو إلى جميع أنواع الهياكل الغربية، من أجل الحد من تأثير اللاعبين الخارجيين في المنطقة، وعلى رأسهم موسكو وبلغراد، وفي المستقبل، بكين.

وزير الداخلية الصربي ألكسندر فولين قيم رغبة كوسوفو في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، على أنها استفزاز آخر مناهض للصرب. وأشار إلى أن سبب انضمام كوسوفو إلى الناتو هو “استفزاز موجه ضد صربيا من أجل جرها إلى الصراع، وبعد ذلك ننتقل إلى المادة الخامسة التي تنص على سلامة الدول الأعضاء في الحلف، يجب حمايتها”.

البوسنة والهرسك:

كما يمر اتحاد البوسنة والهرسك، الذي تم تشكيله نتيجة لاتفاقيات دايتون للسلام لعام 1995، بأوقات عصيبة. فإن احتمال تفكك بلد يتكون من كيان صربي (جمهورية صربيا) واتحاد البوسنة الكرواتي يلوح في الأفق أكثر فأكثر.

هؤلاء غير راضين عن الوضع الحالي، معتقدين أن الصرب البوسنيين تحت قيادة ميلوراد دوديك يتمتعون بنفوذ وقوة أكبر، ولديهم بشكل عام ميل واضح نحو الانفصالية. قال دوديك عن حق في أحد تصريحاته الأخيرة إنه إذا تم قبول كوسوفو في مجلس أوروبا بما يتعارض مع جميع القواعد القانونية الدولية، فلن يؤخر تقليم  صربيا الانفصال عن البوسنة والهرسك.

كرواتيا:

في واقع الأمر، فإن الوضع الحالي في البوسنة والهرسك هو بالضبط، وفقا للرئيس الكرواتي ميلانوفيتش، سبب رفض زغرب الموافقة على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي. يود الزعيم الكرواتي، الذي دخل في نزاع مرير مع رئيس الوزراء أندريه بلينكوفيتش بشأن هذه المسألة، أن يحذو حذو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مستغلا الموقف، كي يساوم بلاده على أقصى التفضيلات على المدى الطويل  القضايا الدائمة.

لكن بعد بدء العملية العسكرية الخاصة لروسيا في أوكرانيا، اعتمدت البوسنة والهرسك، متجاوزة موقف دوديك، أي من جانب واحد، في انتهاك لقوانين البلاد، قرار الانضمام إلى حزم العقوبات الجديدة المناهضة لروسيا.

الجبل الاسود:

يشارك الجبل الأسود نصيبه في الحفاظ على الاضطرابات الإقليمية، حيث يبدو، في نهاية الشهر الرابع، ومن خلال التقلبات المليئة بالإثارة مع تشكيل الحكومة قد انتهت.

فإن رئيس الوزراء الجديد هو دريتان أبازوفيتش، وهو نائب سابق لرئيس الوزراء من أصل ألباني. وتجدر الإشارة إلى أن هذه العمليات حدثت واستمرت على خلفية الانقسام الكنسي، وهو موقف سلبي صريح لجزء كبير من سكان البلاد تجاه عضويتها في الناتو  من خلال دعم جميع المبادرات الغربية المناهضة لروسيا.

من الواضح أن المجتمع قد سئم من “دكتاتور الجبل الأسود” ميلو ديوكانوفيتش، الذي كان دائما مسؤولا عن البلاد منذ عام 1991، وتقلد مناصب رئيسية عديدة، وفي نفس الوقت يحافظ على تأثير غير مشروط، وهو ما يحدد السياسة الخارجية للجبل الأسود، والتي تذهب تماما بما يتماشى مع الغرب الجماعي.

بالتأكيد الوضع في البلقان يهدر والنهار تحت الرماد لروسيا دور كبير في زعزعة الأوضاع التي تم ترتيبها بغير إرادتها في العام 1999-2003، فقد صربيا قدرتها الفعلية في التأثير في المنطقة بعد صراعها مع إقليم كوسوفو الذي انفصل عنها وبعد انتهاء ترتيب البيت البوسني، من خلال حل الصراع بانتاج مجلس راسي حاولت روسيا التلاعب في هذه التركيبة، والعمل على حله من خلال خروج الجهة الصربية منه، والمطالبة بالعودة إلى أحضان الأمم المتحدة، وهذا ما حاولت فرضه في كوسوفو، لكن حرب أوكرانيا بالنسبة لروسيا أفقدها الكثير من التوازن في اوروبا الشرقية وداخل شعوبها، بالرغم من محاولة بلغراد التعامل  في المنطقة وفقا لخطط روسيا، لكن كما يبدو بأن دور بلغراد محدود وغير قابل للتأثير، بالرغم من القدرة على فرض هزات سياسية.

لذلك تستغل كوسوفو فعليا احتلال روسيا لأوكرانيا، ومحاولتها لضم العديد من المناطق والمدن بقوة الحرب، من خلال التواصل مع الناتو إلى حل جديد بالاعتراف بوجودها دوليا.

لذلك يحاول الناتو فرض أمر واقع، من خلال إعادة ترتيب صفوفه في البلقان، وحل الأزمات العالقة، والتي ستودي إلى تحجيم دور روسيا في البلقان وتقليم أظافره من خلال القيود التي ستفرض على صربيا، والاهتمام بعضوية كوسوفو، وترتيب وضع البوسنة. وقد بدأت الحلول لهذه الأزمة من خلال إدخال كرواتيا في نهاية العام إلى  حوض التعامل باليورو، والتي ستكون الدولة العشرين في الاتحاد الأوروبي التي تستخدم عملة اليورو.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني