في الأدب و صداقاته

في الأدب و صداقاته

 

   أفق يكتبه: صدوق نور الدين                        

 * فن الطيران

كيف تصبح وطواطا؟

1/ يعلمنا تمرين القراءة _ وبالتحديد ما يرتبط بدرس الرواية العالمية _ تقديم أعمال وإرجاء أخرى. تقديم الرواية التي تراهن على الحكاية، وإرجاء النص الذي يؤسس صورته بالانبناء على قوة التجريب دون الغفل عن الحكاية.

2/ أذكر أني في (2005) حصلت رواية “ضريح الأمل” للروائي البيروفي “مانويل سكورزا” (1928/1983). وصدرت عن “دار ورد” سوريا. يومها سهوت عن قراءتها في حينه مثلما عن رواية لذات المؤلف “الطبول تقرع لرانكاس” (وزارة الثقافة/سوريا). بيد أن من الأعمال الروائية التي لم يتح الحصول عليها “الرقصة الجامدة” (دار المحروسة/مصر).

قضى “سكورزا” في حادث طائرة عام (1983) بالقرب من مدريد، وكان التزامه السياسي حتم عليه العيش منفيا في فرنسا.

وأعترف بأني تعلمت من الصديق الشاعر والتشكيلي عبد الرحمن بن حمزة _ وقلة من يعرفونه_ أن قراءة تجربة روائي ما، لا يمكن أن تتشكل إلا من خلال قراءة أعماله الروائية كاملة دفعة واحدة بعد وفاته. من ثم تتحقق الرؤية الجامعة لعالمه الروائي.

3/ استوقفتني في رواية “ضريح الأمل” شخصية امرأة عمياء تتخلق عجائبيتها من قدرتها على تحويل الإنسان إلى طائر (وطواط). إنها “آنادا” التي أخبرت “زاكارياس هو يامان” المتقاعد بأن من لم يعد قادرا على المشي عليه أن يطير : “.. فإذا كنت لا تستطيع المشي لماذا لا تطير.”

هكذا غرست ريشا في ظهره العاري. وأمرته _ فقط _ بشرب الماء. وأما في الأسبوع التاسع، فاستطاع الطيران. أصبح وطواطا. بيد أن من نزعوا إلى تقليده تكسرت ظهورهم على الصخر لأنهم لم يحترموا اشتراطات الطيران.

كثيرون هم الذين لم يعودوا يعرفون كيف يمشون، ويفكرون في الطيران. لكن هيهات أن يطيروا ف “آنادا” العمياء تسكن “ضريح الأمل” كما أراد لها “سكورزا”، ولا تغادره.

*  هزلت 

  الصيغة المضاعفة

1/ هنالك من يقرأون، و يفهمون ما يقرأون.

2/ هنالك من يقرأون، و لا يفهمون ما يقرأون.

3/ و هنالك من لا يقرأون، و لا يفهمون ( ويفهمون)..

   خيري الذهبي

في (2003) تعرفت على الروائي السوري الراحل خيري الذهبي (1946/2022). كان ذلك في الرباط لمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة العربية، حيث نظمت ندوة أدبية كبرى حول “الرواية العربية في نهاية القرن: رؤى ومسارات” (25/26/27 شتنبر 2003). وتعد الامتداد القوي لندوة فاس “الرواية العربية: واقع وآفاق” (1979). و مما جاء في ورقة تقديمية للندوة :

“يحدث هذا من منطلق كون الرواية العربية، اليوم، أصبحت لها أهمية جوهرية ومؤثرة في زمننا الإبداعي ومشهدنا الثقافي، وفي مجتمعنا أيضا، من حيث قدرتها الفائقة على ملاحقة التطورات واستيعاب التبدلات والتغيرات، في مختلف المجالات والمناطق والأزمنة المعقدة والمتحولة باستمرار، تلك التي ترصدها هذه الرواية من منطلقات ومنظورات جديدة ومتباينة.”

دعيت من طرف وزارة الثقافة. وإلى اليوم أحتفظ بنسخة الدعوة ممهورة بتوقيع الشاعر والروائي محمد الأشعري، علما بأن تنظيم الندوة كان مشتركا بين وزارة الثقافة و اتحاد كتاب المغرب. شارك في الندوة من الروائيين والنقاد العرب على سبيل التمثيل: حليم بركات، نبيل سليمان، واسيني الأعرج، حسونة المصباحي، صبري حافظ، محمد برادة، الطاهر بن جلون وغيرهم.

وأذكر أني خرجت للتمشية صباح اليوم الثاني للندوة في شبه حديقة مهملة تقابل الفندق. كان الروائي خيري الذهبي يتمشى أيضا. ولما حييته بادر بالسؤال:

_ لماذا تتمشى في هذا الصباح؟

وكأنه حدس أمرا ما. أجبته:

_ إنني أعاني من روماتيزم القلب.

ارتسمت على محياه علامات الاستغراب. قال متسائلا: كيف وأنت تبدو بعد صغيرا. قلت مبتسما:

_ وهل الأمراض تختار من تصبه؟

امتد الحوار ليشمل واقع الرواية العربية والتحديات التي تواجهها، فألمح لعدم قدرة النقد الأدبي على مواكبة فيض الروايات التي تصدر سنويا. وفي لحظة، انتبه إلى أوراق شجرة، فسألني عن اسمها.

عندها اعترفت بأن ثقافتي في مجال الورود والنباتات ضعيفة جدا، فاندهش موضحا بأن هذا النوع من الشجر لا يتوفر في حدائق سوريا. وأوضحت له بأن روايات الراحل حنا مينه تحوي معلومات دقيقة عن الطبيعة السورية، و هو ما لم يتأت للرواية في المغرب.

رحل خيري الذهبي مخلفا متنا روائيا متميزا. كمثال : “المدينة الأخرى”، “صبوات ياسين”، “فخ الأسماء” و”لو لم يكن اسمها فاطمة”. و هو المتن الذي يستحق الدراسة النقدية الجادة و الموضوعية.

 رسول محمد رسول

لم أعرفه عن قرب. ولكن من خلال القراءة والمراسلة. قراءة ما يقدم على إنتاجه في غزارته وتنوعه وجمعه بين الفكري الفلسفي و النقد الأدبي. والمراسلة التي سال حبرها بيننا.

وضع رسول محمد رسول (1959/2022) بين يدي روايته “أنثى غجرية”(دبي/ 2018). وأظنها كانت الوحيدة، حيث رسم صورة شخصية مغايرة للمرأة الغجرية معيدا لها الاعتبار، ولما تتفرد به من قيم إنسانية. وأذكر أنه نشر دراسة نقدية وافية عن روايتي “مريض الرواية” (دمشق/ 2012) ضمن كتابه “السرد المفتون بذاته” (الشارقة/ 2015). ومن ضمن ما ورد فيها:

” في روايته (مريض الرواية. عثمان يقرأ رواية الروايات) يكرس الكاتب والروائي المغربي صدوق نورالدين شكلا من أشكال (السرد المفتون بذاته) أو ما يسمى بما وراء السرد الذي يوظف مفهوم رواية الرواية، فكل ما يرد في نص(مريض الرواية. عثمان يقرأ رواية الروايات) تفوح منه رائحة تسريد الرواية لكينونتها الأساسية التي تندلق في رواية، ابتداء من العنوان الرئيس في الغلاف “مريض الرواية” وكذلك العنوان الفرعي في الغلاف “عثمان يقرأ رواية الروايات” وصولا إلى المتن الحكائي الداخلي الذي يضم حكايات تدخل في الحكاية الكبرى لرواية (مريض الرواية. عثمان يقرأ رواية الروايات) على نحو متعاضد البناء، خصوصا في ظل وجود “مظروف أصفر” عثر عليه بطل الرواية “عثمان” في حافلة كان يستقلها أثناء تجواله اليومي بالمدينة.”

يبقى القول أن في غياب رسول محمد رسول، يبقى عزاؤنا الوحيد في كتبه ومؤلفاته.

   عمرو بن معد يكرب

       ” ولقد أسمعت لو ناديت حيا              ولكن لا حياة لمن تنادي

         ولو نار نفخت بها أضاءت                 ولكن أنت تنفخ في رماد “

Visited 5 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

صدوق نور الدين

ناقد وروائي مغربي