التخطيط الاستراتيجي علاج من أجل لبنان
نسيب شمس
يُعدّ التخطيط الاستراتيجي سمة من سمات عالمنا المعاصر، وما من دولة تسعى لضمان مستقبل أفضل إلا وتتبنى التخطيط الاستراتيجي منهجاً ومساراً لتطوير مؤسسات الدولة وإعادة بنائها، ولقد أصبح العالم شديد الحاجة للتخطيط في ظل التطورات المتسارعة والمستجدة. ووستط تشابك المتغيرات المؤثرة في إمكانات الدول وقدراتها، وسعيها لتحديد مكانتها في النظام الدولي، فضلاً عن تأثيرها في مستقبل غيرها من الدول والشعوب.
في الوقت الذي بات النظام الدولي محكوماً بمتغيرات ذات ديناميكية سريعة تنطوي تحت مسمى قوى التغيير، وأغلب هذه القوى لا يخضع لمرتكزات ومراحل خطوات التخطيط الاستراتيجي المستقبلي، مما يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات والفوضى غير المسبوقة والتي تبتعد عن الإطار المتعارف عليه من القيم الحضارية والتقدم سعياً وراء التغيير الرديكالي، ولكن دون نتائج واضحة وفاعلة، ولا تفضي إلى أي مردود أو مكسب إيجابي حتى للقائمين على تلك العملية برمتها.
وفي ظل ما تعيشه معظم الدول النامية بمؤسساتها وشعوبها من مشاعر خيبة الأمل تجاه الحكومات، وفقدان الثقة بالمسؤولين السياسيين بسبب الفساد. يصبح تغيير النظام السياسي هدفاً للشعب، لكن كثير من قوى التغيير عندما تقدم على عملية التغيير السياسي، تتفاجأ بعدم قدرتها على إدارة عملية الغيير مما يؤدي إلى الفشل. وهذا ما يجعل التخطيط الاستراتيجي وإدارة عملية التغيير مطلباً حتمياً لضملن نجاح التغيير السياسي ولستقراره.
التخطيط الاستراتيجي نهجاً لإدارة وضبط حدود المستقبل بهدف الاستعداد والجهوزية لمواجهة ما يطرأ من متغيرات مستقبلية غير متوقعة، حيث يمكن للقادة وصناع القرار التنبوء بالفرص المواكبة لعملية التغيير، وكذلك تجنب التهديدات والمخاطر التي قد تنتج عنها.
كما يمنح التخطيط القدرة على التحليل الاستراتيجي بهدف التعرف على نقاط القوة وتيسيرها لصالح التغيير السياسي بما يترافق مع الأهداف والغايات العليا للدولة، ليصار على وضع الخطط الاستراتيجي وتنفيذها ومراجعتها وتقييمها.
التخطيط الاستراتيجي هو “التنبوء بما سيكون عليه المستقبل مع الاستعداد لجميع التحديات في المستقبل” هكذا عرّف العالم الاميركي هنري فايول التخطيط الاستراتيجي، الذي يُعد فناً وعلماً لتطوير استخدام قوى الدولة الشاملة في السلم والحرب لتحقيق الأهداف والغايات القومية للدولة التي يحددها متخذي القرار وتؤثر على سياساتها الداخلية والخارجية، فضلاً عن تعزيز مكانتها الجيوسياسية والجيواستراتيجية من خلال توظيف وتنمية قدراتها وإمكاناتها كافة، وفق معادلة التوازن بين الزمن والموارد والأهداف ووالمتغيرات المؤثرة.
إن عملية التخطيط الاستراتيجي تتم وفق خطوات محددة ومدروسة، أبرز الخطوات؛ هي:
1 ـــ المعلومات والبيانات: حيث يعد توفر قاعدة بيانات ومعلومات دقيقة وحديثة أحد المطالب الاساسية لمن يقوم بالتخطيط.
2 ـــ الأهداف الاستراتيجية: يعد تحديد الأهداف الرئيسية والمتناسقة مع الغايات العليا للدولة خطوة همة وأساسية.
3 ـــ الأدوار والمسؤوليات: تعيين الأدوار والمسؤوليات نهن لتعزيز التمسك بالقيم والأهداف، مع وجوب ابلاغ المسؤوليات المحددة لجميع الكوادر.
4 ـــ معرفة نقاط القوة والضعف: ليعرف المخطط الاستراتيجي كيفية القيام بالمواءمة بين الأهداف المحددة والموارد المتاحة.
5 ـــ الفرص التهديدات: تلعب دراية صانع القرار وإداركه للبيئة الداخلية والخارجية في تحديده للفرص والتعرف على التهديدات.
6- ـــ الاستراتيجية والخطط والبدائل: وهم مخرجات عمليات التخطيط الاستراتيجي.
وأخيراً، أن التخطيط الاستراتيجي هو نهج علمي وعملي ناجح في إدارة شؤون الدولة المعاصرة. لذلك لابد من اللجوء إلى هذا النهج في لبنان، الذي يعاني ما يعاني، من فقدان لأي توجه أو سياسة تنحو نحو التخطيط الاستراتيجي. ولا شك أن التغيير السياسي مطلوب ولكن ليس في زمن الانهيار الكامل، فالمطلوب هو صناع قرار يعتمدون التخطيط الاستراتيجي كأساس لإعادة البناء وإنقاذ البلاد من قاع الجحيم.