الذكرى الخامسة لرحيل المناضل اليساري محمد معروف

الذكرى الخامسة لرحيل المناضل اليساري محمد معروف

عبد الغني القباج

يوم 26 يوليوز 2017 اخترتَ أو اختارك الموت.. يا رفيقي محمد معروف في هذا السفر الكبير..

وأنت  محمد معروف مناضل في “منظمة 23 مارس” الماركسية اللينينية بعد تأسيسها يوم 23 مارس 1970، اختارك رفاقك، بعد نجاح الطلبة الماركسيين اللينينيين في قيادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، لمهمة العلاقة مع هذا الإطار النقابي الطلابي. وشكل الطلبة آنذاك طليعة النضال السياسي الثوري في مرحلة الصراع على السلطة بين اليسار المناضل ونظام المخزن والتبعية.. قام النظام السياسي يوم 24 يناير بحظر المنظمة الطلابية.. شملك الاختطاف الاعتقال. وصمدت ولم يكتشف الجلادون انتماءك لـ”منظمة 23 مارس” الماركسية اللينينية الثورية.

وحين اكتشف البوليس السري انتماءك السياسي الثوري تعرضت للاختطاف والتعذيب في المعتقل السري “درب م. الشريف”.. اختطافات واعتقالات شملت أطر ومناضلي ومناضلات تنظيمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية “إلى الأمام” و”23 مارس” و”لنخدم الشعب” مرة أخرى بداية من نوفمبر 1974.

استمر اعتقالك  في سجون الدار البيضاء والمركزي في القنيطرة.. ولم تستعد حريتك المفترضة إلا في غشت 1984.

***

منذ نوفمبر 1991 تعرفت على الرفيق محمد معروف في لقاء توحيد اليساريين واليساريات الراديكاليين بمنزل الرفيق عبد الله زعزاع الذي رحل السنة الماضية يوم  11 من مايو 2021. كان للرفاق وللرفيقات مواقف وتصورات ديمقراطية راديكالية، وتحليلات سياسية عميقة وهادئة حول المهام السياسية والتنظيمية لليسار الراديكالي الديمقراطي الجديد.

الرفيق محمد معروف بصوته الخفيض وهدوئه الوارف، بلور تصورا ومواقف تتجاوز الظرفية الزائلة بزوال أسبابها، وطرح ضرورة وضوح الخط السياسي الديمقراطي الراديكالي، وضرورة تنظيم ديمقراطي مناضل يجسد هذا الخط. وبشكل طبيعي وتلقائي واعٍ.

 بدأت علاقتي بمحمد معروف وبرفاق وبرفيقات آخرين لم يتنازلوا عن مبادئ وقيم وممارسة اليسار الراديكالي المناضل.

محمد معروف هذه ذكرى رحيلك الخامسة

رفيقي العزيز محمد معروف.. بعد رحيلك لا شيء تغير جوهريا وفعلا ..

لازالت أغلب مكونات اليسار الراديكالي تـتجرجر فكريا وسياسيا. تطرح الوحدة لـتـنـقسم، لأنها لم تُهَـيِـّئ مشروعها نظريا.. واستمرت ممارستها السياسية تتأرجح بين راديكالية الخطاب وإصلاحية الممارسة.

نعيش يا رفيقي زمنا جديدا من السيطرة السياسية والاقتصادية لأنظمة الامبريالية الرأسمالية المعولمة.. التي تعاني ركود اقتصادها الرأسمالي المعولم.. لذلك تأججت النزعة العسكرية الأمريكية الأوروبية الغربية كـمخرج لأزمة اقتصادها المستمرة.. وخططت لتوسع سيطرتها في أروبا الشرقية ومحاصرة تمدد روسيا الناهضة، التي تطرح ضرورة قطبية عالمية متعددة.. وحققت مع الصين كتلة “الأورو-أسيا” واصطفاف روسي- صيني  مقاوم للسيطرة الأمريكية الغربية.. تمددت أمريكا أروبا الغربية في أوكرانيا وأروبا الشرقية لمواجهة السياسة الروسية وإرباك التقارب الروسي الصيني.. ولمواجهة خطط أمريكا وأروبا الغربية، تدخلت روسيا عسكريا ضد نظام أوكرانيا الذي انحاز لهذا للتوسع الامبريالي الغربي بزعامة أمريكا.. وحَوَّلَ هذا الصراع الشعب الأوكراني إلى كبش ضحية لتوسع الامبريالي الغربي في أروبا الشرقية ورد فعل روسيا العسكري..  

لا زالت أنظمة الرأسمالية المعولمة تواجه بشراسة تحرر ونضال شعوب العالم، ليستمر نهبها واحتكارها لثروات هذه الشعوب.. وتستمر في التواطؤ مع الكيان الصهيوني ضد قضية الشعب الفـلـسطيني الذي كان في طليعة تحرر شعوب العالم الثالث.

وجاء هذا الهجوم بعد أن تدخلت الامبريالية الأمريكية الأروبية الغربية وأنظمة الرجعية العربية لإفشال انتقاضات 2011 ، التي أطلقتها شعوب مغاربية وعربية ضد استبداد أنظمتها…  

واستغل النظام السياسي المغربي التابع لمصالح أمريكا وفرنسا هذا الوضع العالمي للاعترف بالكيان الصهيوني وإقامة علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية معه.. وصعد من  ممارسة سياسة قمعية شاملة ضد حقوق الإنسان والمعارضة اليسارية الراديكالية والاحتجاج الاجتماعي السلمي في عدة مناطق..

خطط النظام السياسي لإغلاق كامل للحقل السياسي، ونصب حكومة برجوازية كمبرادورية مخزنية تمارس سياسة الانتقام من الطبقات الشعبية… وكان أخنوش رئيسها قد صرح خلال “حركة مقاطعة” سنة 2018 أنه “سيربي المغاربة”..  لذلك مارست هذه الحكومة الكمبرادورية منذ تنصيبها سياسة الهجوم على معيش الطبقات الشعبية.. وعجزت النقابات، وخصوصا قيادات الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل، عن مواجهة فعلية لشراسة هجوم النظام السياسي وحكومته على المصالح الحيوية لمعيش الشعب..

وأصبحت الدولة بوليسية تقمع احتجاج المواطنين ضد غلاء ولهيب الأسعار، وتقمع حرية التعبير والتنظيم.. تعتقل صحافيين انـتـقدوا الأوضاع السياسية والاجتماعية المتدهورة وانتقدوا تفاهة أحزاب المخزن.. واستمر اعتقال قادة “حراك الريف”.. وانتقل النظام السياسي لسياسة اعتقال مدونين.. وقمع حق النهج الديمقراطي في عقد مؤتمره.. (ومع ذلك عقد “النهج الديمقراطي” مرتمره أيام 22، 23 ، 24 يوليوز 2022 بمقر المحامين بالرباط). 

فشلت وحدة مكونات اليسار الإصلاحي الجديد للانتقال من فدرالية اليسار الديمقراطي إلى “حزب اشتراكي كبير”، كما كانت أحزاب الفدرالية تأمل. إذ غادر الاشتراكي الموحد “فدرالية اليسار الديمقراطي” لعدم توفر شروط الوحدة سياسيا ونظريا وتنظيميا.. 

وضع هذا اليسار الآن راكد سياسيا ونظريا.. يكتفي بالخطاب.. عاجز عن  بلورة وممارسة خط سياسي يساري راديكالي هجومي في المعترك السياسي والاجتماعي ..

 رفيقي محمد معروف ..

كنت تعترف بالأخطاء السياسية لتنظيمك، وتمارس نـقـدك الذاتي بوعي وتبحث عن البديل بأسلوب ديمقراطي وتتخذ قرارك وفق رؤيتك الديمقراطية الراديكالية..  تمقت الكولسة، والاتفاقات خارج أجهزة التنظيم

محمد معروف، كنت مناضلا، مبدعا، سياسيا و نظريا وتنظيميا.. لكن إسهاماتك كانت شفوية ولم تدون.. يساري راديكالي يمارس تصوره ومواقفه ويحترم ويدافع عن حقوق الأقلية داخل الحزب.

لذلك لم يكن غريبا أنك ساهمت سنة 1994 مع رفاق ورفيقات آخرين، في بناء “الحركة من أجل الديمقراطية” التي كانت فضاء يساريا، ديمقراطيا، راديكايا متميزا، مارست فكرة التيارات رغم أن فكرة التيارات لم تنضج داخل هذه الحركة بشكل واضح ومبدع مما خلف تناقضات وتصدعات

ورغم هذه التناقضات ساهمتَ مع رفاقك “الحركة من أجل الديمقراطية” في إطلاق صيرورة توحيد فصائل اليسار الراديكالي مع “الديمقراطيون المستقلون”، و”النهج الديمقراطي”.. ثم التحقت بصيرورة الوحدة ما يسمى فعاليات ديمقراطية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي.. لكن شَكَّلَ التحاق “الفعاليات الديمقراطية” بلقاء بوزنيقة أزمة داخل هذه الفصائل في ماي سنة 2000. ونحن في هذا اللقاء، اعتبر “النهج الديمقراطي”، في بلاغ لجنته الوطنية، أن شروط الوحدة غير ناضجة.. وكان موقفا سديدا.. لأن أهم نخبة مجموعة الفعاليات اليسارية ستلتحق بالحزب الإداري “الأصالة والمعاصرة” في غشت 2008.  

ويسجل هذا المسار التوحيدي قوة الأفكار، والاقتراحات، التي كان الرفيق محمد معروف مع رفاق ورفيقات آخرين يبلورونها، وكانت قوة تحليل الرفيق معروف الهادئ، تستشرف إلى أين يتجه الصراع السياسي في المغرب، وما هي المهام السياسية، والتنظيمية، والنضالية، المفروض علينا كيسار راديكالي ديمقراطي واشتراكي، ممارستها.

  مسار نضالي مبكر

بدأ المسار النضالي السياسي الثوري للرفيق محمد معروف، بسلا وهو تلميذ بثانوية “الحسن الثاني”، وكان من بين مجموعة قليلة من المناضلين اليساريين الماركسيين بتلك المدينة. 

محمد معروف، من مواليد سنة 1951 بسلا، درس الابتدائي بمدرسة السور بسلا (تسمى المكي العلوي حاليا)، وانتقل إلى ثانوية الحسن الثاني بالرباط لإتمام دراسته. كان من نشطاء الجمعية المغربية لتربية الشبيبة، فرع سلا، الذي توقف نشاطه من قبل، بسبب حملات الاعتقال التي تعرض لها المناضلون الاتحاديون من الجمعية، في أواخر الستينات من القرن الماضي.

بعد الباكلوريا سيلتحق بكلية الحقوق – جامعة محمد الخامس بالرباط، وتحمل مسؤولية التعاضدية بها. كان آنذاك، عضوا في تنظيم ب، “23 مارس”. شارك في المؤتمر 15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، في غشت 1972.

وبعد حظر أ.و.ط.م، في 24 يناير 1973، سيتعرض إلى الاعتقال، صحبة مجموعة من المناضلين، أعضاء تعاضدية الحقوق، ضمنهم المرحوم عبد الجبار بنشقرون. 8 أشهر من الاعتقال ومن أصناف التعذيب، في المعتقل السري “درب مولاي الشريف”، والمعتقل السري “الكوربيس”، حيث عرف استشهاد عدة مناضلين اتحاديين، بعد حركة التحرير المسلحة التي أطلقها مناضلون اتحاديون بقيادة محمود بنونة وعمر دهكون، يوم 3 مارس 1973.

بعد الافراج عنه، سيتم اعتقاله من جديد سنة 1975، في إطار الحملة القمعية التي طالت الرفاق والرفيقات، في منظمة 23 مارس وإلى الامام ولنخدم الشعب. وتم الحكم عليه في محاكمة يناير 1977، مع رفاقه ورفيقاته، في فبراير 1977، ب 22 سنة سجنا.

سيطلق سراحه، مع عدد من المناضلين اليساريين الراديكاليين، آنذاك في صيف 1984.

التحق بالمحاماة. وفي سنة 1987، ساهم في إحياء الجمعية المغربية لحقوق الانسان، التي عقدت مؤتمر “استمرار الحياة”، المؤتمر الثاني سنة 1989.

أطلق مع عبد القادر الشاوي مجلة “على الأقل” وكان مديرها المسئول.

كان من المبادرين لتجميع ولبناء وحدة اليساريين واليساريات الراديكاليين، منذ أواخر سنة 1990، والذي استمر إلى سنة 1995. وهو المجهود الذي تشكلت على إثره، ثلاث تنظيمات (النهج الديمقراطي – الحركة من أجل الديمقراطية – الديمقراطيون المستقلون). واستمر التواصل والحوار، بين هذه الكونات اليسارية إلى بلورة لقاء بوزنيقة سنة 2000. لكن، اللجنة الوطنية لـ”النهج الديمقراطي”، التي اجتمعت خلال اللقاء، ستتخذ موقفا تعتبر فيه أن شروط الوحدة غير ناضجة، بالنظر لالتحاق “الفعاليات اليسارية” بلقاء بوزنيقة. ومع عدم انخراط “النهج الديمقراطي” في صيرورة هذه الوحدة، ستتصل “منظمة العمل الديمقراطي الشعبي”، بالحركة من أجل الديمقراطية، لتعبر عن موقفها بالالتحاق بصيرورة الوحدة.

ساهم الرفيق محمد معروف في تأسيس “الحركة من أجل الديمقراطية” التي لعبت دورا محوريا في تأسيس “اليسار الإشتراكي الموحد”، في يوليوز 2002، وقد استمر في الحزب الذي تغير اسمه، مع إنجاز “وحدة” مع “الوفاء للديمقراطية”، في مؤتمر سبتمبر 2005، وأصبح يسمى “حزب الإشتراكي الموحد“.

اعتبر أن الحزب الاشتراكي الموحد، انحرف خطه السياسي، وأهدافه الراديكالية، وغياب ممارسة يسارية لخط سياسي راديكالي.. فأخذ مسافة من الحزبية والحـلـقـيـة الضيقة. لكنه بقي على صلة بالمشروع السياسي الديمقراطي الراديكالي الأصيل للحزب، يحاور رفاق ورفيقات، حول اختلالات الممارسة السياسية، الناتجة عن استمرار حضور تصورات الفصائل قبل الوحدة كأن اليسار الاشتراكي الموحد لم يتأسس.

ورغم ذلك، لم يتخلف عن المساهمة، في المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد، في 16 و17 و18 ديسمبر 2011، حيث انتخب عضوا في لجنة التحكيم.

انخرط الرفيق محمد معروف في نضال “حركة 20 فبراير”، مساهما في تأطير الشباب.

ولم يقطع صلاته مع الرفاق والرفيقات الذين تقاسموا وإياه هموم يسار راديكالي مناضل… كان حضوره متميزا وفعالا في “لجنة 20 فبراير والحركات الاجتماعية” (إحدى لجان المجلس الوطني للحزب)، لكنه مرة أخرى فضل أخد مسافة عن الصراعات التي تفتقد للحوار السياسي والنظري الديمقراطي المرتبط بالممارسة، وترجمة الخط السياسي الراديكالي للمؤتمر الوطني الثالث للحزب، الذي انعقد في يناير 2012، لأنها صراعات ظرفية، وحلقية وذاتية.. مع أنه استمر منشغلا بقضايا اليسار وأشكالاته مع عدد من رفاقه.

ظل حاضرا بقوة في حركة 20 فبراير، ولعب دورا بارزا في التواصل الدائم مع الشباب والمساهمة في بلورة حلول نضالية ملموسة للتحديات التي كانت تواجهها.

مواقفك ونضالك الديمقراطي الراديكالي يلهم رفاقك ورفيقاتك من أجل تحرر الطبقات الشعبية الكادحة والمحرومة التي وهبتها حياتك وروحك، لتسود وطننا الديمقراطية الحقيقية المفتوحة على صيرورة طويلة لتحقيق الاشتراكية والمجتمع اللا طبقي

 

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة