شتاء فرنسا الساخن
باريس- المعطي قبال
هناك الدخول السياسي، المناسبة التي تعقد خلالها الأحزاب السياسية جامعاتها الصيفية، يستأنف البرلمان أشغاله، تهييء النقابات أجندة المظاهرات والاحتجاجات لمواجهة موجة الغلاء، وانخفاض مستوى المعاش الخ.. ثم هناك تقليد، بل طقس الدخول الأدبي، وهو بالأحرى دخول ثقافي يشمل جميع المجالات التي تشهد بداية إنجاز المشاريع والبرامج الثقافية.
سياسيا ستكون أحزاب المعارضة بالمرصاد لحكومة إليزابيث بورن، حيث يرتقب أن يكون شتاء فرنسا مثلجا بسبب خفض إمدادات الغاز الروسي. على المستوى الأدبي، والروائي تحديدا، واعتبارا لقلة الورق، انخفاض المبيعات ومستقبل التقارب بين العملاقين إيديتيس وهاشيت، اللذان قد يبسطان هيمنتهما على دور النشر، اضطر العديد من الناشرين إلى تقليص إصداراتهم إذ يبلغ مجمل الروايات إلى أقل من 500 رواية وتحديدا 490 رواية، وهو انخفاض بمعدل 6 في المائة. وهذا ما لم يحدث منذ 20 سنة.
وبما أن الرواية الفرنسية تتكيء على «الكتاب المرجعيين»، وهم قاطرات دور النشر الذين لهم القدرة على بيع مائة ألف نسخة فما فوق، حتى وإن كانت رواياتهم سخيفة ورديئة ومن صنع الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، ستطل علينا من جديد إبان هذا الدخول وجوه معروفة ومستهلكة من أمثال: فيرجيني ديسبانت التي تصدر لدى غراسي رواية «عزيزي النذل». واستبقت الصحافة صدور الرواية وطرحها في الأسواق للإشادة بقيمتها الأدبية. روائية أخرى تعد زبونة سنوية للدخول الأدبي هي إميلي نوتومب التي تصدر لها رواية «كتاب الأخوات». ماري نيمييه، مونيكا سابولو، ياسمينة خضرة، يان كيفليك، ألن مابانكو، يانيك هينل، كوثر أديمي والقائمة طويلة هي بعض الأسماء الروائية التي ستشغل الإعلام الفرنسي بمختلف أطيافه.
نشير أيضا إلى أصوات روائية فرنكوفونية وافدة من دول أجنبية، مثل الروائية اللبنانية سمر سراقي دو باتافوكو، تحفة مختار، ماتيو سيل، عبد الرحمان وابري، جمال شريكي الخ..
على مستوى أخر، تطرح 90 رواية لكتاب ينشرون لأول مرة. هذا تقليد ترعاه دور النشر رغبة في تشجيع الروائيين الشباب وتحويلهم إلى كتاب محترفين. التيمات العامة التي تشغل عالم هذه الروايات تعالج حياة ما بعد الكوفيد، دواخل الذات الحائرة، حياة العزلة بعد الطلاق، اغتصاب الأطفال وسلوكات التحرش في حق المراهقات، صور وتصورات العالم الجديد، العدوان على الطبيعة، الهروب نحو المجهول الخ…
يلاحظ أنه باستثناء بعض الكتاب الفرنكوفونيين الجزائريين (كوثر أديمي، عبد القادر الجامعي، ياسمينة خضرة، جمال الشريكي) لا نعثر على كتاب مغاربة مترجمين إلى اللغة الفرنسية في كاتالوجات الناشرين الفرنسيين. بل وحتى قسم سندباد التابع لأكت سود لم يعلن عن إصدارات جديدة. على أي تبقى الآداب العربية بشكل عام الابن الفقير للناشرين الذين يعتبرون أن هذه الآداب تقع خارج الزمن وخارج التاريخ. لكن تكفي معالجة قضايا الجنس، القذف الرخيص في الإسلام، الحكي عن “وسخ” الواقع العربي لكي تجد ناشرا يرحب بمخطوطك. وقد بنى بعضهم شهرته بعد الغرف من هذا المعين المسموم!