بيئة الأثرياء الكربونية

بيئة الأثرياء الكربونية

باريس- المعطي قبال

برا

قد تتجاوزك بسرعة البرق سيارات فارهة من نوع مازيراتي، فيراري، بوغاتي، أستون مارتان أو غيرها من فصيلة البورش. قد تهتز تحت سرعتها الخاطفة سيارتك من الجيل الأول لفئة داسيا، الملقبة ب «شهادة الضعف»! إن لم تلعن أبو السائق تتنهد لعثرة حظك أنت الذي ما برحت «تجري وتجاري» وقد أثقلت الديون كاهلك. قبل أن تتجنب الأوتوستراد مدينة بنجرير، لم نكن نعاين كثيرا هذا النوع من السيارات. كانت «السرعة محدودة والضباب متردد إلى غاية نزالت لعظم! (مرة ونحن في الطريق إلى مراكش قهقه أدونيس ساخرا من ترجمة Brouillard fréquent بضباب متردد). ثم إن الطريق لم تكن مواتية (المنجورة محفرة) لإطلاق العنان للخيول العاتية لهذه السيارات. اليوم مع الأوتوستراد، يمكن لها اختراق المسافة بين الدارالبيضاء ومراكش (243،6 كلم) في ظرف ساعة ونصف إلى ساعتين وخمس وأربعين دقيقة. برق ما تقشع! أصحاب الحبة يؤمنون ويطبقون المثل المأثور: الوقت من ذهب! فيما أقضي عادة أزيد من 4 ساعات وأنا «تانتلاوح». الأوتوستراد اليوم مرأة للتفاوت الطبقي. تقف عند المتقشفين الذين يضربون ألف حساب لـ «جغيمات» المازوط وليسانس. يطفئون الكونتاكت في المنحدرات، يخففون من السرعة الخ…  يطبقون بطريقتهم الخاصة الشعار المثبت على جنبات الطرقات: «لا تسرع يا أبتي فالمازوط غالي»… أصحاب السيارات الفارهة لا يتوقفون في المقاهي ومطاعم المشاوي ولا في حوانيت سيدي براهيم، لأنهم ليسوا من أهلها ولا يرغبون أن يلتف «الكج» من حول سيارتهم، لأن الفرجة قد تتحول إلى شتيمة باسم الحكرة وهذا ما لا يرغب فيه أصحاب الحبة. أكيد أن سيارتي قمامة تنفث من ورائها 145 غرام من ثاني أكسيد الكربون في الكيلومتر الواحد. في حالة مازيراتي (275 حصان)، تنفث 174 غرام من ثاني أوكسيد الكربون. وعليه تستوي تقريبا الطبقات الاجتماعية في تلويث البيئة، وبالأخص داخل المدن التي يتحول بعضها إلى مداخن كربونية. بين الدارالبيضاء ومراكش بلغت المدة الزمنية التي قضيتها في الطريق أربع ساعات ونصف. صحيح أنني عرجت على بنجرير «ضربت فيه واحد الشواية ديال الكوتليت». واللي بغا يربح العام طويل! 

بحرا

بالنسبة لأصحاب الحبة، تسلية البر شيء وتسلية البحر شيء أخر. ويحلو لهم استعراض واستظهار هندام اليخت الذي يملكونه ويحولونه لمدة قصيرة وبالأخص خلال عطلة الصيف إلى منتجع متنقل فاخر. ويتباهون بطول اليخت وبمصدر صنعه وسرعته وطاقته على استيعاب أكبر عدد من الضيوف. ومع طفرة شبكات التواصل الاجتماعي، استفحلت مظاهر الاستظهار، حيث نرى صاحب اليخت ومن معه السيجار في يد وكوب الشامبانيا في اليد الأخرى بنظارات الراي بان والقميص المفتوح على الصدر، ولسان حاله يقول «ما احلى الصيف ما احلاه». وخلال السهرات التي تنظم على المنصة الخارجية تتواصل وصلات الراي والروك والشعبي وبالأخص العيطة، وهي مناسبة تجذب خلالها النساء بلباس السباحة على كشكول من لعيوط. وقد يحصل أن يغطس القوم في البحر لسباحة منتصف الليل. لست من أتباع هذا القوم وإن حصل أن دعاني مريش أو مريشة إلى يخته فأنا لا أجيد السباحة وأخاف أن أعوم عومة لمسن! ليست السرعة هي ما يهم أصحاب الحبة بل هندام اليخت الذي يملكونه. ولا يمكن لأي أن يصعد إلى اليخت إلا بدعوة من صاحبه الذي يختار ضيوفه تبعا لمقاييس محددة أهمها وزن ثروة الضيف وسلطته في عالم المال والأعمال. وهم بذلك يطبقون الحكمة القائلة: «ما تاتعطي فابور غير العكرب»! إن منطق المردودية المالية أو إسداء الخدمة هو الذي يتحكم في اختيار الضيف.

 بالمغرب، الاصطياف على وباليخوت ظاهرة حديثة العهد، تزامنت مع طفرة الأثرياء الجدد ومع الثروات مجهولة المصدر أحيانا. وتعرض أحيانا على مسافات غير قانونية محادية لشاطيء البحر يوخوت فارهة ولسان حال أصحابها يقولون «شوفونا»! وقد تصبح مارينا مدينة طنجة منصة لبيع وشراء اليخوت. ومنتجعا للبليونيين. ومن يهمه الأمر، يعرض للبيع يخت Sanlorenzo 82 S بمبلغ «ما يجمعو غير الفم»: 1.640.000 يورو!

لكن يواجه اليوم المليارديرات حملات ملاحقة من طرف ناشطي ومستعملي الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، إذ أطلق ناشطون على تويتر في العنوان التالي Mega yacht CO² tracker حملة لمتابعة تحركات هؤلاء الأثرياء وجولاتهم عبر العالم لرصد مستوى نفتهم لأوكسيد الكربون في البحر.إن انتظمت الحملة في فرنسا فإن أثرياء المغرب الذين يعتبرون فقراء» مقارنة بزملائهم الأوروبيين أو الامريكيين، يتسببون في تلوث لا يقل خطورة عن تلوث بقية الأثرياء. 

جوا  

نفس النشطاء يتابعون نفس الملياردات أصحاب الطائرات الخاصة التي يحصل لأصحابها أن يقوموا برحلات إيكزوتيكية مكلفة دفعت ببعض النشطاء على تويتر إلى تسميتهم ب «مجرمي البيئة». استعملت هذه العبارة في حق المخرج السينمائي ستيفن سبيلبرغ بعد رحلته على طائرة خاصة استغرقت 28 دقيقة في الوقت الذي كان بمقدوره التنقل بالقطار أو على متن سيارة كهربائية. كما قامت المغنية تايلور سويفت ب 170 رحلة على متن طائرتها الخاصة الشيء الذي استحقت عليه لقب «أشهر ملوثة لعام 2022»، وقس على ذلك ببقية الأثرياء والمشاهير الذين يستعملون طائراتهم الخاصة كطاكسيات. ويشار إلى أن قطاع الملاحة الجوية مسؤول عن 2 إلى 3 في المائة من الإنبعاثات العالمية لأوكسيد الكربون. انتظمت حملة التنديد من طرف الأحزاب والجمعيات المدافعة عن البيئة بهذه السلوكات الشيء الذي دفع بالحكومة الفرنسية على سبيل المثال إلى دراسة مسودة قانون سيعرض على البرلمان لتقنين استعمال الطائرات والرحلات الخاصة. بالمغرب لمرفحين عطاهم الله أي قد يمتلكون يوخوت وطائرات خاصة وسيارات تاتعيط يا ليل. يلوثون البر، الجو والبحر، لكن غادين سايكين وما سايقين لأحد.

المهم حان الوقت لكي أتخلص من سيارة داسيا وأعود إلى المستقبل الذي ينتظرني: بشكليط أو صهوة حمار!   

Visited 8 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".