الأموي.. آخر معارك أسد الأطلس

الأموي.. آخر معارك أسد الأطلس

 موح نوبير الأموي

كاد يكون عنوان المقال باسم أسد الشاوية أو امزاب، و لكن محمد نوبير الأموي وإن جاء إلى هذا العالم من الشاوية وبدأ نضاله قوميا، فإنه أصبح مناضلا إنسانيا أمميا يؤمن بقدسية الإنسان وبحقه في الحرية والكرامة والسعادة كيف ما كان عرقه ولغته أو دينه.

أسد الأطلس لأنه حسب ما حكى لي انتسب لجيش الأطلس في بداية التحاقه بالمقاومة. كان يراقب جبال الأطلس وهي تبدو شامخة عظيمة من قريته الصغيرة، تلامس قممها السحاب، فطبعت في وجدانه الطفولي رهبة مليئة بالأساطير والأحلام والآمال، وهو يعرف أن أصل العائلة جزء منه أمازيغي أطلسي من قبيلة بجبل الحديد

بداية المشوار من دوار “ملكو” (الكاف جيم مصرية)، وبذاكرته القوية حيث حفظ في فترة قياسية القران، مع بعض المتون، وديوان المتنبي، والكثير من أحاديث و خطب “صوت العرب”، التي شكلت بداية نمو وعيه السياسي والقومي.

 شخصيته القوية دفعته إلى الهروب إلى سطات عند أخواله، وفي المرة الثانية إلى الدار البيضاء عند اخيه العسكري، المقاوم العائد من الحرب العالمية الثانية. وكانت بداية علاقته بخلايا المقاومة السرية، مما وسم شخصيته المبادرة المتمردة التي ترفض الأمر الواقع وتملك الشجاعة والإرادة للاعتراض ولمحاولة تغييره مهما كانت الظروف. وقد كان الاستماع لبرامج “صوت العرب” دورا أساسيا في تشكيل وعيه وانتمائه القومي وارتباطه بحركات التحرر العالمية اليسارية، ومن هناك السفر إلى الجزائر، ثم مصر وسوريا واسبانيا، والعلاقة بالثائر الأممي تشي غيفارا الذي أقام بالمغرب و نظم مخيمات التدريب بإحراش وغابات بن سليمان،

في بعض لحظات الحنين، ونحن على سفر، كان يردد وهو يقود السيارة بعض الأناشيد، مثل “غو تشي.. غو تشي.. يا بطل الجهاد.. غدا نلتقي في بوليفيا وأنغولا والرباط.. مياهي مغرفة.. سمائي محرقة“.

بدأ تشكل وعي الأموي السياسي بمتابعته لإذاعة “صوت العرب” من القاهرة، ومديرها الشهير أحمد سعيد، ولكلمات أسد الريف عبدالكريم الخطابي، هذه الإذاعة التي أطلقت ودعمت حركات التحرر ومقاومة الاستعمار بأفريقيا والعالم العربي. وقد أدرك أهمية الإعلام ودوره في فهم الواقع وقراءته قراءة موضوعية بعيدة عن الدعاية الموجهة فكان لا يفارقه، حتى وهو بالسجن، راديو يلتقط الموجات القصيرة، ويستمع يوميا قبل الفجر لإذاعات عواصم القوى العظمى، كلندن، واشنطن، باريس… ويلتقط كل الإشارات السياسية التي كان يمتلك شبكات تفكيك رموزها وإشاراتها. فكان في بعض الحالات و بدون سابق إنذار يوقظ فريقه مع الفجر و يدعوهم لما كان يسميه القيادة العليا… وهذا ما حدث في 2008 ذات صبيحة عاد باكرا من “ملكو” وقرر الاستقرار مجددا بالدار البيضاء. وكانت هذه الإشارات مؤكدة للإشارات التي التقطها غداة أحداث 11 شتنبر. وقد تنبأ بما سيحدث في إحدى افتتاحيات جريدة “الرهان الآخر” النارية والمنددة بالمؤامرة وبالامبريالية، حيث كتب بأن الدور قادم على العراق و سوريا وكل العالم العربي.

فلسفة الأموي السياسية كانت ديالكتيكا هيجليا، بحيث أنه كان يقول بأن المعادلة الكبرى تحدد المعادلة الصغرى، أي أن المعادلة الدولية سياسيا وعسكريا واقتصاديا وماليا واجتماعيا تحدد معادلتنا الوطنية. نحن لا نعيش في عالم معزول مستقل عن الرهانات الدولية الاستراتجية التي يجب أخدها بعين الاعتبار ونحن نخطط لتغيير واقعنا، واقع الفقر والتخلف والاستبداد. ولذلك يجب متابعة كل الإشارات القوية والضعيفة التي يرسلها الفاعلون الدوليون والأقوياء، أو تتسرب بطريقة غير متحكم بها. بدأت العديد من الإشارات الدولية والوطنية تقلق بال الأموي مرتبطة بالحملة الانتخابية الأمريكية، وبفرار السلفيين من سجن سلا.

من أهم الاشارات التي التقطها الأموي كانت انتخاب الرئيس أوباما المنتظر، وخلال نقاش دار بيننا كنت أرى أنها فقط عملية دعائية داخلية وخارجية للدولة العميقة بالولايات المتحدة، بعد تراجع مصداقيتها أمام السلوكات العنصرية واللاجتماعية داخليا، والإمبريالية والاجرامية خارجيا، بعدما توالت التسريبات عن ما قامت به من تعذيب واستحواذ على الثروات العراقية. ولكن رأي الأموي كان أنها إشارة قوية وأننا مقبلون على تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية الأمريكية. انطلاقا من متابعته للسياسة الخارجية الأمريكية منذ 1974 ولمنشورات كبار مهندسيها كهنري كسنجر، بريجنسكي، بول كندي ومايلز كوبلاند وغيرهم. كما أنه مند تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل أصبح يتلقى دعوات لزيارة السفارة الأمريكية، وكان يستقبل دوريا مبعوثي وزارة الخارجية الذين بكتبون تقارير دورية عن المغرب. ورغم التضامن الكبير من طرف الرئيس كلينتون خلال اعتقاله سنة 1992 وهديته الرمزية المتمثلة في حامل مفاتح، فإن احتلال العراق والسياسة الإمبريالية للجمهوريين كانت عائقا أمام تطوير هذه العلاقة، التي يقول عنها منذ البداية للمبعوثين أن ما يهمنا هو أساسا مصالحنا الوطنية دون أي اصطفاف خلف أي قطب.

من جهة أخرى كان الأموي يستحضر أن للمخزن مكونين أساسيين: مكون تقليدي متخلف، يسهل التلاعب به وتوظيفه ضد مصالح الأمة المغربية، من ضمنهم شبكات “الشرفاء” والمشعوذين والزوايا… المرتبطين بالقصر، ويمثلهم سياسيا حزب العدالة والتنمية أساسا، ومن جهة أخرى مركب اقتصادي غربي صهيوني غير مرتبط وجدانيا بالوطن، لا تهمه إلا مصالحه الاقتصادية… ونرى كيف تقاسموا الأدوار لإنجاح التطبيع مع الكيان الصهيوني وتسهيل اختراق المغرب الثقافي والاقتصادي ضد مصالح الطبقات المستضعفة والمفقرة… مخزن برأسين، مخزن تقليدي يرفع لواء الدين، ومخزن اقتصادي حديث مرتبط بالغرب وبالصهيونية العالمية. كما أن محاولة بناء الدولة الحديثة مع ليوطي لم تنجح، وبقيت هشة أمام قرون من سيطرة المخزن على المدن، وإزاء ثقافة الغنيمة لإخضاع القبائل المتمردة واستعمالها ضد بعضها.

كانت هذه أولى الإشارات ومداخيل التحليل التي دفعت الأموي للرجوع إلى الدار البيضاء بعد أن كان قد استقر ببلدته في البادية. ومع تواتر الإشارات قرر أن يرسل تنبيها للمخزن الذي لم يفهم كعادته. كانت إشارة قوية ومزلزلة للبناء السياسي المغربي، وهي انسحاب الفريق الكونفدرالي من الغرفة الثانية. اليوم كان 19 أبريل، وربما يجب ربطه بيوم 24 أبريل. كان متأكدا من المخطط الجارية تهيئته، وكان همه أن يبقى المغرب موحدا قويا ومستقرا وهو مؤمن أن الديمقراطية والاشتراكية هي حتمية تاريخية، ولكن يجب أن نصل إليها بأقل الخسائر، وكانت له مقولة شهيرة: “علينا إنقاد الجنين دون التضحية بالأم”، لهذا كان موقفه من حراك الربيع العربي. فالأموي لن يقيل أبدا أن يأخذ تعليماته من هيلاري كلنتون أو برنار هنري ليفي، فابن الأطلس المتمرد لن يكون أبدا طرطورا، وقد دفع الثمن غاليا من صحته ومن حريته، وكان متأكدا أن العملاء والخونة الملهوطين سيدفعون الثمن إن عاجلا أم آجلا.

لماذا لم يذهب الأموي بعيدا في حراك “عشرين فبراير”؟ كيف سنمر من هذه الأزمة ونحافظ على وحدة بلدنا وتماسك نسيجه الوطني، في انتظار ثورة مغربية حقيقية؟

 لما استشير الأموي كانت نصيحته للحاكمين بالقيام بإصلاح دستوري وبانتخابات سابقة لأوانها، وكعادتها أفشلت اللوبيات المستفيدة الإصلاح الدستوري، الذي عوض أن يكون وقفة مع الذات ولحظة مؤسسة لأمة مغربية قوية ومتجددة، أصبح مهرجانا فلكلوريا. ولذلك رفض التصويت عليه رغم كل الضغوط.

 من جهة أخرى قام الأموي بحركة سياسية لنزع فتيل الأزمة، وهي دعم ترسيم الأمازيغية.

المسألة الأمازيغية كانت حاضرة بقوة في وجدان الأموي، فغداة الاستقلال، الذي وضع المغرب في مسار حركات التحرر القومية، كان على الحركة الوطنية التي جاء أغلبها من البوادي والجبال بثقافة تقليدية دينية، تأسيس دولة. وقد غابت عنها المسألة الثقافية. وباندفاع الحركات الثورية لم يكن مفهوم الدولة يعني إلا شعبا موحدا وترابا وحدودا وعملة ولغة موحدة، مع رفض لغة المستعمر. تم اختيار ودعم اللغة العربية وإهمال اللغات الوطنية الأخرى، وخصوصا على المستوى الثقافي حيث كان الغبن صارخا في التلفزيون، حيث لا يجد ذاته من لا يتكلم لغة أخرى غير الأمازيغية، وبقيت تؤرقه هذه المسألة. فمن جهة ضرورة لغة وطنية موحدة لدولة حديثة قوية، ومن جهة أخرى ضرورة حماية الوحدة الوطنية وتمكين كل مكونات الأمة المغربية من حقوقها الثقافية وضرورة قبولهم الحر لاختيارهم اللغوي. وكانت هذه المعضلة تشكل مارقا لكل الوطنيين الغيورين على قوة واستقرار بلدهم، ولم يتم إدراك الحلول الممكنة إلا لاحقا بعد تنامي الوعي السياسي والاجتماعي والأهمية الاستراتيجية للمسألة الثقافية ورفض الخيارات الاختزالية والحلول النبسيطية التي ستشكل شرخا في النسيج الوطني.

اللغة كأداة ذات حمولة ثقافية، والثقافة هي صدى لبنيات إنتاجية عتيقة لا يجب أن تحدد وتكلس واقعنا المتغير. فالدولة المعاصرة أولى أولوياتها هي تحقيق الحياة المادية الكريمة لمواطنيها وتمكينهم من تحقيق سعادتهم، لا أن يرهنوا حاضرهم ومستقبلهم من أجل إشكالات عصور سحيقة تحجب رؤية الواقع ورهاناته بوضوح.. لهذا تبقى المسألة الثقافية استراتيجية في بناء أية دولة ناجحة، قوية ومستقلة. وذلك لتقوية تماسك حياتنا الداخلية عن طريق إشراك كل مكونات الأمة في صناعة القرار الوطني عن قناعة وبحرية دون أي ضغوط

Visited 21 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة