الترسيم الحدودي بداية الحلول…
أحمد مطر
أجواء تفاؤلية تسود لبنان في ما يتعلق بملفي الترسيم البحري وتعويم الحكومة ما لم تتدخل الشياطين في التفاصيل على الرغم من تدحرج الوضع اللبناني إلى الأسوأ مع تضافر العوامل الاقتصادية والسياسية والأمنية التي لا يُبشر أي منها بأن المرحلة المقبلة قد تشهد انفراجات من أي نوع. والجديد في مسار الانهيار اللبناني المتواصل منذ 17 تشرين2019 أن الإشكالات الفردية والمسلّحة آخذة في الازدياد وفي أكثر من منطقة. وهذا ما يشكل جرس إنذار بحقيقة الأوضاع على الأرض، حيث باتت انعكاسات الأزمة الاقتصادية الخانقة تأخذ أشكالاً من التوتر والضيق أكثر حدة ولا يمكن التنبؤ بسقفها، ما يشكل عامل ضغط إضافي وخطير على الوضع اللبناني ككل .
يحصل ذلك في ظل مناخ سياسي مشحون ومتوتر مع الاقتراب أكثر فأكثر من موعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. والأخطر أن الاهتمام السياسي يتجه في مجمله نحو الاستعداد للسيناريوهات المتوقعة ما بعد هذا التاريخ، أكثر منه نحو الضغط لانتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية المحددة لذلك، خصوصاً أن عون نفسه يتعمّد خلق الغموض في ما يخص أجندة اليوم الأخير من ولايته، وآخر صياغاته الإبداعية في هذا الصدد أنه “سيترك القصر إذا كان اليوم الأخير من رئاسته يوماً طبيعياً لا أحد يضمر فيه الشر”. وكأن الدستور أصبح خاضعاً لمعايير الشر والخير، وهذا كلّه من السوابق في لبنان .
ترسم هذه المعطيات صورة قاتمة عن سيناريوهات ما بعد 31 تشرين الأول التي تنذر بجولة جديدة من التصعيد السياسي شبيهة بتلك التي شهدتها الأعوام بين 2005 و2008، مع فارق أن الاستعداد الداخلي وبالأخص من قبل التيار الوطني الحر، للتصعيد سياسياً وفي الشارع قد يصطدم “بكوابح” خارجية، وبالتحديد فرنسية في ظل استمرار باريس في محاولاتها المرتبكة لضبط سقوف التداعي اللبناني .
بيد أن قراءة الاستحقاق الرئاسي من زاوية سياسية بحت ما عادت ممكنة في ضوء التطورات في الجنوب اللبناني على خلفية ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. فيوماً بعد آخر يزداد هذا الملف خطورةً لا لأسباب متّصلة به حصراً، بل لأن التصعيد المتبادل بين إيران وإسرائيل قد يجد ترجمته الميدانية على أرض الجنوب، خصوصاً أن إسرائيل تحولت لاعباً أساسياً في ملف المفاوضات النووية بين الغرب وطهران، وهي تتصرف كما لو أنها حققت إنجازاً في إفشال الاتفاق بين الجانبين حتى الآن، وبالتالي أصبحت أكثر استعداداً لتهديد إيران داخل أراضيها وفي سوريا ولبنان.
طبعاً يصعب توقع حربٍ إسرائيلية ضد حزب الله من دون غطاء أميركي، وهو ما لا يبدو متوافراً حتى الآن إذا ما نُظر إلى التعامل الأميركي “البارد” مع طهران، لكن لا يمكن اعتبار هذا الغطاء العامل الوحيد الحاسم في مسار التصعيد المتبادل بين تل أبيب وطهران .
في الملف الرئاسي تسعى فرنسا أو توحي بسعيها ، بعد عجزها عن إظهار قدرتها على التدخل في ملف ترسيم الحدود البحرية ، إلى إجراء الاستحقاق الرئاسي ضمن مهلته الدستورية. لكن الوقائع السياسية التي ترجح حدوث الفراغ في سدة الرئاسة قد تدفعها إلى خفض طموحها في هذا الشأن، خصوصاً أن فكفكة عقد الانتخابات الرئاسية صعبة جداً، مقارنة بالانتخابات النيابية التي كان حصولها في موعدها إحدى نتائج مسار التقارب بين فرنسا وحزب الله.
لكن هذا لا يعني أنّ الطرفين غير مهتمين بالتواصل لإنتاج توافق بشأن رئاسة الجمهورية. والمحك الأساسي هنا ليس انتخاب رئيس جديد، وإنما شخص هذا الرئيس. فهل يكون رئيساً تسووياً حقًا أو رئيساً يوالي حزب الله تحت غطاء التسوية؟ في الحالة الثانية سنكون أمام نسخة معدلة من عهد ميشال عون وهو ما يبقي المقاربة العربية، وبالأخص السعودية، للملف اللبناني على حالها. هذا فضلاً عن أن الحصول على تغطية أميركية متينة لتسوية مماثلة لن يكون مضموناً في ظل الوتيرة الراهنة للعلاقات الإيرانية الأميركية. وكلا الأمرين يبقيان لبنان في دائرة التجاذب والصراع الإقليمي والدولي. وهذا لن يكون بلا أثر سلبي على مستقبل البلاد على كافة الصعد.