توفيق رشد… وداعا حامي ظهر الرفاق
اسماعيل طاهري
توفي أستاذي في الفلسفة والفكر الإسلامي الدكتور توفيق رشد مساء الخميس 22 شتنبر 2022.
أحس باليتم والمرارة لأن محاضراته عن ابن عربي والعقلانية الصوفية وأعلام التنوير لا تنسى، وشكلت جزء من تكويني الثقافي في بداية تسعينيات القرن الماضي حين كانت كلية آداب مكناس تحتل مكانة رفيعة في المجال الثقافي الوطني.
توفيق رشد الأستاذ الأنيق، عاشق الحياة حتى الثمالة، المفتتن الكبير ببلاغة الصورة والفن التشكيلي نصير الرفاق وحامي ظهرهم فكريا، كان يشكل شخصية أسطورية بالكلية فارع القامة.. منتصب الهامة يمشي الهوينى كإمبراطور. ويكاد يكون الأستاذ الوحيد الذي تمتلئ جنبات مدرج الكلية عن آخره في حصته. كان يتابع معظم محاضراته أكثر من ألف طالب من مختلف التخصصات والمستويات، وهو ما كان يضايق إدارة الجامعة ويثير غيرة زملائه الأساتذة. لم يحضر رشد يوما إلى الكلية دون حقيبته الجلدية الضخمة، بلونها الداكن، المليئة بالكتب والجذاذات، والسجائر الفاخرة.
لم تكن تفارقه سترته الرسمية وربطة عنقه الزاهية الألوان، وعندما تكون ربطة عنقه من طراز “الفراشة” يبدو كأحد ممثلي هوليود بقامته الفارعة وأظافره ملطخة بالصباغة، كأنه خارج لتوه من معمله التشكيلي، والخاتم الثمين لا يفارق أصابعه. لدرجة كنا نتهمه بالتبرجز والتسلق الطبقي، ولكنه كان يرد بسخرية وهو يصفف ياقته أن راتبه في الجامعة لا يكفي ليؤمن به حتى حليب طفله الصغير! وكان يخصص جزء من راتبه لمساعدة طلبته ماديا. كان سخيا إلى حد الإفلاس.
كان رشد شخصية مؤثرة وممغنطة تجذب إليها الطلاب من مختلف التوجهات الأيديولوجية، وكان نزيها ومنصفا في منح النقط, ولم يشتك طالب من الإسلاميين من سوء لحقه منه. ولم يتحيز لطالب من فصيلته الأيديولوجية.
كان يبدو في محاضراته مزهوا كالعربس، لايجلس إلى الكرسي أبدا، يحاور يجادل يمنح الكلمة لكل طالبها ويرد ويعقب متقيدا بأهم إطار مرجعي تعلمناه منه وهو النسبية. لا يجزم، لا يحسم، يترك كل المفاهيم مفتوحة وكل الاحتمالات ممكنة، وكل شيء قابل للنقاش، بل والمراجعة أو الهدم بمعاول جاك دريدا، وإشراق بن عربي، وشطحات أدونيس..كل شيء نسبي كما كان يقول.
***
مر رشد في السنوات الأخيرة من محن متلاحقة، بعد المطاردات والتهديدات التي طالته من طرف القوى الرجعية وتجار الدين، ووصلت إلى حد مداهمة منزله الريفي بضواحي الدار البيضاء (ضيعة)، والعبث بأغراضه وترك رسائل التهديد بالقتل.. مما اضطره إلى الانتقال للعيش في دور الكراء. وصار شبه مهجر، بل مشرد يتنقل من شقة إلى أخرى محملا بأحلامه وكتبه وفي قلبه غصة.
ولكنه ظل شامخا منافحا عن فكر التنوير مدافعا عن الفلسة فرحا بعودتها الى الجامعة.
كان من الوجوه البارزة التي ساندت “حركة 20 فبراير”، وممن آمنوا بميثاقها وشعاراتها التحررية. ومن الوجوه الأنتليجنسية التي خرجت للتظاهر ضد الفساد والإستبداد.
***
وبرحيل توفيق رشد “تتوالى الفواجع لكنها سنة الحياة” كما قال المناضل محمد الوافي في نعيه.
توفيق رشد أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بنمسيك بالدار البيضاء، رحل عصرا في مستشفى خليفة بعد أن نقل إليه قبل يومين من رحيله وهو في غيبوبة.
رحيل المفكر رشد خسارة كبرى لهذا الوطن وللمشهد الثقافي ، وخسارة لا تعوض للدرس الفلسفي في المغرب.