أحلام تبحر عبر مراكب متهالكة … وأوروبا ملاذ منتظر
أحمد ترو
لم تحمل قوارب الموت على متنها الاشخاص فقط، بل كانت تحمل معها أحلام تريد ان تتحقق. كحلم الشاب رواد الذي رأى في بلاد اوروبا مرتعاً لبناء مستقبله ليصبح اكثر المصورين احترافاً، او كحلم عروسين لم يجدا لابنائهما المستقبليين حياة هنيئة في لبنان فكان الغرب وجهتهما، او كحلم أناس ارهقهم الذلّ فراحوا يبحثون عن الكرامة ليس سواها,
كم من الاحلام تلاشت عبر البحر؟ وكم من المآسي تزرع في قلوب أحباب من يقضون في عرض البحر؟
” ذهبت الى طرابلس لأودعك قبل أن تبحر ولكي تطمئننني أن الوضع آمن ولا داعي للقلق… الله عليم انني أتيت لأودعك لكن القدر كتب أن ترحل قبل أن أصل، يقول خليل صديق الشاب رواد، الذي لاقى حتفه و 91 آخرون من اصل حوالي 150 شخصا من جنسيات متعددة (لبنانية – سورية- فلسطينية) كانوا على متن قارب انطلق يوم الخميس من طرابلس قاصدا ايطاليا لكنه غرق عند جزيرة إرواد السورية.
من ثم يستذكر خليل لحظات لا تنسى جمعته بأعز أصدقائه “رواد لم تعد هنا يا رواد…! رواد أيقظني من النوم كعادتك…رواد من سيشاركني شراب القهوة المرة؟ ومن سينظر الي تلك النظرة التي لا يفهمها سوانا أحد؟ ومن سيقلد هزة يدي حين أرقص… رواد قتلتني يا رفيقي”.
المهربون لا يروكم سوى 1500 يورو
ليست الحادثة الاولى من نوعها، بل ان عدد الحوادث المشابهة يتجاوز أصابع اليد الواحدة بكثير، وهذا ما خلق جدلا واسعا في الوطن العربي، فهناك من أيد فكرة الابحار بقوارب الموت وفضلها عن الحياة في لبنان، كوالد أحد ضحايا زورق الموت الذي قال: “يأتوا ببواخر ليحملونا بها، ولم اقبل بغير ذلك، لدي 5 أولاد، كل يوم سأرسل واحدا منهم ولو سيعودون الي جثث”.
هناك من وضع بعض اللوم على ضحايا المركب، معتبرا انهم “لم يتعلموا ممن أقدم قبلهم على المخاطرة بأرواحهم وكان مصيرهم الموت”، إذ نشر أحد الأشخاص الذين لديهم خبرة سابقة مع قوارب الموت فيديو يقول فيه: “لا تصدقوا المهربون لأنهم لا يروكم سوا 1500 يورو ولا يروكم بشر. هؤلاء لا ينظرون اليكم كأناس لديكم أهل وأخوة يخافون عليكم. انهم كاذبون يقولون لكم في غضون 20 دقيقة ستصلون الى أرض الاحلام بالجزر اليونانية التي ستفتح لكم أبواب الجنة، لكنكم عند الوصول سرعان ما تنصدمون باحتجازكم في أماكن لا تليق بالحيوانات”.
لا تغامروا بأرواحكم…
ويعرض آخر خبرته مع المراكب الصغيرة، قائلا: “من خبرتي المتواضعة بالبحر والمراكب الصغيرة، رجاء ثم رجاء ثم رجاء، لا تغامروا بأرواحكم لتسافروا عبر البحر على ظهر تلك المراكب الصغيرة غير المعدة للسفر والتي هي في الغالب مراكب صيد ونزهة مجهزة للابحار عبر المياه الاقليمية بالقرب من البر”.
يضيف: “أولا، المراكب جميعها متهالكة وقديمة كما انها بدائية وصيانتها متواضعة، والمهربون يضعون على متنها اضعاف قدرتها الاستيعابية، حتى لو كان خشبها متآكل. ثانيا، والاخطر ان الابحار في حوض المتوسط يصبح خطيرا من شهر أيلول وصاعدا نتيجة الدخول بمواسم النوات البحرية، كما أن عرض البحر مختلف تماما عن الشاطئ، إذ ان الامواج فيه أعلى والتيارات أقوى، وممكن أن يعلوا بأي لحظة ويتعرض لأمواج من شأنها أن تكسر المراكب المحملة فوق قدرتها الاستيعابية. ثالثا، اذا تعطل المحرك في عرض البحر، لا يمكن حينها السيطرة عليه ويصبح غرقه سهلا، وبخاصة اذا اصيب الركاب بحالة من الذعر وعمت الفوضى”.
يختم: “البحر له ناسه، وطقوسه، ومخاطره، وليس جميع البشر مؤهلة لركب أمواجه، وقضاء أيام بطولها تصارع اهواءه.”
الدولة اللبنانية هي المجرم الاكبر…
على الرغم من كل الجدل الذي أثير حول اذا كان الركاب ملامون أم لا، الا ان الجميع متفق على ان الدولة اللبنانية هي المجرم الاكبر، فهي من حولت سويسرا الشرق الى جهنم، وعدمت جميع مقومات العيش الكريم في البلاد، كما ان رجالاتها هم حماة مهربون قوارب الموت، وهذا ما أكده في وقت سابق المستشار في التنمية والسياسات الاجتماعية ومكافحة الفقر، أديب نعمة لــ “السؤال الآن” بقوله: “في ظل هذه الأوضاع، هناك أطراف عصابات تعمل لاستغلال أوضاع الناس وحسهم على فكرة الهجرة بالطرق اللانظامية، وما يتبين غالبا لأهالي المدينة، أن هناك قسما من هذه التجارة يتم من قبل عصابات منظمة محمية بغطاء سياسي، ويتم استنتاج ذلك من خلال أنّ من يقدمون نحو هذه الافعال هم اشخاص معروفين، يتم اعتقالهم في بعض الأحيان من ثم يطلق سراحهم”.
جميع التجارب كان مصيرها الفشل…
في حديث لـ “السؤال الآن” مع أحد المهاجرين الماكثين ببلاد أوروبا والمطلعين على ملف زوارق الموت، يشير الى ان ” الحياة في لبنان أصبحت صعبة، لكن على اللبنانيين أن يفكروا مليا قبل اتخاذهم قرار الهجرة اللانظامية. أولا: المبالغ التي يدفعونها مقابل هجرتهم من لبنان الى اوروبا ليست قليلة، ففي حال كانت العائلة مؤلفة من 4 أشخاص تكلفها المسألة 20 الف دولار وهذا رقما كبيرا، لدفعه مقابل السفر عبر البحر وبشكل غير آمن. بالاضافة الى ان أوروبا تعاني في الوقت الراهن اثر حرب روسيا على اوكرانيا من انقطاع التيار الكهربائي والفواتير أصبحت عالية، والغاز غير متوفر، والحسابات حاليا ستكون مختلفة لذا يجب وزن الامور بشكل جيد لاتخاذ القرار المناسب” .
يضيف: “هناك أشخاص يلقون حتفهم جراء محاولتهم المرور عبر الغابات للوصول الى اليونان او دول اوروبية اخرى، هناك قصص يجب ان يتعلموا منها اللبنانيين قبل المخاطرة بحياتهم والسفر عبر البحر صعب جدا، فالمغاربة كانوا يحاولون الابحار الى اسبانيا والتوانسة أيضا لديهم تجارب في هذا المضمار وجميعها كان مصيرها الفشل، وبالتالي ان عصابات التهريب حول العالم مشكلة اساسية يجب معالجتها” .
آخر تطورات زورق الموت…
أوقفت مديرية المخابرات في لبنان المتهم بتهريب مهاجرين غير شرعيين عبر البحر وذلك انطلاقاً من الشاطئ اللبناني الممتد من العريضة شمالاً حتى المنية جنوباً. وقد ثبت نتيجة التحقيق تورطه في القضية، كما اعترف بالإعداد لعملية التهريب الأخيرة من لبنان إلى إيطاليا عبر البحر، والتي أسفرت عن غرق المركب قبالة الشواطئ السورية.
واكد المرصد السوري عن ارتفاع عدد ضحايا قارب طرطوس إلى 91 قتيلا. وتم العثور على 9 جثث من بين ال 14 لبنانيًّا الذين كانوا على متنه، اذ نقلت 9 جثث في الأمس الى لبنان7 منهم من الجنسية اللبنانية واثنان من الجنسية الفلسطينية.