بين إفلاس المصارف وحقوق المودعين .. الحل بالهيكلة
حسين عطايا
لم تكن الازمة المالية والاقتصادية، التي تعصف بلبنان منذ ثلاث سنوات على التوالي وليدة الصدفة، أو نتاجاً لحركة الشعب اللبناني المنتفض في السابع عشر من تشرين الاول ـــ اوكتوبر ٢٠١٩، كما يروج جهلة وببغاءات العهد الجهنمي ومنظومة الفساد الحاكمة وبعض المستفيدين من سياسات العهود المتراكمة والمنتفعين:
هذه الازمة وليدة سياساتٍ مالية وأخطاء إقتصادية قاتلة راكمتها منظومة الحكم على مدى ثلاثين عاماً متتالية من مافيا تحكم الوطن من خلال إعتماد سياسات مالية غب الطلب، أي وفقاً لمشيئة المنظومة وتسهيلاً لتغطية العجز في ميزان المدفوعات والذي بدأ يزداد، بعد أن وضعت الحرب أوزارها وبدء عملية إعادة البناء التي راكمت الدين العام، وأسهمت بسياسات الصرف من دون سياساتٍ عامة تسعى للتوازن بميزان المدفوعات والذي بدأ يزداد سنة بعد سنة، خصوصاً منذ العام ٢٠١١، حيث كانت السنة الفاصلة والتي من خلالها بدأت نسبة العجز تتراكم أكثر فأكثر واتخذت مساراً انحدارياً خطيراً، على ضوئها بدأت سياسة ما تُسمى بالهندسات المالية.
وللعلم فقط بأن طوال فترة الحرب لم يمر لبنان سوى بسنتين فقط كان فيه العجز ظاهراً بميزان المدفوعات، إذ كان ميزان المدفوعات يُسجل ارتفاعاً في فائض ميزان المدفوعات، وبالتالي كانت نسبة السيولة بالدولار الامركي لدى مجموع المصارف اللبنانية يزيد عن ٩٩%، بينما اليوم لا يزيد عن ٧% او اقل في ايلول ٢٠١٩ أي في بداية الازمة .
ففي هذه السنة الفاصلة، قام مصرف لبنان بعملية ما سُمي الهندسات المالية، والتي هي كانت بمثابة الخديعة الموصوفة، لا بل عملية الاحتيال التي وافقته عليها إدارة القطاع المصرفي، طمعاً ببعض الفوائد المرتفعة والتي زادت عن 6%، بينما في بقية دول العالم لم تكن لتزيد عن 0,55%، وبالتالي أدى طمع إدارة القطاع المصرفي لايداع ما يُقارب 100 مليار دولار من ودائع الناس المُجمعة لديها في البنك المركزي، والذي بدوره كان يتبع سياسة سد الفجوة في ميزان المدفوعات والذي تراكم نتيجة سياسات المنظومة الحاكمة في الصرف وفقاً للقاعدة الاثنا عشرية، ومن دون ضوابط ورقابة تشريعية أو قانونية ومن دون قطع حساب للموازنات السابقة، وأصبحت الموازنات السنوية شكلية لا تتضمن أية برامج استثمارية او خططاً استثماربة تزيد نسبة الاعمال المنتجة، لا بل تم تهميش وإهمال قطاعات أساسية ومهمة في الناتج الوطني مما زاد نسبة الاستهلاك والمعتمد على الاستيراد، مما زاد نسبة العجز في الموازنات المتتالية وعجزاً إضافياً في ميزان المدفوعات .
إذن وباختصار، سياسة الهندسات المالية في قطاع المصارف هي عمليات احتيال ونصب على اللبنانيين لسرقة ودائعهم وتأمين سد العجز المالي المتراكم والذي استسهلته منظومة الحكم، وبالتالي هو عملية نهب منظم للمال العام ولتعب اللبنانيين من خلال نهب ودائعهم المتراكمة في المصارف والتي استثمرتها المصارف التجارية في مصرف لبنان، أي أنها حلقة جهنمية اوصلت العجز بالسيولة في الدولار الى ما نسبته 7% في ايلول 2019 اي قبل الانتفاضة وبداية الانهيار بعدما كانت تزيد عن نسبة 99% فيما مضى .
لذلك، من حق اللبنانيين وخصوصاً أصحاب الودائع لدى إدارات المصارف والتي لا زالت تمتلك أوراق قوة تضغط من خلالها على الحكومات المتعاقبة وتقف سداً منيعاً في وجهة اية مشاريع لإعادة هيكلة قطاع المصارف وتبث الاشاعات عن ان ذلك سيؤدي الى إفلاس المصارف وضياع حقوق المودعين .
ووفقاً لمصدرٍ يُعتبر خبيراً مالياً واقتصادياً مطلعاً بأن الحل في القطاع المصرفي يعنمد على النقاط التالية :
ـــــ ضرورة إعادة هيكلة قطاع المصارف حتى ولو ادى ذلك إلى إشهار إفلاس بعض المصارف وبالتالي وضع اليد على أُصول المصارف المفلسة وبيعها ورد ودائع مودعينها .
ـــ هيكلة المصارف اللبنانية والتي تمتلك قدرة على زيادة رأس مالها بما يُعيد للبنانيين ثقتهم ببعض المصارف اللبنانية .
ــــ الضغط على الحكومة اللبنانية لتسهيل دخول مصارف عربية او اجنبية تمتلك الملائة الضرورية حتى ولو ادى ذلك لتقديم إعفاءات ضريبية لتلك المصارف .
فالحقيقة تقول بأن اللبنانيين قد فقدوا الثقة بالمصارف اللبنانية لسنوات وسنوات مقبلة.
<
p style=”text-align: justify;”>لذلك أصبح من الضروري اتخاذ سياسات مالية واقتصادية مدروسة ووفقاً لخطة تعافي اقتصادية ومالية تُحاكي ضرورات الحل لإنقاذ ما تبقى من مقومات مالية واقتصادية وتداركاً لما قد ينتج من أزمات متلاحقة، تزيد الامر اكثر تعقيداً وتوصل باللبنانيين الى قعر الجحيم.