لبنان – إسرائيل: الترسيم في خواتيمه
حسين عطايا
حين يقول رئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي – يائير لابيد والذي يُعلن عن “أن الترسيم اتفاقاً تاريخياً سيضخ المليارات من الدولارات في الاقتصاد الاسرائيلي، ويوفر لاسرائيل الأمن على الحدود الشمالية” .
ذلك يعني بأن ألاتفاق ليس مجرد عملية ترسيم حدود بحرية فقط، بل وبناء على ما تقدم، الاتفاق يتضمن بنوداً أمنية تضمن الحدود الشمالية البرية والبحرية، بما فيها أمن حقل كاريش وما يليه من حقول نفطية وغاز، مما يوفر ضمانات طويلة الأجل سترتاح الحدود الجنوبية للبنان، مما يتيح للبلاد أن تتنفس الصعداء بعض الشيء.
بمعنى آخر أن الترسيم هو اتفاق بين دولتين وعملية تطبيع حقيقية بين لبنان وإسرائيل، وبالتالي كل الخطاب السياسي الذي استعمله حزب الله على مدى سنوات قد أصبح من الماضي، وبالتالي ما بعد الترسيم ليس كما قبله .
فالسلاح أصبح أداة قمع وتخويف داخلي لا شأن لها بالمقاومة وحماية الحدود .
هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى قد تكون اتفاقية الترسيم تُعطي الداخل اللبناني بعضاً من الراحة والطمأنينة، فيرتاح الاقتصاد اللبناني بعض الشيء، ولكن ذلك الأمر ليس برداً وسلاماً على الشعب اللبناني، لأن لمنظومة الفساد الحاكمة، وبالنظر إلى ما تسرب من معلومات حول إقدام بعض المقربين من العهد على تأسيس شركات “أوف شور” لتكون شركات وسيطة ما بين لبنان وشركات النفط التي تعمل على التنقيب في المياه الإقليمية اللبنانية، مما يُعطي هذه الشركات أرباحاً على حساب الخزينة اللبنانية، وعلى حساب حقوق اللبنانيين في ثرواتهم وآمالهم في العيش الرغيد في وطنٍ يحمي حقوق الأجيال القادمة .
إذن، وبناء على التجارب الكثيرة والمتعددة، والتي سبقت هذه المرحلة تُنبيءُ بأن منظومة الفساد الحاكمة، والتي تنازلت عن مساحة تُقدر بما يزيد عن 1450 كيلومتراً من المياه البحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، حين تنازلت عن الخط 29 ، وذلك من خلال عدم تصحيح خطأ حكومة ميقاتي في العام 2011 ، والتي فرطت بحقوق لبنان فيما خص العلاقة مع قبرص ومع سوريا ومع إسرائيل في الحدود البحرية الجنوبية، مما استدعى تعديلاً ضرورياً للمرسوم 6433 والذي من خلاله يتم تعديل الحدود البحرية ويجري إيداعه للأمم المتحدة، فيتخذ الصفة الشرعية اللبنانية ويُصبح مغطى دولياً من خلال إيداعه الأمم المتحدة، ولكن هذا الأمر لم يتم، لأن الرئيس ميشال عون احتفظ بالمرسوم في أدراج قصر بعبدا، وبذلك أكملت المنظومة مفاوضاتها عبر الرؤساء الثلاثة الذين اختصروا لبنان ومؤسساته، وبقيت بنود الاتفاق طي الكتمان غير معروفة، حتى من قِبل أعضاء مجلس النواب كما غيرهم من وزراء في حكومة تصريف الأعمال، لأنهم يختصرون بأشخاصهم (ميشال عون، نبيه بري ونجيب ميقاتي) كل المؤسسات اللبنانية تشريعية وتنفيذية وإدارية، مما يعطي اللبنانيين حقهم في التوجس خيفة من بنود بقيت طي الكتمان، ليكون الاتفاق يضر بمصلحة اللبنانيين وحقوقهم في ثرواتهم من نفط وغاز وغيرها .
لهذا، مطلوب وقبل التوقيع على الاتفاقية، عرضها على مجلس النواب ليتحمل النواب المنتخبين حديثاً مسؤلياتهم أمام ناخبيهم، وإلا اعتُبر الاتفاق غير مناسب للبنان، وقد يتقدم اللبنانييون عبر المنظمات الحقوقية المحلية والدولية لإبطال الاتفاقية والسعي لاستعاداة حقوق اللبنانيين وتثبيتها بموجب القوانين ومواد الدستور اللبناني وحق الشعوب في التمتع بثرواتها، وفقاً لبنود القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة .
واخيراً، أثبتت الاتفاقية على أنها تطبيعاً للعلاقات مابين لبنان وإسرائيل، والتي تُعتبر سابقة في الحياة السياسية اللبنانية، وأثبتت المنظومة الحاكمة على أنها غير مؤهلة لقيادة البلاد، لانها أدخلت لبنان في ازمات متتالية، واليوم تتنازل عن حقوق اللبنانيين في ثرواتهم البحرية، كما أن هذه الاتفاقية قد تضر بالحدود البرية، لاسيما فيما خص منطقة رأس الناقورة، وبشكلٍ خاص النقطة B1 والتي تُشكل نقطة أساس في ترسيم الحدود البرية والتي لازالت غير مُرسمة بشكلٍ كامل نظراً لتحفظ لبنان على عددا من النقاط الحدودية .